أزمة إيران والعرب والغرب ومستقبل الشرق كله

يجب ألا يكون هناك أو هنا من يدفع أو يحض على حرب جديدة فى الشرق الأوسط، أقصد هنا فى الشرق كله عربى أو آسيوى أو غيره، وهناك أقصد الغرب الأمريكى أو الأوروبى.
الأوهام يجب أن تتوقف عند نقطة الروية أو الحكمة، لأن الإمبراطوريات القديمة ماتت، ولا يمكن للقادة المحدثين أن يحيوا الموتى، لا الفرس يصلحون لحكم الشرق، ولا العثمانيون الجدد يصلحون أن يعودوا للخلافة، كما أن الإنجليز والأمريكيين يعرفون حدود التعامل الإمبراطورى، ولا ننكر أن هناك قوى صغرى وقوى كبرى، لكن عصر الاحتلالات ولى ولن يعود.
نحن نعيش فى عصر الشعوب، وإذا لم تراع الحكومات أيا كانت ملالى أو عثمانية أو ملكية أو جمهورية، مصالح شعوبها ومستقبل الأمم، فإن الشعوب لن تصبر عليها طويلا، إذا نظرنا من هذا المنظور للأزمة الحادة الموجودة بين العرب من ناحية، والإيرانيين من ناحية أخرى، وإلى الحصار الاقتصادى العسكرى الأمريكى لإيران، وحالة الاستنفار للحرب فى المنطقة، فإننا يجب أن ننبه الإيرانيين إلى أنهم سيدخلون نفقا مظلما إذا استمروا فى حالة الحرب وفى معاداة جيرانهما وفى استنفزاز المجتمع الدولى (خصوصا أمريكا والغرب من ورائهما) لن يسمح العرب باحتلالهم إيرانيا وفارسيا على الإطلاق، بل إن الشعوب سوف تثور وستمنع التدخل فى شئونها إن آجلا أو عاجلا، ولن ينال الإيرانيون من السوريين أو من العراقيين أو من اليمنيين أو من اللبنانيين والبحرينيين، حتى إن تسلطوا عليهم مؤقتا بفعل الدعاوى الطائفية البغيضة، أو بتجنيد ميليشيات ومرتزقة لبعض الوقت، بل الأهم الذى يجب أن يدركه حكام إيران من الملالى، أنهم لن يستطيعوا أن يتسلطوا على الشعب الإيرانى، وعلى بقية الطوائف التى تعيش بينهم أكثر من ذلك.
الأزمة الراهنة فارقة فى مستقبل إيران، بل مستقبل الشرق كله، حان وقت أن يتحرك الملالى فى طهران وجماعة الخومينى، وخامنئى لتغيير سياساتهم داخليا وإقليميا وعالميا، فالقطار تحرك صوبهم مباشرة وأصبحوا فى هذا المفترق، وعليهم اتخاذ القرار إما بالتغيير والتسليم بالمتغيرات العالمية والإقليمية، وإما أنهم سيتغيرون، ويا حبذا لو كان التغيير من الداخل الإيرانى نفسه، ودون أى ضربات عسكرية خارجية، لأن أى حرب إقليمية جديدة ستؤخر سقوط الملالى، الذين أصبح عليهم مواجهة الشعب الإيرانى المطحون بالعقوبات الاقتصادية وبالجيش، بل بالحرس الثورى نفسه، أصبحت المؤسسة العسكرية تحت ضغط، وأصبح مصيرها مرهونا بتحركها بإزاحة الملالى عن السلطة، خصوصا أن الشعب قد عبر عن سخطه الداخلى، وحدث بالفعل ما نسميه فك التداخل بين الحوزة الشيعية أو قم، والشارع الإيرانى، وبينهم وبين تجار البازار الذين سبقوا أن تحالفوا معهم لإسقاط الشاه.
الموقف الداخلى الإيرانى دقيق وحساس للغاية، ولن يستطيع الاستمرار فى حالة العداء الإقليمى والعالمى، ولم يصبح أمامه إلا أن يزيح الملالى عن الحكم، وأن يتقدم إلى خلق نظام جديد بعد 40 عاما جثم فيها على صدور الإيرانيين، ولم يحقق أى شىء داخلى إلا تصدير الفوضى والاضطرابات إلى الإقليم كله.
لا أتصور حربا خارجية لإسقاط النظام الإيرانى، لكننى أصبحت مدركا أن التغيير سيكون داخليا، فلم تعد إيران تستطيع أن تتحمل تبعات الحصار العسكرى والاقتصادى الإقليمى والعالمى، فى ظل هذه الأوضاع الراهنة، كما أن الحصار لن يتوقف فى حالة استمرار المراوغات الإيرانية والتوسعات الإقليمية التى يصدرها النظام الإيرانى، حتى يشغل (الجيش والحرس الثورى) بها، بدلا من الاهتمام بالشأن الداخلى، وبما أن الأوضاع الاقتصادية تتفاقم، ونظام الملالى، لا يستطيع أن يتغير وأن يهتم بالشعب والشارع الإيرانى، فإن التغيير الداخلى مقبل لا محالة، فقدرة الشعب الإيرانى على تحمل هذه الأوضاع الداخلية المتفاقمة، وصلت إلى قمة الذروة، أو بدأت منحنى جديدا، ويجب أن تكون هناك نقطة بدء مختلفة، وقطعا ستكون داخلية لأن الحرب الخارجية تفاقم الأوضاع، وتهدد بخروج بلد كبير مثل إيران من الخدمة الإقليمية والعالمية، والعالم يحتاج إلى إيران، لكنه يحتاجها دون نظام دينى يغذى الصراعات والفتن الدينية والطائفية، ويتجه إلى الحروب وصناعة الفوضى، وسيكون أسهل على إيران والمنطقة أن يتم تفكيك هذا النظام، وليس حرب شعب عظيم مثل إيران.