مقالات الأهرام العربى

محمود معوض.. ورحل صحفى متميز

صحافة «الأهرام» عريقة، وصحافة متقدمة فى عالم المهنة، وسوف يحسب لعدة أجيال منها أنها حملت رسالة التخصص المهني، وشعلة الإعلام فى مصر منذ صدورها حتى الآن.. فصنعت الجودة وقدمت المحتوى المتميز، لأنها آمنت، قبل غيرها، بالتخصص، وتقديم الخدمة الصحفية والإعلامية المتكاملة، وأسندته إلى كبار المهنيين فيها.

ليس هذا موضوعنا فهو موجود فى أرشيف «الأهرام»، وفى تاريخ مهنة الصحافة، لكن موضوعى اليوم، أن هناك زميلا مهنيا عالى الطراز رحل عن دنيانا، وسبقنا إلى العالم الأفضل، وله فى أعناقنا شهادة، يجب أن نسجلها، هو الزميل الصحفى البرلمانى الأستاذ محمود معوض – عمل فى مهنة الصحافة (خمسة عقود)، 50 عاما كاملة – توجها فى الديسك المركزى لـ «الأهرام» لمراجعة قصص الصحفيين، وتقديمها فى أبهى صورها، متكاملة وبعناوين فائقة الصنعة والجمال، متفردة من موضوع إلى آخر، وقبلها كان ملء السمع والبصر لدى قراء «الأهرام» الذين يطالعون أخبار البرلمان.
وكان محط أنظار البرلمانيين وخطف أنظارهم، لأن محمود كان يأبى ألا يسبقه أحد فى مشروعات القوانين التى تناقش.. فتنشر فى الأهرام مسودتها، ويعرفها النواب من الأهرام قبل المناقشة.
محمود معوض كان سباقاً دائما، وكنا فى الأهرام ننتظر منه ذلك، عندما تقل الأخبار فى الوزارات نلجأ إلى محمود، فمعه فى حقيبته دائما مشروع قانون يهم الناس، يكون هو مانشيت الأهرام، عندما تقل الأحداث المحلية والعالمية، فهو ملجؤنا للانفراد والتميز فى صبيحة كل يوم، حتى لا تبور سلعتنا، وألا تكون نمطية، فنحن كنا حريصين على التميز، وكان معوض يساعدنا فى تحقيق هذا الهدف..
يجب أن نذكر ذلك لزميلنا الراحل، ونذكر له تعمقه فى معرفة خبايا الشارع السياسى المصرى من خلال نوابه، وهو يكتب التقرير المتكامل الذى يشبع القارئ.

كان هذا مبعث قوة الصحفى محمود معوض الذى ظل يفتخر أنه أول من نشر مسودة القانون فى أول الثمانينيات، وكانت تقيد مهنة الصحافة، وكان لهذا النشر دوى، مكن الإعلاميين والصحفيين، عبر نقابتهم، من إسقاط القانون، وتحمل محمود معوض اتهام الرئيس السادات بأنه نشر مسودة قديمة، وأنها ليست القانون المنتظر، رغم أنها كانت معركة حامية، انتصرت فيها الصحافة، وكان معوض هو الجندى المجهول الذى بإتاحته المعلومة والقانون مبكرا، فرصة ذهبية للحوار والتغيير، بما يحقق مصالح الوطن والمهنة، وهذا هو الدور الخالد لمهنة الصحافة والإعلام.

ليس كل الصحفيين نجوما، فنحن لسنا فنانين، ولكن هى مهنة تصنع النجوم، وتبنى السياسيين، ومحمود معوض الصحفى البرلمانى النابه، كان من هؤلاء النجوم الذين يصنعون نجوم السياسة فى بلادنا لسنوات طويلة، ورغم صعوبة مهمته، وأهميته لدى الرأى العام، ولدى السياسيين، فلم يكن فخرا له بقدر ما كان يفخر بأنه عين الناس وصوت الشعب فى البرلمان وعبر القلم.

كان يراقب النواب السياسيين، ويلتقط بعينه الخبيرة ما يهم الناس وينشره، ولم يكن يهتم بأنه صانع السياسيين والبرلمانيين، قدر اهتمامه بأخبار الناس واحتياجاتهم، وما يريدونه من البرلمان لحياتهم.
وعلى الرغم من أن محمود معوض أثرى مهنة الصحافة، هو وزملاؤه، فى مدرسة المحررين البرلمانيين فى الأهرام، فقد ظل دائما يبحث عما هو غائب فى بلدنا، وظل غاضبا لا يهدأ، يبدو أنه كان يبحث عن الديمقراطية، ولم يجدها.

فى رحيل محمود معوض أحيى زميلى الراحل، وأذكر مآثره، وأقول له: إن زحمة الحياة والقضايا المطروحة لن تنسينا أنه ظل بيننا صحفيا مخضرما كفؤا ومهنيا عالى الكفاءة، أعطى ورحل ولم يشبع من العطاء. جزاه الله كل خير.. وأعطاه ما يستحقه، ونقول له: إن سجلك فى مهنة الصحافة البرلمانية والعطاء للأهرام  كبير، بل أكبر مما كنت تظن، وفيه الكثير من العلامات المضيئة التى يستمر ضوؤها حتى بعد الرحيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى