عيد فطر سعيد للمصريين

عيد بأية حال عدت يا عيد؟ العود جميل.. لأن العيد هو فى المعنى الذى يكون.. رغم أهمية اليوم نفسه.. وكل عام وأنتم بخير.. (وعيدنا 2019) يجيء قبل يوم من صبيحة (5 يونيو).. لا يمكن للذاكرة الوطنية أن تغفل هذا التاريخ، فهو يوم للتذكر.. كان مصحوبا منذ 52 عاما بهزيمة قاسية، منيت بها البلاد.. احتلت سيناء.. وقناة السويس أغلقت.. وأبناء القنال هجروا فى ربوع الوطن.. فيجيء العيد اليوم، والوطن والأمة تتذكر قدرتها على تغيير الأيام.. جددنا القناة، وربطنا شرقها بغربها بأنفاق حديثة، بأيدٍ مصرية، استوعبت صناعة حديثة، ونعمر الشاطئين معا للمناطق الاقتصادية بالمعايير العالمية.
فالعيد فرحة لكل الأجيال..ليس معنى الفرح فى الالتقاء بالصغار والكبار، ولكن فى القدرة على صياغة الحياة المتقدمة التى يصنعها الكبار لأجيالهم القادمة، ولصغارهم، فيشعرون بامتداد الحياة واستمراريتها، وتواصلها، وتجددها من جيل إلى جيل، ومن يد إلى يد، أكبر وأكثر قدرة واستيعابا للتطورات التكنولوجية الحديثة، والتطور الإنسانى فى كل المجالات.
ولكن للعيد معنى آخر جميلا.. هو أن الكبار يتعلمون فيه من صغارهم البراءة، وحب الحياة والابتسام،( فهؤلاء الأطفال لا يعرفون قياسا للزمن إلا بالسرور)، بعكس ما يجب أن يكون عليه الرجال.. الزمن يعنى التغيير، والتطور، والنمو.. لكى نحافظ لأطفالنا على الابتسام، والضحك، والسرور، والبيئة التى تحقق أحلام الكبار والصغار، والنساء والرجال..
وإذا كان العيد هو السلام، فنحن نتمناه للعالم كله من حولنا، وإذا كان من واجبنا أن نسعد ونسعى للفرحة لمشاركة أطفالنا، فإننا لا نستطيع أن نغمض أعيننا عن أن هناك أطفالا من أهالينا يواجهون القسوة، وسخونة الحروب، وغياب الرحمة، وغياب الأمل والابتسام، (خاصة فى سوريا وفى اليمن وفى ليبيا).. القادرون هاجروا، وتركوا وراءهم أرضا محروقة، وبلادا ضائعة، وإذا كان الملايين هجروا منها، فإن هناك ملايين غيرهم من فقرائهم لم يستطيعوا، وهم يحرقون، ويواجهون الموت، وشظف العيش وصعوباته، بما يجعلنا نتمسك بالسلام، ومواجهة الصراعات بالحوار والتفاوض.
جاء العيد، كل عام وكل فرد فينا، ووطننا، وكل أهالينا بخير، ويجب أن نفرح وننطلق، وأن نسمع إلى صوت الطفل فينا، ونحبه حتى نستطيع أن نعيش فى سلام مع أنفسنا، ومع أطفالنا، وأسرتنا، وأن تنطلق ضحكاتنا..لكى تهزم البراءة الوحوش الكامنة فينا، وأن نهذب أخلاقنا، وترتفع قيمنا، ولا نجعل من بيننا أستاذا جامعيا يتلذذ بأن يحرم ابنته، الطالبة، فى وقت الامتحان، من أن تذهب إلى (دورة المياه) لقضاء حاجتها، ويسيء إلى نفسيتها، بل إلى كل زملائها، وهم يرون الأستاذ يتجرد من كل الأخلاق، متحولا إلى وحش صغير، يفترس طفلة، لأن القدر جعلها تحت رحمته، فبدلا من أن يعلمها القيم، والأخلاق، والإنسانية، وحب الناس، فإذا به يخرج كل الوحوش الداخلية فى نفسه، ويتحول إلى كائن غريب لا نعرفه، ولا نريد أن نعرفه..
كنت أراها حالة شاذة لا تستحق الكتابة، ولكن كلما حاولت أكتب طاردنى شبح الطفلة التى لا أعرفها.. تصورت أنها ابنتى، فقررت أن أكتب عنها، وأقول لها لا تبتئسى يا طفلتى الصغيرة، فقد اقتص لك المجتمع، وزملاؤك، وقطعا فإن جامعتك لن تترك هذا الأستاذ مرة أخرى يعلم الطلاب، فهو لا يحتاج إلى أن يعلم، بقدر ما هو فى حاجة إلى التأهيل النفسى والعقلى من جديد، لكى يكون مؤهلا لقدسية التعليم، ومتابعة أحوال طلابه..
قصة هذا الشخص تتكرر كثيرا فى حياتنا.. موظف يقف ضد معاملات الناس ويؤخرهم، ولا يؤدى مهامه بأخلاق وقيم، وغيرها كثير فى حياتنا (إن شاء الله ستختفى مع الوعى، وعودة القيم، وفهم معنى الحياة).
إن العيد له معان عديدة، نتذكرها هذه الأيام، كما كتبها الرافعى فى كتابه (وحى القلم)، فالعيد فى المعنى الذى يكون فى اليوم لا اليوم نفسه..العيد هو إثبات الأمة لوجودها الروحى فى أجمل معانيه، فأصبح إثبات الأمة وجودها الحيوانى فى أكثر معانيه، لأن العيد يوم استراحة الضعف من ذلة، وكان المبدأ، فرجع يوم المادة!
ليس العيد إلا إشعار الأمة بأن فيها قوة التغيير، لا إشعارها بأن الأيام تتغير، وليس العيد إلا يوما تعرض فيه جمال نظامها الاجتماعى، فيكون يوم الشعور الواحد فى نفوس الجميع، والكلمة الواحدة فى ألسنة الجميع، يوم الشعور بالقدرة على تغيير الأيام، كأنما العيد هو استراحة الأسلحة يوما فى سعيها الحربى. العيد هو تعليم لنا، كيف تتسع روح الحوار حتى يرجع البلد العظيم، وكأنه لأهله دار واحدة، يتحقق فيها الرخاء بمعناه العملى، وتظهر فضيلة الإخلاص للجميع، ويهدى الناس بعضهم إلى بعض، هدايا القلوب المخلصة، المحبة، وكأنما العيد هو إطلاق روح الأسرة الواحدة فى الأمة كلها، فكأنما العيد يوم يفرح فيه الشعب كله بخصائصه.
العيد هو المحبة، تتصافح فيه القلوب قبل الأيدى.. العيد يصنع السلام الداخلى، يضيء للمرء طريق حياته، فلا يظلم، ولا يتعالى، ولا يقع فى كثير من الآثام والضلالات.. العيد مأخوذ من العود، لأنه يعود مرة بعد مرة، وقد جعله الله سبحانه وتعالى يوم فرح وسرور واستبشار، فالفرح بالعيد لإظهار نعمة الله علينا، بالتيسير فى الشرع، وعدم التعسير، وكذلك إكمال الصيام، وشكر نعمة الله على هذه الهداية الخاصة.
ويأتى العيد هذا العام أيضا، ليفرح الشهداء الذين فرحوا فى الدنيا، فامتد فرحهم إلى الآخرة، بالقبض على الإرهابى (هشام عشماوي)، وتقديمه للمحاكمة فى مصر، بعد أكثر من 50 عملية إرهابية ضد بلده وأهله، فتترسخ فى أذهاننا قدرة دولتنا على محاصرة الإرهابيين، وحماية حدودنا من أى اختراق خارجى، وتتأكد قدرة الدولة على محاصرة الإرهابيين فى الداخل وفى الخارج، وحماية سيناء، بل قدرة مصر على مساعدة الجيش الوطنى الليبى فى حماية حدوده، ومحاصرة الإرهابيين، ومنع التدخل الخارجى فى الشئون الليبية، وصولا إلى دولة ليبية جديدة ومستقرة.
تجليات العيد امتدت إلى قمم جدة، لمحاصرة التداخلات الخارجية فى الشأن الداخلى العربى، ومنع التداخلات الفجة من إيران ضد أشقائنا فى الخليج.. تجليات العيد أظهرت قدرة المجتمعات العربية على لجم الفوضى الداخلية فى منطقتنا التى تعبث بها بعض الأنظمة (سواء فى قطر أو تركيا أو إيران) استغلالا لحالة التغييرات السياسية الكبرى التى تشمل كثيرا من بلداننا العربية. وكل عام وأنتم بخير.. وعيد سعيد.