مقالات الأهرام اليومى

نحن وأمريكا والعالم

فى 9 من يناير 2019 دشنت عين مصر الساهرة، واليقظة بنضوج كاف، لتعبر عن نفسها، أنها المركز فى الشرق الأوسط عربيا وإفريقيا..عندما ذهب رئيسها عبد الفتاح السيسى إلى واشنطن، عاصمة القرار (السياسى والاقتصادى) عالميا، وعقدت قمة فاصلة، كانت مصر قادرة وقوية، لتعبر فيها عن مصالح المنطقة، والعالم من حولنا، فإذا نظرنا للمنطقة، فسنراها قد خرجت توا من حالة من المعاناة بل والتدمير، أشبه بحالات الحروب العالمية أو الكبرى.. مناطق ودول محروقة بالكامل، وقضايا جديدة مفزعة، دخلت قاموس الشرق العربى، لا تقل أهمية، أو مكانة عن قضايا قديمة موروثة من زمن الحروب القديمة، ولم تحل بعد.. كقضية فلسطين، وشعبها المشرد منذ أكثر من ستة عقود.

الشرق يغلى، وحروب الفتن والإرهاب والطوائف تطل من جحور القرون الوسطى، لكى تعيش فى القرن الحادى والعشرين من جديد..تجرف كل بلادنا، والحبل على الجرار كما يقولون..وها هى ليبيا واليمن وسوريا.. وعاصمة القرار العالمى (واشنطن) عينها مصوبة على إسرائيل فقط، كيف تنقذها، أو تجعلها تستفيد إلى أقصى درجة مما يحدث فى المنطقة من الاضطرابات والحروب المشتعلة.

وهذه رؤية قاصرة للدولة العظمى، يجب تصحيحها، والتحاور حولها، لأنها لا تحقق أى مصلحة حتى لحليفها المباشر (إسرائيل). كيف لأمريكا أن تفكر فى ضم القدس والجولان لإسرائيل، والمنطقة فى حالتها الراهنة؟ هل هذا يحقق السلام والاستقرار لحليفها (إسرائيل).. كان يجب، ومن الضرورى، أن تسمع الإدارة الأمريكية، ورئيسها ترامب ذلك، بوضوح وجلاء لا لبس فيه، تسمع من مصر مباشرة، وهذا ما حدث..ولذلك، وجدنا حالة السعار، وصغائر الأمور التى يمسك بها تيار الإخوان الإرهابى، وحلفاؤهم فى تركيا وقطر، فقد هالهم أن تحصل مصر ورئيسها على هذه المكانة فى عاصمة القرار العالمى (واشنطن).

وهذا لا يحصل عليه إلا الكبار فى عالمنا الآن..الروس والصينيون والأوروبيون، عموما، عندما يتحركون فى هذا العالم، حول قضاياهم، فهم أولا يتبصرون حول القرار الأمريكى.. ولذلك، فلا مجال لمن يبحث عن الانتصار، وتحقيق مصالح شعوبه أو منطقته، إلا بالذهاب مباشرة، ووضع كل القضايا على طاولة المباحثات، والحوار فى العاصمة الأمريكية، ودفعها نحو الاختيارات الأفضل لقضايانا، وبالتالى للاستقرار العالمى، ولإنقاذ المنطقة من حالتها الراهنة.

ذهبت مصر إلى واشنطن، وهى الدولة القوية التى جابهت الإرهاب والتطرف على مختلف الأصعدة (عسكريا وفكريا).. وحققت معجزة فى هذا المسار، فككت التنظيمات المسلحة، وفندت فكر المتطرفين، وحشدت المؤسسات والشارع نحو الحريات الدينية، بعيدا عن تسلط الإرهابيين والمتطرفين المنتشرين فى عالمنا، وهو الموقف الذى لا يستطيع أى مراقب إنكاره، وقد حظى بالاعتراف الأمريكى. وفى الوقت نفسه حققت معادلة النمو، والتنمية، وتصحيح مسار الدولة، وتجاوز حالة الضعف والترهل التى نجمت عن سنوات ماضية، وعن اضطرابات عصفت بكيان الدولة، أدى إلى تسليمها إلى التيارات المتطرفة.. ثم كانت يقظة الشعب ومؤسساته هى الإنقاذ، ونقطة العودة إلى القوة التى تسرى الآن فى أوصال المجتمع المصرى ودولته، وسوف يحفظ التاريخ أن (قمة أبريل 2019) فى واشنطن،حافظت لمصر على أصول قوية، لعلاقة تحالف، دشنها السادات بعد حرب 73، وبعد اتفاقية السلام 1977، وقد أصبحت مرجعية دائمة لأى حل سياسى، أو سلمى فى الشرق الأوسط.. سوف تظل مفتاحا كما كانت لاتفاقيتى(مصر والأردن)، وستكون لفلسطين وسوريا ولبنان بعد ذلك.. بما يعنى أن التحرك، ومجابهة القضايا، هو طريق الحل، وتحقيق المصالح، كما حافظت القمة المصرية الأمريكية 2019 على علاقة اقتصادية، ومساعدات عسكرية قوية وقديمة، استفادت فيها مصر طوال 4 عقود، سمحت بالاتفاق والاختلاق ولكن وضعت دائما منهجا وأسلوبا للتعامل والتعاون، بما يحقق مصالح العلاقات الثنائية، ويراعى الأبعاد الإقليمية والدولية. القمة 2019 شكلت، مثلما بحثت فى أزمة سد النهضة فى حوض النيل، نقطة لمجابهة التدخلات الإيرانية التى تعصف بالشام ككل، وتريد لبننة المنطقة طائفيا، وكان قرار ضم الجولان السورى يسير فى هذا المنهج، أى أن أمريكا هنا لا تخدم المصالح الإسرائيلية، بقدر ما تقدم هدايا مجانية لإيران التى تحاول الاستحواذ على سوريا طائفيا، وسيكون لقرار الجولان تأثيرات فى هذا المسار.. ولكن عودة الحدود، وحماية سوريا ككل، سيكون بالاعتراف بحدودها كاملة، وهو ما يؤدى إلى انسحاب إيران، بل وروسيا وتركيا من سوريا.. ووضوح الرؤية لدى مصر وضعته أمام واشنطن، أن احترام الحدود العربية الراهنة سينقذ المنطقة ككل، وسيكون نقطة للسلام الإقليمى فى المنطقة.. هنا مصر تغير واشنطن وليس العكس، كما تحاول الأبواق الإخوانية الإقليمية الكارهة للدور المصرى. هكذا يفكر الكبار.. هكذا يكون طريق تحقيق المصالح، وحماية المنطقة والبلاد العربية، ولذلك يجب أن تسير مصر فى مسارها، ولا تنظر وراءها، لأنه لا تحقق مصلحتها الوطنية وحدها، لكن ستحصن عمقها الإقليمى، وحكمتها ستكون طريقا لإنقاذ المنطقة العربية ككل، وعودة حالة الاستقرار لشعوبها فى ليبيا واليمن وسوريا والسودان والجزائر وفلسطين، بل وحماية وادى النيل حتى إثيوبيا والسودان.. ولكل الأصوات التى لا تعرف أن تسكت، ولا تشارك فى تقوية بلادها ومنطقتها، وأصبحت معولا للهدم، واستمرار الانقسام والحروب، وتهجير الشعوب، وضياع مستقبلها..تعلموا من مصر حكمتها وكفى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى