مقالات الأهرام اليومى

روعة البيسى وعالم اليقين

عندما يهلّ شهر رمضان بأنواره، يهرع المسلمون لتلمس بركاته، عبر الصوم، وقراءة القرآن الكريم، ويبحثون، فى كل مكان، عن غذاء لأرواحهم، وارتوائها بنفحات تلك الأيام المباركة، وعبيرها الساحر، ويأخذونها زادا يعينهم فى قادم أيامهم..

وقد شغلت نفسى بالتفكير معكم، وسأقدم لكم ما يشغلكم ويشغلنى فى تلك الأيام المباركة، فإننى أقدم للجميع هدية ثمينة للقراءة، فقد وقع تحت نظرى كتاب كامل المحتوى ومتكامل، لكاتبة معاصرة، وصلت إلى القمة فى عالم الكتابة والصحافة، وهى فى هذه الذروة الرفيعة، قدمت (عالم اليقين)، كما تعرفه الأستاذة سناء البيسى.

بعد أن تقرأه يجب أن تدرسه، بل أن تعيش فيه ومعه، فقد وضعته شخصيا إلى جوارى، لكى ألتمس منه زادا، ومعرفة، وتفكرا فى الدين، ومحاولة التدبر فى أحوالنا، وحالنا.

فقد كتبته سناء البيسى، واستخلصته من عصارة خبرتها، وبقدرتها الفذة على البحث والتنقيب فى عالم الأسرار، فاستخلصت حبات اللؤلؤ من بطون التاريخ، ومن العقول المعاصرة عبر الأجيال، وقدمت غذاء ملكات النحل لأرواحنا المشتاقة لهذا الفكر وحلاوته.. فما بالكم بجمال جملتها، وطلاوتها، وقدرتها السهلة على التسلل من عقولنا لأجسادنا، وهى تبنى عشا، وتسكن أرواحنا؟

لا شك أن هذا الِسفْر أكبر من كتاب تقرؤه ويرحل، فلكى نعرف ديننا..(إسلامنا السمح، ونقاءه وعذوبته وجماله الأخاذ عبر شخوصه ورموزه المتتابعة عبر الأجيال)، كان علينا جميعا أن نفعل، ونعمل وندرس ونفكر، ونتدبر ونكتب مثل سناء البيسى، وأن نغوص حتى نصل معها إلى هذا العالم السحرى الجميل الذى ينتظرنا جميعا..إذا عملنا مثلها، ولكن لأنها تحبنا، عاشت من أجلنا كل سنوات عمرها تعمل من أجلنا، فقد أعطاها الخالق جملا من أسراره، وفك لها طلاسم التعبير، وأعطاها جمال العرض، فسطرت هذه العصارة الفكرية الجبارة التى لا أستطيع أن ألخصها هنا..

فهى مكتبة فكرية كاملة، فى تنوعها وثرائها، وغزارة معلوماتها، ولكن يكفى الإشارة إلى(650 صفحة) انتقلت فيها من السيرة النبوية الشريفة, فكشفت روعتها وتجسيدها لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذى كان قرآنا يمشى بين الناس, إلى سيرة الأنبياء والمرسلين جميعا، وهم 1024 من الأنبياء، منهم 350 رسولا للهداية.. لكنهم لم يذكروا جميعا فى كتاب الله.. وتخبرنا عن مصر ومكانتها فى كتابه الكريم، وعن زيارة أبى الأنبياء إبراهيم عليه السلام وأسرته إلى مصر.

وتكسر الكاتبة المتألقة كل الأشكال التقليدية للكتابة، فتقدم صورة حية لرمى الخليل عليه السلام فى النار، وبيع يوسف عليه السلام واستقراره فى مصر، وفقد أبيه يعقوب ماله وصحته حزنا عليه..

وتطوف بنا فى الأسرار، فتقدم عالم الأئمة الكبار: (مالك وأحمد بن حنبل والشافعى وأبو حنيفة).. ورحلتهم الشاقة فى جمع الأحاديث الشريفة، وتستنطق الحدث، وترسم الشخصيات، لا تكتبها فقط، و(هى البارعة فى فن الرسم ومحاكاة الألوان ومعرفة الظلال)، فتقدم تحفة فنية رائعة مع محتوى لا يصل إليه إلا الجبابرة والعظماء، وبلغة سهلة معاصرة.

أى حدث فكرى وأدبى هذا يا سناء؟

لو كان فى بلاد الغرب، ولأصحاب العقول فى عالمنا المعاصر، لاحتفوا به ومنحوه كل الجوائز، ووضعوه أمام الناس ليلا ونهارا، وعلموا به الأطفال والأسر بكل الألوان وبكل الأساليب، فنحن بلاد فقيرة فى العمل والقدرة، إذا حصلت على عمل كبير تعجز عن تقديمه لأهلها، حتى يعيش ويستقر فى وجدان أبنائها، ويحركهم ليصنعوا حضارة جديدة أو متجددة..

ولكن لا تبتئسى سيدتى الجميلة.. فهناك الكثيرون الذين حصلوا على الكتاب وعرفوه، واقتنوه، وأكبروا شخصك، وعملك الجليل، ووضعوه على الأرفف القريبة منهم مثلى، لكى يتغذوا به باستمرار..

ولا تبتئسى سيدتى الجميلة، صاحبة العقل الكبير، فنحن فى بلاد الشرق لا نعرف، ونحن مشغولون بكل شىء، وحصادنا قليل، ولكن بيننا سناء البيسى تعمل من أجل الكل، وتقدم سِفْرها، ولا تنتظر أن تقوم الدنيا وتقعد حول عمل يستحق الاهتمام والتبجيل من أهلك ومواطنيك، ومحبى لغتهم، ومكبرى دينهم..

وأعتذر عن تقصيرى فى هذا العرض الذى لا أستطيع أن ألم به كاملا، خاصة فى هذه المساحة..

فالكاتبة الكبيرة لم تقدم الشخصيات الكبرى فقط، ولكنها كانت معنية بتقديم علمائنا الأجلاء عبر تاريخنا.. من عمر مكرم والإمام محمد عبده ومصطفى محمود، وصولا إلى الباقورى والشيخ الشعراوى، وقيثارة السماء نجوم قراءة القرآن والتلاوة، وفى مقدمتهم الشيخ محمد رفعت..

وطافت بنا عالما سحريا جميلا عبر التاريخ الإسلامى، ووقفت أمام الجمال والقدرة..وكشفت الفتن والمحن.. فنحن لسنا أولاد اليوم فقط.

وقد جعلتنا الأستاذة سناء البيسى نعيش تاريخنا وفكرنا ونعتز به، ونفخر بأنه إسلامنا الجميل السمح، وبخطاب دينى أخاذ يخطف الألباب..

دعونى أحيى الكاتبة التى وصفها الكاتب محمد الباز، بحق، بأنها أم كلثوم الكتابة..جمالا ومعنى..

فهى لم تجعلنى أشعر شخصيا بمتعة القراءة فقط، بل إنها أنارت عقولنا ووجداننا .. وسطرت كتابا لكل الأجيال.. ولكل العقول.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى