مقالات الأهرام اليومى

الشرق على وقع الحرب

على وقع التهديدات العسكرية، بين إيران وأمريكا، أصبح الشرق العربي كله على صفيح ساخن، أو فى حالة تقترب من الحرب، مصحوبة بعقوبات اقتصادية أمريكية لإيران، دخلت مرحلة الخنق التدريجى، بتصفير صادراتها النفطية، وبدلا من أن تهدد إيران الأمريكيين والإسرائيليين، الأعداء المعلنين لها، تهرب أمامهم في سوريا..

 

يبدو لنا أن التهديدات الأمريكية، والحروب الإعلامية، هدفها البحث عن التفاوض حول البرنامج النووي والصواريخ الإيرانية، لكن الأهم، هو كيف نلجم العدوانية الإيرانية ضد الدول العربية؟ لأن التدخل فى الشأن العربى، هو البعد الغائب مع إيران، بل هو دستورها، ونظام حكمها.. ولعل الصورة الآن فى إدلب السورية تؤكد ذلك، فهناك 3 ملايين سوري، غير عشرات الملايين الذين هجروا (ثلث سوريا بالخارج)، مهددين بالاقتلاع من أراضيهم، بينما الجيوش الروسية، والأمريكية، والإيرانية، والتركية، وميليشيات حزب الله، تحاصر الأراضى السورية، باحثة عن النفوذ والسيطرة، والحجة هى اقتلاع الإرهاب، وحماية النظام السورى! أما السوريون البسطاء فليس لهم نصير.. وهكذا الموقف فى العراق، ليس هناك مظاهرات ضد الحرب فى إيران، لكن المتظاهرين، وهم البسطاء من العراقيين المساكين الذين تلظوا بنار حروب صدام والأمريكيين، وهم الآن تحت رحمة إيران، سيكونون أول وقود للحرب المنتظرة، إذا اشتعلت، لا قدر الله. وإذا أمعنا النظر، فإن اللبنانيين هم الآخرون ينتظرهم مصير صعب ومؤلم فى هذه الحرب، لأن أحد جيوش إيران (حزب الله) متمركز هناك، ويأخذ لبنان كلها رهينة إيرانية لمصلحة أولا.. وهكذا الموقف فى اليمن المسكين، الضحية الكاملة للتداخلات الإيرانية فى الشأن العربى، وتجنيدها الحوثيين، بحثا عن الحكم والسيطرة، ولو على جثة اليمن. وهكذا قضية فلسطين، نالت من الحب الإيرانى نصيبا وافرا، فكل الأحزاب الإسلامية، أو المتأسلمة (حليفة إيران)، تحارب بسلاحها وأموالها لمصلحة إيران، وآخر ما تفكر فيه هو قضية الشعب الفلسطينى.. وهكذا ليبيا، على وقع التداخلات الإيرانية والتركية، ينتظرها المصير التعيس نفسه الذى لحق ببعض الدول العربية بلا توقف، بل إن الجميع فى انتظار، كأنه الطوفان أو الزلزال المخيف القادم من المجهول.

فهل هناك حرب كبرى فى الخليج، بدأت تداعياتها بالاعتداءات الإيرانية على السفن والناقلات البترولية، وبطائرات الحوثيين على مراكز إنتاج النفط فى أرامكو السعودية؟ هكذا عودتنا إيران أن يجيء ردها على الأمريكيين والأوروبيين والغرب عموما ضد العرب، فالانتقال إلى المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية ضد إيران كان بمثابة الصاعقة التى وقعت على الداخل الإيراني، وكان المهرب السهل هو تشغيل جيوش إيران، وميليشياتها المنتشرة وخلاياها المتفرعة، لإثارة الفوضى الإقليمية، وهو ما يدعونا إلى أن نطالب العرب الذين سيتوافدون بعد أيام إلى مكة فى قمم متتابعة، بأن يعلنوا حماية بلادنا وشعوبنا من التداخلات الأمريكية والروسية والإسرائيلية، وفى الوقت نفسه حماية أنفسنا من الإيرانيين والأتراك الذين يعودون الآن، بحثا عن دولة الفرس أيام كسرى، أو خلافة العثمانيين تحت رعاية أموال قطرية..

هناك مخاوف من موجة التصعيد الراهنة بين أمريكا وإيران، بأنها ستكون حرب إيران الطاحنة فى قلب المنطقة العربية، أو فى الخليج.. هذه المنطقة الحساسة والهشة، وقد خرجت توا من تداعيات حروب لم تتوقف..

كل الوسطاء الذين يتوافدون الآن، سواء كانوا عربا أو أوروبيين أو روسيين أو صينيين، يجب أن يضعوا أمامهم، ليس البرنامج النووى الإيرانى، أو الأسلحة الباليستية، بل الأسلحة الفتاكة الإيرانية القائمة على الفتن الطائفية، وتصدير الثورات، وأسلمة المجتمعات بالنظرية الإيرانية التى تشاركها الآن تركيا، وقطر بالتمويل والمشاركة الإخوانية، لهز استقرار الدول العربية، وكل أنظمة الحكم فيها، وتطلعاتها لإزالة آثار حقبة الفوضى والاضطرابات الإقليمية التى شملت المنطقة العربية، فى أعقاب ما عرف باسم الربيع العربي.. فقد كان للاتفاق الأول الذي وقعه المجتمع الدولي (5+1)، أعضاء مجلس الأمن وألمانيا، أكبر إساءة للعرب، وكان غريبا أن يضرب المجتمع الدولى بالمصالح العربية مقابل الاتفاق مع إيران، وتحقيق نصر زائف، وكان خروج ترامب من هذا الاتفاق إشارة تصحيح مهمة، قطعا سينضم إليها الأوروبيون، وكذلك يجب أن ينضم الروس والصينيون، لأن الطموحات الإيرانية لن تتوقف عند حدود المنطقة العربية، لكنها ستشعل كل (آسيا)، إذا لم يدرك الشركاء الإقليميون هذا مبكرا. فقد تسبب هذا الاتفاق فى استباحة إيران للمنطقة العربية، بل الاستهانة بالمجتمع الدولي، ووجدنا أن هذه الدعاوى التقطها المغامر التركى أردوغان، فسار على هذا النهج، متعاونا مع أكثر الجماعات المتأسلمة تطرفا، مجندا الإخوان المسلمين، ووجد الطرفان ملاذهما المالى فى قطر التي يهمها زعزعة الاستقرار، ونفوذ الدول الإقليمية المهمة بحجة أنها، بهذه اللعبة الخطيرة، تلعب النموذج الإسرائيلى رقم 2 فى المنطقة.. ولا يعنى، ونحن نسعى إلى وقف هذه الحرب، أننا نغمض الأعين عن الحروب الإيرانية والتركية الجديدة أو الحروب الإسرائيلية التى لم تتوقف فى المنطقة. فيجب ألا يكون السلام جزئيا، بل يجب أن يكون شاملا، ويشترك العرب، أصحاب المنطقة وأغلبيتها السكانية، فى صنعه مع المجتمع الدولى، ويجب ألا يقف العرب متفرجين على ما يحدث فى إقليمهم، بينما تشتعل النيران فى كل بلادهم، وقد أصبح المهاجرون العرب الآن هم الرقم المؤثر والأكبر فى العالم.

الغياب العربى كان هو العلامة الكبرى التى أغرت الإيرانيين بالعودة فى ثياب الملالي لبعث دولة كسرى أو الفرس القادمة، كما كانت هى الإشارة الثابتة لعودة أردوغان ورفاقه فى شكل العثمانيين الجدد، وكانت هى الاستهانة الإسرائيلية بعدم الاعتراف، واستكمال مسيرة السلام التي بدأتها مصر والأردن، ونجحت إلى حد كبير فى وقف العدوانية الإسرائيلية.. لكن التداخلات الإيرانية والتركية والانقسامات الفلسطينية فتحت الطريق إلى تجميد القضية الفلسطينية، ووقف خطوات الحل، والدليل ما حدث فى لبنان، وتشكيل حزب الله الذى أوقف مسار الحل على الجانب اللبنانى. مستقبل المنطقة العربية لن يحل إلا بظهور نظام عربى جديد، يضع من ضمن أهدافه منع التداخلات الخارجية فى الشأن العربى، وبناء منطقة اقتصادية وثقافية موحدة، يحميها نظام أمنى موحد، يعتمد على القوى العربية، ونظام قانونى مستقل، يوقف أى خروج عن المصالح أو أى عدوان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى