عبده مباشر

عندما صدر كتاب الصحفى المرموق عبده مباشر عن الفريق أول محمد أحمد صادق، وزير الحربية الأسبق ذلك العسكرى البارز، (سنوات فى قلب الصراع) كنت مهتما – قبل اهتمامى بمذكرات الشخصيات العسكرية التى لها أدوار مهمة فى تاريخ العسكرية المصرية – بشخصية المؤلف ودأبه فى أداء مهامه الصحفية فى كل الأوقات، وفى كل الظروف، وقبل أن أكتب عن المذكرات التى أجدها فرصة لكى أكتب عن الأستاذ عبده مباشر الذى عرفت منه الكثير عن حرب أكتوبر 1973 وماذا فعل العسكريون، أو الجيش المصرى، حين واجه هزيمة 67 ؟ ثم انتقل إلى صناعة المقاومة حتى تحقق النصر فى 73.
وفى «الأهرام» كان عبده مباشر وجهتى. حين كان يكتب لسنوات طويلة المقالات والقصص الصحفية عن الجيش والعسكرية المصرية، بصورة لم يرق إليها أحد.
كان يكتب بلغة عميقة وصحيحة وصادقة ومتكاملة، وأنا أطالبه بأن يعيد نشر كتاباته العسكرية فى الأهرام، فهى ترقى إلى مستوى الأدب، والأهم فيها المعلوماتية والصدق والدقة بلا مبالغة ..
كان يكتب ويعرف أن التاريخ يسجل ويحفظ ما يقول، فصنع اسما فى عالم الصحافة، لذا يجب أن يحصل على أعلى الجوائز، وأن يكون فى أرفع الأماكن المهنية، فقد تخصص فى الصحافة العسكرية الدقيقة والشاملة، وهو العلم الصعب، وما ينشر فيه كان عادة قليلا، ومصحوبا بالدعاية أكثر من المعلوماتية.. ولكنه صنع العكس، وحقق المعادلة الصعبة التى لا تتكرر عادة فى هذه المهنة.
كيف تقول كل شىء وتحترم قارئك؟ وفى الوقت نفسه تحفظ سر جيشك، وأمن وطنك، وتحترم ظروفه العسكرية التى تحجب الأشياء أكثر مما تعرفها وتؤثر السلامة؟
لكن موهبة عبده مباشر صنعت المعجزة فى هذا العمل، بما يشبع قراءه، ويحترم طبيعة وظروف التخصص العسكرى الدقيق والصعب والشائك، وهذا ما صنع النجومية الصحفية لزميلنا الغالى عبده مباشر.
رأيته يواصل هذا المسار عندما صمم على أن يعرض مذكرات الفريق صادق، وهى تكشف جوانب كثيرة، اكتنفت تلك الفترة (مصر ما بعد هزيمة 67 ومصر ما قبل انتصار1973).. وما حدث كله، إنها معلومات للتاريخ، ويجب أن يقرأ كتاب عبده مباشر لكى يعرفها.. كيف اجتازت بلادنا تلك الأيام الصعبة والدقيقة، وكيف تحملنا الهزيمة ووضعناها فى حجمها، وذهبنا فورًا إلى الاستنزاف ثم النصر بعد ذلك، وجاءت المذكرات لتكشف قدرة عبده مباشر على استخراج المعلومات، وعلى صياغتها وعلى احترامه لمهنته ولدوره عبر كل المراحل التى مر بها، لم يصب مباشر فى كل مراحل مهنته بأى فتور أو ملل، وظل مدركا لدور الصحفى فى الحصول على المعلومات، وفى كتابة القصة الشيقة الجميلة لقارئ اليوم، والتى تحفظ التاريخ والدور لقارئ المستقبل.
لذلك انتهزت فرصة نشر هذه المذكرات لكى أقول لزميلى الكريم المقتدر، إن الكلمة الصادقة المتقنة تعيش ولا تبور أبدا، ولا تسقط فى الزحام أو بالتقادم، لكنها تظل عالقة فى الوجدان، وتكشف معدن الصحفى وقدرته على تجاوز العقبات.
زميلى الكبير عبده مباشر تعلمنا منه، ونحن فى مقتبل الأيام، ونتعلم منه ونحن فى المعاش.. إن مهنتنا جميلة، وأن الكلمة واستخراج المعلومات من بطون وعقول المصادر هى القيمة التى لا تعلوها قيمة فى مهنة الصحافة.. ندعو له بطول البقاء والعمل المتواصل، ليظل ملهما للزملاء الصحفيين..
أقول لكم، وللمهنيين حولى، إن كتاب عبده مباشر، عن مذكرات محمد أحمد صادق دليل على قدرة الصحفى واستمراريته، وصقل معدنه، وتعظيم قدرته.
وأقول وقد تعلمت منك درساً بليغا فى مقتبل عمرى، وتعلمت منك عند صدور هذه المذكرات درسا آخر، أكثر من بليغ.
أدعو الجميع أن يتعلموا من مهنتنا.. فالصحافة مازالت قادرة على العطاء فى أصعب الظروف، وأحلكها ..
الأستاذ عبده مباشر.. تحياتى لقدرتك واحترامى لدأبك بلا حدود.