مقالات الأهرام اليومى

الهضبة السورية خط التماس الإقليمى

لا أنكر أن القرار الأخير (مارس 2019) الدعائى، منعدم القيمة والتأثير، للرئيس الأمريكى ترامب، بالاعتراف بسيادة إسرائيل على الجولان بعد القدس(ديسمبر 2017)، أصابنى، بحالة من الحزن العميق، والرفض الكامل. وشعرت بأن الأمريكيين فى عهدة ترامب دخلوا على الأزمة السورية، وكعادتهم مع الأزمات المستعصية للقضايا العربية، وهم يقعون فى الخطأ بالكامل، فقد أرادوا أن يضعوا إسرائيل على حافة التماس، لما هو قادم من الأيام فى المنطقة العربية. فالقرار لم يغير شيئا منذ 1981، عندما أعلن الكنيست الإسرائيلى ضم الجولان، بل أكثر من ذلك، منذ 10 يونيو 1967، عندما خرج المذيع الإسرائيلى بعد الحرب الخاطفة، وأعلن أن (الهضبة السورية) فى أيادينا!! لم يستطع هذا المذيع إلا أن يقول الحقيقة، إنها أرض سورية، وهى بالفعل قلب الشام العربى، والاحتلال الغاشم لا يغير الحقائق، ولا يسقط الحقوق بالتقادم أبدا.

ولن يستطيعوا فى إسرائيل أو أمريكا معا، بل فى كل أوروبا التى رفضت هذا القرار الدعائى، أن يحصلوا عليها، ولن أعود إلى السرد القانونى الدولى الذى يرفض هذا القرار المشين، ويعرف الجميع أنه لا يوجد أحد يقبل به، ولن يكون الحقيقة أبدا، وأن احتلال هذه الأرض، مهما تمر السنوات، لن يكون مشروعا، ولا يمكن لأحد قبوله، أو رفضه، فهو ليس قرار حكومات، بل هو قرار الشعوب العربية، ولذلك فهو مستحيل من كل النواحى، إذا كانوا يبحثون عن السلام، أو التعايش بين هذه الشعوب المختلفة. والبرهان على ذلك أن الاحتلال فى منطقتنا لا يبقى، رغم استمراره سنوات.. وهذا الإعلان لا يمكن أن يستمر، فهذه المساحة (1860 كيلو مترا مربعا جنوب لبنان، وجنوب سوريا، وشمال فلسطين، والأردن، هضبة يبلغ متوسط ارتفاعها 1000 متر.. تفصلها عن دمشق 60 كيلو مترا.. لاحظوا أنها موقع استراتيجى متحرك فى كل أضلاعه). هل يمكن أن تتحرك كل هذه العواصم فى هذا المكان؟ وهل تستطيع إسرائيل أو أمريكا الحصول على أى سلام أو حتى التعايش بهذا الأسلوب؟ كل الحقائق تقول.. لا، وكل السوابق التاريخية تؤكد هذا الرأى، إذن ماذا يحدث بالضبط؟ كيف نقاوم هذه الهجمة التاريخية؟ يبدو أن الأمريكيين والإسرائيليين يراهنون على تغيير الخريطة السورية التى تعانى ويلات حرب أهلية طاحنة، استمرت 8 سنوات، ويتنافس على أجزائها الروس والأمريكيون والإيرانيون، وخلفهم حزب الله اللبنانى – الإيرانى، ثم الأتراك، وخلفهم جماعات متطرفة، أهمها الدواعش والإخوان، إذا تناسينا رغبة الأكراد، وتطلعاتهم فى سوريا والعراق إلى دولة مستقلة، وقطعا إسرائيل الحاضر المستمر فى كل شبر من سوريا وفلسطين.

هذا أولا، أما ثانيا، فإن الرهان الإسرائيلى، بل الغربى عموما، يستند إلى أن قدرة هذه المنطقة على التعايش مع الاختلاف الدينى، والتعدد الطائفى محدودة، أو يتلاشى مع مرور الأيام، وهنا أريد أن أحدد أن الأزمات والحروب والكوارث الطائفية تحدث، وتتكرر فى عالمنا باستمرار، ولكن هذه المنطقة العربية أثبتت أنها قادرة على هضم هذه الثورات، أو الاضطرابات، والتعامل معها مع البقاء حية، بل حتى التكيف مع الحروب الأهلية، والعودة إلى التعايش، والحياة المشتركة.. أما الرهانات المخيفة على المذهبية والطائفية فى منطقتنا يجب أن توضع فى حجمها الطبيعى، والأهم أن ندرك أن كل الأديان والمذاهب واحدة، وتدرك الشعوب ذلك، ولكن بعض الدول الإقليمية أو السياسيين الانتهازيين، وهم كثر فى منطقتنا، يوظفون الاختلاف الدينى أو الطائفى لزرع الفتن، لصالح المصالح الاستعمارية..

ومنطقتنا العربية تقف الآن على حافة التماس مع كل الشركاء الإقليميين،(تركيا وإيران وإسرائيل)، بعد معاناتها الشديدة بفعل الحرب الأمريكية فى العراق، وحروب الخليج المتتابعة، أو الضعف الذى صاحب الاضطرابات أو الثورات، أو ما عرف باسم الربيع العربى، وهو من نبه إلى أهمية تجاوزه، وعودة الرباط العربى قويا، وإعادة ترتيب المنطقة، بما يحمى المصالح العربية، وألا ندخل فى اللعبة الدولية التى تضعها إيران، بتوظيف المذهب الشيعى، وخلق فتنة بين السنة والشيعة، أو ما تفعله تركيا، وبعض الشركاء العرب، بتوظيف التيارات الدينية المتعصبة، أو ما يعرف بالإسلام السياسى، أو توظيف الميليشيات الدينية الشيعية، أو على الجانب الآخر السنى. لتخرج المنطقة العربية من هذه المرحلة الحساسة التى منيت فيها أكثر دولنا بحالة من الضعف والهشاشة.. أستطيع أن أرى بوضوح أن المواقف الأمريكية أو الإسرائيلية، خاصة ضم القدس والجولان لإسرائيل، إنها مواقف هزلية أو دعائية، أو توظيف انتخابى محض.. يضرهم أكثر مما ينفعهم على المديين المتوسط والطويل، ومن يراهنون على انتصار اليمين أو المتطرفين أو المتعصبين عليهم أن يرجعوا أنفسهم.. فمن الذى انتصر أخيرا فى نيوزيلندا بعد الجريمة البشعة التى مُنِىَ بها المسلمون هناك؟ وكيف استطاعت مصر إدارة صراع سياسى، وسلمى قضائى، استمر أكثر من 4 عقود، وأجبرت فيه أمريكا وإسرائيل على التسليم برد الأراضى المحتلة، والتسليم بالحقوق العربية والمصرية؟.

كان من الممكن أن تكون اليوم الأراضى المصرية في(سيناء وطابا) موضوعا للمساومة فى صراع إقليمى محتدم، يدخل فيه كل الشركاء الإقليميين للعرب (تركيا وإسرائيل وإيران ) على خط التماس.. ولا يمكن أن أنهى هذا المقال دون الإشادة بالرأى العام المصرى، والعربى عموما، فقد استطاع أن يقرأ ما يحدث، وتجاوزه، ووضعه فى مكانه الطبيعى. كما أن التحرك الإقليمى خاصة المصرى، يتسم بالكثير من الحكمة والرشاد .. كمثال (اللقاء المصرى العراقى الأردنى)لإعادة بناء تحالف طبيعى، وكذلك قمة تونس التى تلتئم فى ظروف صعبة، ولاتزال قادرة على التعبير عن العرب، وأنهم يقفون ضد هذه الهجمة التاريخية التى تجيء من مواقع متعددة، وفى وقت واحد.. وأرى أن العرب قادرون على صد هذه الهجمة الاستعمارية الجديدة..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى