تحية للمصريين وبرلمانهم

ستكون فرحة المصريين هذا العام فى رمضان فرحتين، فرحة الشهر الكريم، وأن برلمانهم وجماهيرهم عبرت عن نفسها فى حوار حضارى، أنجز مهمة تعديلات دستورية جوهرية، خلصت دستور 2014 من أكبر عوار فيه، وفتحت بهذه التعديلات تغييرات جوهرية فى الدستور، تفتح أفقا سياسيا جديدا أمامهم، يتيح لهم التفكير العلمى فى إقامة نظام سياسى، مستقر يتواءم ويتكيف إلى حد كبير مع الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الجوهرية، التى تجرى على قدم وساق فى المجتمع المصرى، فى محاولة لتلافى الآثار السلبية الخطيرة التى تأثرت بها البلاد فى سنوات الفوضى والاضطرابات التى ظهرت فى المجتمع المصرى، عقب ما عرف بأحدث أو تطورات الربيع العربى أو عصر الثورات.
ودون الدخول فى تصنيفات أو مسميات كبيرة، تجعلنا ننسى جوهر الأشياء، فإن ما يحدث على أرض الواقع من تغيير هو الذى يعيش للأجيال الراهنة والأجيال المقبلة..
مصر الآن يجب أن تحافظ على ما تحقق لها من استقرار سياسى، وتتجه بسرعة نحو استثماره لصالح أبنائها، وهو ما حققته التعديلات الدستورية، خصوصا باب اختيار وانتخاب الرئيس بتعديل أساسى فى مد فترة الرئاسة، وإتاحة الفرصة للرئيس الحالى لاستكمال برنامجه بالكامل عن طريق تحقيق التوازن الدقيق بين التغيير والانتقال وبين أن تكون مدة الرئاسة كافية لتحقيق المشروع بالكامل للرئيس المنتخب بإجماع الشعب.
وأعتقد أن مدة الرئاسة ست سنوات تحقق هذا الغرض، كما أن إعطاء الرئيس فرصة الترشيح لدورة أخرى فيه تعويض كاف بأن مدة الرئاسة الأولى لم تكن كافية لاستكمال مشروعه، مع المعرفة الدقيقة أن المرحلة الراهنة من العمل السياسى، كانت تحتاج إلى سنوات أطول، لأنها الفترة التى بنى فيها البنية الأساسية للاقتصاد والمؤسسات التى تحمى البلد من الانزلاق، إلى حالة من التوتر والفوضى التى يخلقها الصراع السياسى بدون مؤسسات قوية.
إن قياس تقدم الأمم ونجاح الديمقراطيات يكمن فى القدرة على بناء المؤسسات القوية القادرة على المحافظة على البنيان السياسى والاقتصادى للبلاد.
كما أن ظهور مجلس الشيوخ «الشورى».. كغرفة ثانية للبرلمان، سيتيح سرعة تلبية احتياجات التغيير الاقتصادى والسياسى، وتلبية الطموح الوطنى لتحقيق الاستقرار الكامل.
لقد كانت أمام البرلمان دراسات للأوضاع التى مرت بمصر، وتفكير دقيق لتلافى الأعراض والسلبيات التى نجمت، وتصحيحها بالكامل فى التعديلات التى جرت على الدستور.
ولا يسعنا إلا أن نرى أن البرلمان قد أنجز بأعضائه واللجنة التشريعية، عملا يستحق الإشادة وتم بطريقة شفافة، وحوارات مفتوحة أمام الرأى العام، ستكون نموذجا لقدرة المؤسسات على الحركة فى مصر، وتجعلنا نرى أن البرلمان قد ارتقى إلى مكانة رفيعة بالنسبة للمصريين، لأنه تحرك فى الوقت وبالسرعة المناسبة لإحداث التغيير الدستورى، لأنه أعطى لمصر فرصة لالتقاط الأنفاس والشعور بالاستقرار ومواصلة النمو.
وظهرت كقدرة رفيعة، تتناسب مع ما تتعرض له البلاد من مخاطر واضطرابات، ولندرك أن مصر تعيش فى أخطر مرحلة فى تاريخها، تواجه انهيارا إقليميا حولها، واضطرابات واسعة فى الإقليم، لم تقف عند حدود الحرب فى سيناء على الإرهاب والتطرف، بل إن الشام تعرض لكارثة ماحقة شبيهة بالحروب العالمية، وليبيا هجرت، والسودان قسم ويعيش مرحلة مخاض، والخروج من شرنقة التيارات المتأسلمة، والمغرب العربى كله يعيد النظر فى سياسات كثيرة، وكذلك الخليج فى قلبه حرب اليمن، والتداخلات الإقليمية الإيرانية والتركية لا تتوقف عند حدودنا، بل فى كل المنطقة، وهكذا إسرائيل ومعها أمريكا تدعمها بالكامل للاستفادة من التطورات والحروب التى تحدث فى منطقتنا.
لم يبق لنا إلا مصر، وعلينا أن نحافظ عليها وأن نسارع بمنع أى تدخل خارجى عالمى أو إقليمى فى شئونها الداخلية، ليس من أجل 100 مليون مصرى، بل من أجل 500 مليون عربى، بل من أجل منطقة عربية تتحول يوميا بفعل الحروب والاضطرابات إلى أرض محروقة، وعلينا أن نبنى مصر ونحافظ على المنطقة العربية، وأن تتحرك الدولة المصرية بكل مؤسساتها بلا خوف أو تردد فى حماية الشعب، لأننا لا نملك بلدا آخر، وقد كانت التعديلات الدستورية الأخيرة رسالة قوية من البرلمان إلى كل المؤسسات المصرية، إننا نعى خطورة المرحلة، وبقى على الشعب أن يتحرك لتكون رسالة أقوى للداخل والخارج معا، نقولها ونهتف من أعماقنا… تحيا مصر من أجل شعبها ومن أجل العرب، بل من أجل العالم.