الجزائريون وبوتفليقة

نجح الجزائريون فى تقديم حالة شعبية شفافة، ومثالية ونزيهة، وسلمية لم تسقط فيها ضحية واحدة.
شكل حضارى راق، جعلنا نفخر بهم نحن جميعا فى أنحاء البلاد العربية..رفض الجزائريون من يحكمون وطلبوا، وهذا من حقهم جميعا، ألا يترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لفترة خامسة، احتراما لتاريخه وسنه ومرضه.
وكان الجزائريون حريصين جدا فى مطالبهم، وراعوا مكانة وتاريخ الرئيس، فهو من المجاهدين الذين لعبوا أدوارا تاريخية متعددة، ليس فى الـ 20 عاما الماضية فقط، لكن منذ 50 عاما فى ثورة تحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي، نحن جميعا كنا نترقب الشعب الجزائرى وهو فى الشارع .
أجيال الجزائر الجديدة لها حق أن تختار، وأن تنتقل إلى عالم جديد للشباب، وإلى جمهورية جديدة.. كنا جميعا نترقب حراك الجزائريين، ونحن فى خوف عليهم أن تنقلب هذه الحالة الفريدة إلى عنف، فيفلت الزمام وتنزلق البلاد إلى ما لا تحمد عقباه، كما حدث فى الربيع العربى فى الكثير من بلداننا.. كان خوفنا على الجزائريين أكبر من أن نشاركهم فى دعواتهم، فنكون مثل الذين يتدخلون، ونحن لا نعرف، لكننا كنا نشفق عليهم وعلى الرئيس المريض بوتفليقة البطل الذى هزمه المرض.
عندما عاد بوتفليقة من رحلة العلاج كان أول قرار له هو عدم الترشح، وتأجيل الانتخابات، والبحث عن شخصية جامعة للجزائريين للحوار، وإعداد دستور جديد بسرعة البرق..
التقط الجزائريون إشارة الرئيس ففرحوا، بعفوية كبيرة، لتحتفل الجزائر بالدولة الجديدة.. الشعب الجزائرى غيّر الأوضاع ووضع الجزائر فى طريق جديد.. صحح الأوضاع دون إراقة الدماء ..سطر الجزائريون فى تاريخهم حدثا خالدا فى تاريخ الجزائر، بل فى تاريخ العرب جميعا.. فحدث تجاوب شعبى بين الرئيس وبين الشعب.
قرار بوتفليقة خطوة كبيرة لحماية الجزائر.. والشعب الجزائرى أثبت قدرته الفائقة فى التعبير عن مستقبله، وعن حمايته مستقبل الجزائر، ليسعدنا فى هذه اللحظات، ونهنئ الجزائريين بانتصارهم وحماية مستقبل بلادهم..
خطوة بوتفليقة، وتجاوب الشعب أنقذت الجزائر، وجعلتنا نتنفس الصعداء معهم، ونستبشر خيرا بالجزائر فى مستقبل الأيام، فهو البلد الذى قدم الملايين والتضحيات من أجل الاستقلال والحرية.. هو الوطن الغنى بموارده البشرية والمادية.
خاضت الجزائر عشرية سوداء، وحربا بشعة ضد التطرف والإرهاب، الذى حاول الاستحواذ على هذا البلد، وفشل فشلا ذريعا، لأن الشعب والجيش هبا للدفاع عن مستقبل الجزائر ضد هذا الخطر الذى تربص بالبلد الحبيب.
الشعب الجزائرى تحرك بعفوية وبكرامة وطنية ، ولم يقبل أى تدخل خارجى فى شئونه، سواء من المجتمع الدولى أم من المحيط الإقليمي.
حركة الجزائريين مارس 2019 سيكون لها تأثير كبير على مستقبل الجزائر، بل ستكون مؤثرة جدا على مجمل أوضاع الشعوب العربية، إنها خطوة كبيرة فى تاريخ الجزائر، وفى تاريخ العرب.
الرئيس الجزائرى التاسع كان فى الحكم، وكان فى سن الخامسة والعشرين.. حين مثل السياسة الخارجية طوال حكم أحمد بن بيلا وهوارى بومدين، الذى ظل فى الحكم إلى أن أصبح شيخا كبيرا..
يحسب للرجل أنه هندس نهاية الحرب الأهلية فى الجزائر، مثلما نجح فى المشاركة فى تحرير الجزائر، ومد الله فى عمره، لكى ينهى احتجاج الجزائريين بشكل سلمى وهو مريض، فى ظروف صعبة..
تحية للجزائريين وللجزائر.. تحية لرئيسهم بوتفليقة، وتمنياتنا ودعاؤنا للجزائريين أن يجتازوا أزماتهم المقبلة ،ويصلوا إلى بر الأمان ، ولأن الجزائر بلد مركزى فى قلب العالم العربي، وفى قلب إفريقيا ، لأن الجزائر بلد غنى بشعبه وموارده، فهو قادر على بناء دولة قوية، تكون سندا لشعبها ولمحيطها العربى.
ستكون قلوبنا خفاقة مع الشعب الجزائرى حتى يصل إلى انتخاب رئيس جديد، وإقرار دستور جديد، ويحافظ على مؤسسات بلاده.
أعتقد أن الجزائريين مدركون خطورة الأيام المقبلة، وأنهم سيقدمون النموذج لحماية البلاد، والانتقال إلى ديمقراطية جزائرية، وعليهم أن يعضوا بالنواجذ على ما تحقق لبلادهم من صورة بيضاء بلا دماء أو ضحايا. عليهم أن يقدموا النموذج الأفضل لكى تتخلص البلاد من الفوضى والاضطرابات..
الثورات مثل البكتيريا معدية للجميع، وعندما تكون ناجحة وسلمية تحمى الدولة، بل تحمى المنطقة وتقدم دروسا فاعلة فى أن تكون حركة الجماهير واعية ومدركة لخطورة حركتها على مستقبل البلاد.. بل على مستقبل المنطقة ككل.
تحية للجزائر والجزائريين الأبطال والأحرار والعقلاء والمتحضرين معا.