مقالات الأهرام العربى

نوبة إفاقة .. أو سفينة نوح!

لست من هواة البكاء على حالنا فى المنطقة العربية، والفرص الضائعة حولنا، لكنى أتلهف على كلمة صادقة، أو عمل مبهر يغير من حالنا، ويضعنا فى أفق جديد يتناسب مع العصر الذى نعيشه.

عندما اجتمع القادة العرب فى العاصمة التونسية فى القمة المعنونة بالثلاثين، آخر مارس 2019، كان الرأى العام العربى فى حالة يرثى لها، تسوده حالة من التشاؤم، ويتغذى على الصعوبات، فالدماء تسيل غزيرة فى سوريا فى قلب الشام، وفى اليمن، وشمال إفريقيا، وفى ليبيا، والأوضاع السياسية متفجرة فى كل العواصم العربية، والارتباك يسود الجميع، الجزائر لا تعرف كيف تخرج من أزمتها السياسية.. الجولان.. الهضبة السورية المتحركة التى تطل على سوريا وفلسطين والأردن.

الرئيس الأمريكى يقف بكرافتته الحمراء إلى جوار نيتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنفس الكرافتة يحتفيان معا بتوقيع حق السيادة الإسرائيلية على هذه النقطة الإستراتيجية بقلب الشام، مستغلا أنها محتلة إسرائيليا منذ 52 عاما، لأنه يتغذى على الحرب الأهلية الطاحنة التى أكلت سوريا أكلا خلال 8 سنوات، دخلت فيها تركيا وإيران وإسرائيل، والقوى الإقليمية المحيطة بالعرب على سوريا، وكل القوى الكبرى العالمية فى عالمنا – أمريكا وروسيا وفرنسا – هى الأخرى موجودة بجيوش عسكرية، وكل بسلاح عسكرى وثقافى يريد أن يلتهم قلب العروبة دمشق وما حولها، ونحن نعيش هجمة استعمارية شاملة جديدة، تأتى من كل صوب وحدب، تريد أن تعيد العرب جميعا إلى حظيرة الاستعمار العالمى والإقليمي، كأن منطقتنا بلا حكم وبلا شعب صرعى لكل قادر فى عالمنا وفى منطقتنا.
تساءلت: كيف سيجتمع العرب؟ وماذا يقولون؟ لكنى سمعت صوت مصر.. يتلوه الرئيس عبد الفتاح السيسى، الذى حمل مصيره على يده منذ سنوات قليلة، وتولى المسئولية فى مصر فى الزمن الصعب، لم يخش إلا الله، وكانت كل الظروف غير مواتية، لكن الوطنية المصرية الجارفة فى عروقه دفعته إلى التحرك لإنقاذ مصر وحماية مصيرها مما يخطط له الأشرار، لكى تكون مرتعا للذئاب، وتقع فريسة فى أيدى من لا يرحم الوطن وشعبه، فتم الإنقاذ سريعا، وتجاوب معه الشعب فى ملحمة نادرة فى التاريخ الحديث، ستظل مسطرة ومحفورة فى تاريخنا، نحكيها للأجيال الحالية والمقبلة..
فكيف يظهر البطل فى لحظات الخوف والضياع، فيصنع ملحمة خالدة للمصريين فى البطولة والإنقاذ، المنقذ يتحرك ينقذ مصر من الاحتلال والسقوط، ولا يتوقف ولا ينتظر، ولا يأخذ نفسا، ولا يحتفل ولا يستعرض بطولته، فهو يرى أمامه، لأنه يريد أن يرى مصر كما يحلم، وكما عاش ينتظر، فينتقل بها إلى ملحمة بناء وتنمية يعجز العقل المعاصر عن أن يستوعبها أو يقدرها، وتعرف مغزاها الأجيال المقبلة، لكنها من حسن حظ مصر تحدث وتتطور باستمرار وبلا توقف، وفى كل المجالات – عسكرية ومدنية واقتصادية واجتماعية – بشكل مذهل، كأنها متوالية هندسية.

هذا البطل الأسطورى، ذهب إلى قمة تونس مثلما ذهب من قبل إلى إثيوبيا، فى قمة إفريقيا ليتولى رئاستها لعام 2019، لكنه فى قمة تونس لم يشعر بما نشعر به – نحن العرب – من خوف على المستقبل العربى، ومن تدهور الحال، أكثر من ذلك، فذهب إلى هناك يطلق صيحة أو نوبة إفاقة للعرب ككل، بعد أن طمأنهم على مصر، وعلى شعبها، ووضع أجندة لحلول المشاكل العربية، حاملاً الأمانة ومطالبا بوقف نزيف الدم العربى الذى يسيل، وكيف نحفظ دولنا.

الأحداث تداهمنا، لا نملك معها إلا المواجهة الكاملة للإرهاب والتطرف، نواجه التراكمات الموروثة والاستحقاقات القديمة وحزمة الأزمات التى تفجرت فى الـ8 سنوات الماضية فى أكثر من بلد عربى، من سوريا إلى ليبيا إلى اليمن وغيرها، من تحمل الأخطار التفكك والطائفية والإرهاب إلى التدخلات الإقليمية فى شئون دولنا.
أزمات منطقتنا معروفة ومتاحة.. الغائب فقط هو الإرادة السياسية، والرغبة الصادقة فى نبذ الفرقة، وإعلاء المصلحة الوطنية.. ثم أطلق الرئيس السيسى نوبة الصحيان أو نوبة الإفاقة، كما سماها، وكما دوى صوته فى أنحاء قاعة القمة، وسوف يستمر يدوى، فهو صوت للمستقبل، يحمل فى طياته القدرة على المواجهة، واتخاذ القرار، ووضع الحلول.

لم نكن ننتظر فى قمة العرب فى تونس أن تنتهى مشاكلنا وأزماتنا فى كل مكان، لكننا كنا ولا نزال نريد أن نسمع أن العرب ما زالوا قادرين، وأنهم سيواجهون المشاكل متحدين، نريد أن نرى فلسطين دولة وعاصمتها القدس الشرقية.. نريد ألا تتمزق سوريا إلى دويلات طائفية ودينية، يحصل فيها الدروز فى الجولان على دولة تحكمها إسرائيل، كما تحصل باقى الطوائف الصغيرة على دول ممزقة، وهكذا يجهزون على تجربة دولة لبنان التى حمت الطوائف والمذاهب فى دولة حرة منذ التحرير والاستقلال حتى الآن، ثم تنزلق باقى المنطقة إلى التمزق والتفكك من العراق إلى الأردن ومنها إلى شمال إفريقيا وإلى الخليج العربى، وساعتها لن تكون مصر بعيدة، نريد أن نرى ليبيا تعود دولة غنية وأهلها هناك، نريد أن يتوقف النزيف اليمنى المخيف.

نريد أن يوقف العرب الانهيار، وأن يحموا منطقتنا ودولنا من الإجهاز عليها، ونريد أن يتوقف جيراننا الإيرانيون عن التدخل فى شئوننا والتحكم فيها، وكذلك الأتراك، وأن تعرف إسرائيل حدودها..
ولن يتحقق كل ذلك بدون وعى الشعوب وتعاونها، لكى يصنعوا شيئا، كما نريد أن نتقدم بحلول ناجعة، لا تنقصها الشجاعة واحترام الواقع، وأن نفتح صفحة جديدة مع دولنا وشعوبنا ومع العالم من حولنا، حتى لا يجرفنا الطوفان المقبل.
لقد تصورت قمة العرب الأخيرة نوبة إفاقة، أو سفينة نوح، لكى نتجه إليها جميعا بوعى وإدراك.
نوبة السيسى للصحيان أو الإفاقة هى السفينة الجديدة للعرب..
فهل يسمعنا أحد؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى