رمضان كريم (2) فى حب وأخلاق النبى محمد (صلى الله عليه وسلم)

استفتحت شهر الصوم بالدعوة لكل واحد فينا إلى تدبر القرآن الكريم فى الشهر الذى أنزل، واستمر فيه الوحى القرآنى ما يقترب من 21 عاما فى (مكة والمدينة)، يربى أمة الإسلام.. إلى أن اكتمل على قلب نبينا محمد ([)، قبل رحيله بأشهر، (فى السنة الحادية عشرة للهجرة 633م)، وما أحدثه من أثر، وانقلاب فى حياة هذه الأمة، والعالم بعد ذلك.
كان تحولهم طبيعيا، مثلما ينمو الجنين فى بطن أمة عظيمة، تحمل فى وجدانها سر الحياة، ومعنى الوجود، وكتابا كريما، مازال يكشف عن أسراره، وروح الوجود فيه، معطاء لا يتوقف لأنه الكريم، كما أنه المعجزة التى بقيت إلى اليوم، وإلى آخر الزمان، ومن خصائصه الاستمرارية، فى إطار الوعى الحضارى والإنسانى الذى من شأنه التعامل مع كل الحضارات والمجتمعات المعاصرة، وتلك اللاحقة، تبعا لمتغيرات العصور.
ومع كل ذلك، طبقت ما قلته على نفسي، لعلى أجد مخرجا لما آلت إليه أوضاع العالم من حولنا، والعالم الإسلامى والعربي، وما سببه التطرف الدينى من مشكلات جمة، وتطوره إلى إرهاب مخيف، أساء للمسلمين عامة، والعرب خاصة.. كيف ننجو من التطرف والمتطرفين والإرهابيين، ونصنع عالما يستحقه الإسلام والمسلمون، كيف نصنع عالما جديدا؟ كيف نعيد الوجه المشرق لإسلامنا المعتدل السمح الوسطى الذى يجمع ولا يفرق؟ والذى يحتوي، عبر ضفافه، كل الأمم، بل كل الثقافات والأديان، والألوان والأجناس، بمحبة وتعايش وسلام..؟ وجدت أن كل الباحثين الثقات أجمعوا على أن مصير الحضارات واستمرارها لا يستقيم بالسياسة والحكم فقط، بل بقياس العاطفة والعقل أولا، وأن الإنسان الذى حمل الأمانة التى أودعها الخالق، كسرٍ للحياة، إلى نهاية العالم ويوم الدين، والتى لم تتحملها الجبال أو غيرها، وأن الإنسان الذى استخلفه الله، يجب أن يخرج من عبوديته، وكما خرجنا، فى أول رسالة محمد([) يجب أن نخرج الآن من العبودية إلى السيادة، وإذا عدنا إلى رسالة محمد ([) سنجد أنها عامة ودائمة ونملكها وتملكنا، عكس ما يريده لنا التعصب والإرهاب والتطرف.. أنت رائد نفسك فى الإسلام، تستطيع الاستغناء بتفكيرك وبصرك عن غيرك.
لنا رسول كريم، رسم لنا خط السير، وحذرنا من مواطن الخطر، وشرح لنا فى إفاضة، وفى مسيرة غنية، كيف نكون رجالا ونساء متسلحين بقيم الحياة، وليس بقيم القتل والتخويف والموت، ولم يكن محمد ([)إماما لمجموعة من الناس، صلحوا بصلاحه، ولما انتهى أصبحوا فى خبر كان، بل كان قوة من قوى الخير فى عالم المعاني، وأن رسالته وبعثته لتمثل لنا، ولأجيالنا بعدنا، آمنت به وبرسالته السماوية، مرحلة من مراحل التطور فى الوجود الإنساني. إن رسالته تفتيح للأعين والآذان وتجلية للبصائر والأذهان، وذلك مودع فى تراثه الضخم من كتاب وسنة.. إنه دين الحرية لكل فرد فينا، وللإنسان فى كل مكان، مسلما كان أو غيره أو لا دين له، وإنه بعث صلة بين الخلق والحق الذى يصح به وجودهم، والنور الذى يبصرون به غايتهم.
لم تكن رسالة محمد ([) أن يجرك بحبل إلى الجنة، (كما كرس رجال الدين جل جهدهم فى الدعوة)، وإنما عمله أن يقذف فى ضميرك البصر الذى ترى به الحق، ووسيلته إلى ذلك كتاب لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ميسر للذكر، محفوظ من الزيغ.. ذلك سر الخلود فى رسالته، ليس دواء موقوتا، بل هو علاج أصيل لطبيعة الإنسان، وستظل ما بقى الإنسان، وما بقيت الحياة تكرم الإنسان وتجدد حياته.. إن الإسلام، وإن كان هو طريقنا إلى الجنة والخلود.. فهو من الناحية العقلية معرفة الحقيقة.. ومن الناحية العاطفية حب وإعزاز لها، وكراهية للباطل، وعداء صريح له، والأمة الجديرة بالانتماء إليه هى التى تناضل على الحق، ويقوم كيانها المادى والأدبى على ما تبذله فى ذلك من جهد، وتثمر من نتاج.. وسبيلنا لذلك هو القرآن، روح الإسلام ومادته، والرسول ([).. قرآن حى يسعى بين الناس، وعلينا أن ندرك أن كل تراث محمد ([) هو الأخلاق، فقد نشأ عظيم الخلق، كريم السجايا، زكى الروح عالى الهمة، شريف النفس، يحمل صفاء الظاهر والباطن، حميد السيرة، شغوفا بمعانى الأمور ومكارمها، لم تعرف له البشرية صبوة، ولم تحفظ له زلة، ولا عثر له على هفوة.
وإذا كان علينا أن نتحلى بأسوة حسنة، تأخذنا إلى عالم متحضر ومجال إنسانى أوسع، فعلينا أن نعود نتمثل منزلة الأخلاق العظيمة فى الإسلام، والتى رصدها القرآن الكريم، وقد بلغ إجمالى آيات الأخلاق نحو الربع فى عدد آيات القرآن الكريم كله، (أربع وخمسمائة وألف آية)، ابتداء من أول تنزيل فى صدره، سورة العلق التى أمرت بالقراءة، ونوهت بالعلم، وأشادت بالكرم الإلهي، والقراءة والعلم من أسس تنمية الأخلاق وإذكائها فى النفس البشرية، واختتاما بآخر الآيات تنزيلا، وهى قوله تعالي: «واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله»: البقرة (281) حيث أمرت بالتقوى، الأصل الأول للأخلاق الضرورية والاجتماعية وينبع منها كل خلق نبيل.
إن الأخلاق فى شريعة الإسلام هى إحدى أصوله الأربعة، وهى على الترتيب: (الإيمان والأخلاق والعبادات والمعاملات)، وأجزم أننا نستطيع فى فترة وجيزة أن نعيد للإسلام رونقه وجماله وحلاوته، ونعيد سرعة تأثيره بين الناس بأن يتحلى المسلمون فى مشارق الأرض ومغاربها بالروح الأخلاقية الكريمة لرسوله محمد ([)، وأن يصنعوا النموذج من خلال الثقافة والأخلاق. كل العبادات لم تخلق لذاتها، ولكن لذاتنا، لإنقاذنا من أنفسنا، إذا أثرت فينا فحتما ستدفعنا إلى ما أراده لنا الخالق، أى الكمال الأخلاقى، وسنصل معه كما وصل رسولنا محمد ([) إلى كماله الخلقى. لِمَ لا؟.. وعلى جميل آدابه جمالا وزكاة نفسه تزكية ونقاء، وذلك بتوجيهه لكل خير، ودلالته على كل فضل، وتعليمه ما لا يعلم، حتى أضحى يوضح القرآن، حتى غدا القرآن فى شخصه كامنا، وفى ذاته سلوكه مترجما..
كان أصحابه وأمته يرونه على هذه الحال، ونحن نراه كذلك، ونريد أن نتمثله ونعايشه، حتى قالت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها، لمن سألها عن أخلاق رسول الله، فأجابته بقولها: كان خلقه القرآن فهو يهدى للتى هى أقوم..