مقالات الأهرام اليومى

إنقاذ السودان

الزلزال السودانى تحرك نحو بر الأمان.. بعد ما يقرب من أربعة أشهر حدث المستحيل، تم إنقاذ السودان من براثن البشير وجماعته الإخوانية، وتلاعباته الخطيرة..قبل أن ينقسم، وتنفصل عنه دارفور.

ويصبح السودان ثلاث دول، كما انقسم الجنوب من قبل، وفى عهد( المتأسلمين 2011).

كان السودانيون قادرين على فعل شيء من المستحيلات، أن يغيروا، ولا تتفكك بلادهم أكثر من ذلك، أو تنزلق إلى فوضى عارمة، أو حرب أهلية جديدة.. ولا يعنى ذلك أننى أقلل من خطورة المرحلة الانتقالية الراهنة على مستقبل السودان، وشعبه الطيب الأمين الذى يجب أن يشغلنا فى مصر، ليس لأننا كنا دولة واحدة، وفعل السياسيون، والشعبويون، وأصحاب المصالح، والباحثون عن السلطة فعلتهم، بتأثيرهم الجبار والسحرى على الشعوب، فى انقسامنا!, كما فعل المتأسلمون، وكما يسميهم السودانيون «الكيزان»، نسبة إلى الكوز المخروم الذى لا يشبع أبدا، التأثير نفسه بعد ذلك على السودان، فانقسم إلى دولتين، وكان فى طريقه إلى ثلاث.. ولم تستقرا حتى الآن، بل إن الخلافات دبت بينهما، وأعتقد أنه عندما ينجو السودان، ويبدأ فى تصحيح أوضاعه، سيكون قادرا على لملمة الأخطاء والكوارث العارمة التى حدثت طوال ثلاثة عقود ماضية فى كلتا الدولتين السودانيتين المنقسمتين ومنع تدخل الكثيرين. السودان والسودانيون هم أهلنا، نشرب معا من ماء النيل الذى يسرى فى عروقنا، وإذا استقروا وانتعشوا، فنستفيد نحن فى مصر، ولا ننسى أن هناك فى بلدنا ما بين (3٫5 – 5 ملايين سوداني) من الشمال والجنوب، يعيشون معنا، لهم مالنا، وعليهم ما علينا، يعيشون بيننا، لا يوجد مخيمات للجوء، ويعملون معنا، ولهم نفس حقوقنا بل وأكثر، ونعتز بهم، مثل كل العرب الموجودين فى مصر، بفعل الحروب والاضطرابات والانهيارات الاقتصادية المتتابعة.. فى عهد الرئيس البشير هجروا السودان الذى كان يعتبر الأكبر مساحة فى العالم العربى وإفريقيا، قبل انفصال الجنوب، والعاشر عالميا، بمساحة تقدر بمليونى كيلو متر مربع.

مصر المكتظة بالسكان أصبحت أكبر بلد عربى تستقبل اللاجئين العرب، من كل البلدان التى تعرضت للحروب والانقسامات (فلسطين, السودان, العراق, ليبيا, سوريا, اليمن, الصومال)، وهل ننسى ما حدث للكويت بعد حرب واحتلال العراق لها؟ ربنا يستر على كل البلاد العربية، وينجيها من الفوضى والحروب والاضطرابات والكوارث السياسية البغيضة، والزلازل الإنسانية التى أصبحت تنافس الطبيعة فى تدمير البنية الإنسانية والحياة البشرية.

حقق الرئيس البشير وجماعته الإخوانية، بالنسبة للسودانيين، أرقاما قياسية من التخريب، والضياع الممنهج للبلد, أكتب هذا، وأنا أحاول ألا أتدخل فى الشأن الداخلى لبلد شقيق.. ولكن لا يستطيع الإخوانيون والمتأسلمون، فى المنطقة عموما، أن يتهربوا من مسئولياتهم عن فترة البشير، أو مما حدث فى السودان من تدمير للبلد، وتقسيمه، وتفكيكه، فى الحروب الأهلية التى لم تتوقف فى أطراف السودان إلى الآن، إلا كهدنة لالتقاط الأنفاس، وسرعان ما تعود موجاتها المتلاحقة بلا توقف كالطوفان، تنزف سودانا باستمرار، ووصل تأثيره السلبى على كل سوداني، بإفقاره إلى أقصى حد ممكن. وتعاون البشير، ومعه الشيخ الداهية حسن الترابي، فى تفخيخ السودان كميليشيات متخاونة، هيمنت على السودان كوطن، وأثرت حتى على الجيش والمؤسسات الأمنية، ولا يمكن أن يستطيع البشير أن يستولى على الحكم السودانى وجيشه طوال العقود الثلاثة التى استمر بها فى سدة الحكم منذ 1989 حتى خلعه فى 2019، إلا بتنظيم الإخوان المتأسلمين..

وهل ننسى أنه أول رئيس يتهم بجرائم حرب أثناء ولايته، وكان مطلوبا من المحكمة الجنائية الدولية، بجرائم ارتكبت فى دارفور؟ وهل ننسى أنه وصل، بتداخلاته فى شئوننا الداخلية، إلى أنه خطط لاغتيال الرئيس المصرى الأسبق فى أديس أبابا؟ وهل ننسى أنه، بتداخلاته، جعل من السودان ملاذا آمنا لكل التنظيمات المتطرفة فى منطقتنا، ولجماعات بن لادن، والإخوان المتأسلمين؟ وهل ننسى أنه فتح السودان لتركيا وقطر؟ وجعل السودان قاعدة للضغط علينا؟ وبالمهادنات المختلفة ظل يلعب الألعاب نفسها التى تصنع الفتن بين مصر والسودان كل حين. وبالرغم من كل ذلك، فإن قدرة القيادات المتتابعة فى مصر على امتصاص السياسات الإخوانية، سواء فى السودان أو فى قطاع غزة، كانت كبيرة، لمصلحة الشعبين هناك، وليس لمصلحة الحكام، ولعدم توسيع الهوة التى يصنعها المتأسلمون على القرارات السياسية لبلادهم وللمنطقة ككل.

إنها مرحلة حساسة، اجتزناها بصعوباتها ومراراتها، ونشعر بالراحة بعد هذا الاجتياز، وندعو لكل جيراننا، سواء فى السودان أو ليبيا، أن يجتازوا مراحل الخطر، والانتقال إلى الاستقرار، ويجب أن نمد لهم كل يد المساعدة دون التدخل فى شئونهم، كما يفعل الأتراك والقطريون المتأسلمون. من الواضح لنا أن خيار الجيش هو خيار الدولة والشعب معا، ويجب أن نساعدهم، وأن نحشد العرب المخلصين لإنقاذ السودان، حتى نمنع صناع الفوضى والمتأسلمين من الاستئساد على حدودنا، ثم نفاجئ بمزيد من المهاجرين واللاجئين، وضياع الاقتصاديات والشعوب معا. إنها مرحلة خطيرة جدا من عمر الشعوب العربية ككل.. ولكن السودان، كما ليبيا، سوف يجتازان، بمساعدة جيوشهم الواعية بالمخاطر، تلك المرحلة الحساسة.. ولكن يجب أن ندفع المجتمع الدولي، والمؤسسات الدولية والإقليمية، لمنع التداخلات فى الشئون الداخلية لكل من السودان وليبيا، بل وبقية الدول العربية.. فالبلاد العربية قادرة على لجم الفوضى والاضطرابات والتعاون معا، إذا توقف الدعم المالى الذى يُوجه لجماعات الفوضى والاضطرابات فى المنطقة العربية ككل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى