مقالات الأهرام اليومى

أنفاق وكبارى معلقة.. معنى ومغزى

سيظل فى وجداننا أن افتتاح كوبرى (روض الفرج المعلق) حدث مهم للمصريين تم فى رمضان 1440هـ (مايو 2019)، فهو ليس طريقا فقط، بل مشروع عملاق، يضاف إلى شبكة الطرق المصرية التى أصبحت مفخرة المصرى المعاصر، وقد ظل حلمه الكامن أن تكون لمصر شبكة طرق طولية وعرضية، تخترق كامل مساحتها الأكثر من مليون كيلو متر مربع، فى إشارة إلى عقولهم وضمائرهم أن مصر أصبحت متاحة لهم وبأننا أصبحنا نملك كامل المساحة المصرية، نتحرك فيها فى كل اتجاهاتها، وأن الصحارى أو البحار أو الأنهار لن تكون عائقا أمام هذه الحركة التى ننتظرها من الشعب، بكل فئاته، وأن أول خطوة لبناء وطن قوى، وإتاحة الفرصة لأبنائه للعمل فى ربوعه بالكامل، ستكون عبر هذه الشبكة المتكاملة، والتى تتم بدأب وصبر وسرعة، ليست بعيدة عن الجودة فى الأداء والتنفيذ، والتى تتمثل فى أنها تتم بالمعايير العالمية، بل أكثر منها، حارات واتساع فى الطرق لم نعهده من قبل.

 

ليس له نظير فى كل تاريخنا السابق على الإطلاق، فنحن من الدول أو الشعوب التى لم تراع، بحكم ثقافات ريفية متنوعة، الاهتمام بإنشاء الطرق أو تجميلها، وظلت ثقافة الطريق لدى الريفى رفاهية، قد يشعر أنه لا يستحقها، وأنه لا ضرورة لها، وظل جيلنا يضرب المثل بأحد رؤساء الوزارات فى الحكم الملكى، ومشهود له بالكفاءة فى منطقتنا (دمياط والدقهلية)، وقد حوكم بعد ثورة يوليو 1952 بتهمة إنشاء طريق جديد، يخترق الدلتا كلها من طريق مصر – الإسكندرية الزراعى، من القليوبية مخترقا المنوفية والمنصورة إلى دمياط على البحر الأبيض، هذا الطريق الصغير حبس إبراهيم باشا عبدالهادى لأنه أنشأه، وكان هناك بديل له، فحوكم بتهمة إهدار المال العام!.

لكم أن تتخيلوا الثقافة القديمة، لأننا من الشعوب الفقيرة، ولم تكن لديها سيارات نقل أو ركوب كافية، واعتمدت لسنوات طويلة على السكك الحديدية والنقل النهرى، ورغم اهتمامنا المتأخر بالطرق مازال أمامنا شوط أكبر للاهتمام بالطرق والجراجات، حيث تحولت أهم أحيائنا الجديدة وشوارعها إلى باركينج (جراجات)..

أعود إلى الكوبرى المعلق الذى بلغ عرضه 67 مترا من المنتصف.. وهذا المحور فريد فى اتجاهاتنا فى الطرق، وسوف يمتد من الضبعة إلى مرسى مطروح، وصولا إلى السلوم على الحدود الغربية (600 كيلومتر)، يربط محور روض الفرج والزعفرانة والعين السخنة حتى الضبعة على البحر الأبيض إلى المحور الشمالى.. والأهم من الكوبرى أنه أدخل لمصر صناعة جديدة، هى الكبارى المعلقة، وتتم بأيدى المصريين، وبعدها سوف تنشئ الشركات المصرية كبارى أخرى معلقة، أهمها هو كوبرى خزان أسوان، فقد أصبح طريق الخزان متقادما، والحركة عليه تهدد جسم الخزان، والكوبرى المعلق هو الحل.

إن تاريخنا الصناعى والإنشائى فى الكبارى المعلقة محدود، ولم نكن نملك إلا كوبرى غمرة المعلق الذى حاولنا فيه التدريب على هذه النوعية من الكبارى، قبل إنشاء كوبرى السلام على قناة السويس، وهو الكوبرى الذى بناه اليابانيون، وكنا نحن متفرجين..

اليوم تنتقل تلك الصناعة إلى أيدى المصريين، ننشئ ونشترك وننقل الخبرات العالمية، ونشارك بالعمل وليس بالفرجة، وإذا كان الكوبرى حدثا صناعيا وخدميا مهما للمصريين، فمثله تماما الأنفاق التى اخترقت قناة السويس إلى سيناء.. نفقان أحدهما (فى بورسعيد والآخر بالإسماعيلية).. المثير فى الأنفاق يمكن أن تحسبها 5 أنفاق ذهابا وإيابا، ولكن حتى نكون على مستوى الحدث والتطور الذى يحدث فى مصر، فهما نفقان كبيران فى اتجاهين بالمعايير العالمية للأنفاق الحديثة، بل أكثر قوة وجودة، يربطان غرب مدن القناة بشرقها، لتسهيل حركة التجارة فى منطقة إقليم قناة السويس، إلى جانب نفق الشهيد أحمد حمدى.. وبتنفيذ هذين النفقين أصبحت سيناء متاحة للمصريين عبر 17 نقطة اتصال ما بين الكبارى العائمة، والأنفاق الجديدة، بجانب كوبرى السلام وكوبرى الفردان.

الأنفاق والكبارى كشفت عن أن الاهتمام بالمدن القديمة كالقاهرة والإسكندرية ومحافظات الدلتا والقنال، لها نفس أولوية إنشاء المدن الجديدة، وأن إنشاء عاصمة إدارية للقاهرة لا يعنى أن ننسى القاهرة القديمة، بكل تاريخها وعظمتها وحضارتها، بل إن القاهرة تشهد نهضة عمرانية فى كل أحيائها القديمة، فى السيدة زينب، وفى وسط المدينة، أو عبر جزر النيل، هناك تحديث وتطور، وجاء كوبرى روض الفرج، بعظمته الإنشائية وتأثيره الاقتصادى، ليكشف أبعادا كثيرة على طريق بناء البنية الأساسية فى مصر، وإذا كنت تفتخر بهذه الأحداث، فإننا نعتز بهذه الصناعة، سواء الكبارى أو الأنفاق، فهى صناعة إستراتيجية كبيرة، يتم استقدامها وتوطينها فى مصر، وسوف نستفيد منها فى مجالات عديدة قادمة.

أنفاق سيناء قصة مصرية، وكوبرى روض الفرج وامتداداته حدث مصرى مفرح، يسجل فى ضمير الوطن، وفى زحمة الأحداث المتلاحقة فى منطقتنا، قد لا نشعر بفرحة القصة والحدث، ولكنى قطعت سلسلة ما أكتبه عن رمضان لكى أشارك المصريين فرحتهم بهذا العمل البارز فى تاريخهم.. إنهما ليسا مشروعين كبيرين فقط، يتمان فى إطار سلاسل التغيير التى تحدث فى مصر، ولكنهما علامات قوة على طريق طويل، وصبر عظيم يبديه المصريون الآن فى بناء وطنهم، وتطوير اقتصادهم، بوعى لا مثيل له، وسط منطقة تفور بل تغلى على صفيح ساخن فى الحروب والإرهاب والتطرف، يجذبها لكى تخرج من التاريخ، وتسقط فى الهوة والفوضى والاضطرابات والحروب، والإرهاب وصراعات دينية، ليس لها سبيل إلى التوقف إلا بضياع الشعوب وتمزيق بنيتها الاجتماعية، وتفرق أهاليها إلى شيع وطوائف.. إذا كان لهذه الأعمال والتطورات الاقتصادية، وهى تتم فى حقبة الإرهاب والتطرف وتمزق الشرق كله، أى آثار جانبية أخرى، فيجب على كل فرد فينا أن يساعد فى التخلص من الآثار السلبية للفوضى والإرهاب.

ويجب أن نشير إلى ما يحدث فى منطقة الخليج التى تنتظر حروبا جديدة، وتداخلات أعمق فى شؤونها الداخلية.

إن وعينا بحقوقنا، وما نحققه على أرض الواقع، يجب أن يرتفع إلى ما يحدث فى مصر، من بناء كبير، وتطور هائل فى كل المجالات، ولن يعلو هذا دون استمرار، ووحدة المصريين، وتجمعهم حول هدف كبير للمستقبل، لبلادهم وللأجيال الحالية والقادمة..

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى