مقالات الأهرام اليومى

الإرهاب الجبان فى كمين الأبطال

فى لحظة مفعمة بالكثير من المعانى المتداخلة، والمركبة، ما يمكن أن يشعر به الإنسان فى يومه، وفى غده، من متغيرات داخل وطنه، وفى إقليمه، وفى العالم، وفى أجواء وأحداث متنوعة.. احتفالات العيد الصغير، والخروج من فريضة الصيام (شهر رمضان الكريم)، والمصريون لم ينسوا أن الإرهاب يتربص بهم، وبأبنائهم، وبلدهم فى كل لحظة، وفى كل مكان..

كانت ضربة كمين فى العريش لضباط وجنود الشرطة، لا أقول موجعة، وهى كذلك بالفعل، لأن دماء كل فرد من أبناء الجيش والشرطة والوطن التى يصيبها الإرهاب الجبان موجعة، لكنها فى الوقت نفسه محفزة وجبارة فى تأثيرها السحرى على كل فرد فينا، وعلى كل مصرى ومصرية، وعلى كل الرجال، بل على كل طفل فينا، فهى لا تخيف، لكنها تحشد، وتعيد التذكير بأننا يجب أن نجتث الإرهاب، ونقتلعه بالكامل من كل ربوع الوطن، ليس من سيناء وحدها، لكن من كل بقعة على أرض مصر، يجب أن نشعر بسياج القانون، وسيطرة كاملة للأمن.

حادث الكمين الصغير والجبان أراد أن يخطف الصورة من أذهان المصريين الذين احتشدوا، بعيونهم وعقولهم، حول رئيسهم السيسي، وهو فى (مركز المنارة) بالتجمع الخامس، عقب صلاة العيد، وحول درر من فلذات أكباد مصر، من أبناء أطفال جنود شهدائنا الراحلين، حيث ذهب رئيسنا نيابة عنا جميعا فى يوم العيد، لكى يكون وسط أطفالنا الذين حرموا من حضن الأب الذى رحل دفاعا عنا جميعا، وحماية لوطن، يظل لنا جميعا، ليقول لأبنائهم الصغار إن الأب لم يغب، ولن يغيب، وإن حضن الوطن أعم وأشمل لكم، ولأسركم، ولأبنائكم، عندما تكبرون، وأكثر استمرارية، بل وظهر لا يسقط يحميهم، ويحمى أمهاتهم، لأن آباءكم حافظوا على عهدنا، وحافظوا على الوطن الذى أدركوا بحسهم، وبصفاء ونقاء بصيرتهم، ووعيهم الكامن، أن الوطن أهم للابن من الأب عند الضرورة، بل من كل شيء، فكانت الاستجابة والتحدى للوطن أن يكون على العهد للأبناء بديلا عن الأب، محتويا بحنان أبوى صادق وخالص، فى مشهد يحمل من الروعة والقدرة على التجسيد والتعبير، ليس لأجيالنا، بل لكل الأجيال المتتابعة.

قدرة الوطن، وتكامل مؤسساته، رئيسا وحكومة وشعبا ومجتمعا، على قلب رجل واحد، الوطن سيبقى قويا، يتحمل كل الضربات بل، كل تبعات ما يحدث، ولن يتوقف، ومسيرته ستكون خيرا لكل الأبناء.. كلنا ساعة هذا الحدث أدركنا معنى العيد فى قلوبنا، وفى بيوتنا، لأن عيدنا يكون دائما فى عيون أطفالنا، فرحتهم هى فرحتنا بالعيد، بل كل لحظة، عندما تبرق عيون الأطفال يستقر حال الوطن، وتدوم لحظة السعادة، ونترجم العيد، ونقول الحمد لله.

عندما كان الرئيس، وأطفال شهداء مصر، يتبادلون الحب والقبلات والأحضان، ساد الأمن الأمل والثقة بيننا، عرفنا أن الرحيل أو الشهادة لا يعنى الغياب، بل تجسيد للحب الكلي، يجمع بين الوطن، وأبنائه..

فهذه ليست صورة مناسبة، لكنها حالة مجتمعية عاشها أبناؤهم، وستعيش فى ذاكرتهم إلى الأبد، وانتقلت لنا جميعا، ولأطفالنا، فشعرنا بأنه لا شيء يضيع هدرا فى مصر، فنقطة الدم التى تسقط دفاعا عنا تتحول إلى وقود، وحب وحنان متجدد، ويستمر ويحتوى الجميع.

إن حادث كمين العريش لن ينسينا، ولن يضيع من عقولنا أن قواتنا وأجهزتنا الأمنية رصدت هشام عشماوى الإرهابى الذى عاث فى بلدنا فسادا، وارتكب جرائم بشعة متكررة، جريمة تلو جريمة، تجاوزت الخمسين، بل أنشأ تنظيما إرهابيا خارج حدودنا، مستغلا حالة الفراغ الأمني، وغياب الدولة الليبية الشقيقة، وأراد أن يكرر تجربة(قاعدة بن لادن والظواهري) فى أفغانستان، و(داعش البغدادي) فى سوريا والعراق، على حدود مصر. تلك المنظمات التى خاضت أمريكا حروبا ضدها فى أفغانستان والعراق وسوريا بعد حادث 11 سبتمبر،2001 ولم تستطع اقتلاعها، ولكن نحن المصريين قادرون أكثر على اقتلاع الإرهاب على حدودنا وفى داخل الوطن بقوة وجلاء، وهذا يعكس المعدن المصرى الأصيل، والقدرة المتجددة.. لم تمر ساعات حتى كان كل من خطط أو شارك فى هذا الكمين البطل الذى عكس ضعف الإرهابيين وتهافتهم، وجبنهم، ليسقطوا فى ساعات فى قبضة الأمن، وبسرعة فائقة..

كانت الصورة الجديدة ناطقة ومعبرة..الإرهاب سيرحل وسيموت، ولن يستمر، وأن ضحاياه شهداء سيعيشون فى قلوبنا وعقولنا، وأن أبناءهم هم فى حبات عيوننا، ليس يوما، ولكن لكل الأيام .

إذا كانت معارك الإرهاب قاسية وطويلة، وتأتى بغتة، فهى تعلمنا أننا يجب أن نساعد الأمن فى اقتلاع التطرف والتفكير الشاذ، واقتلاعه من كل المنابر، بل وتجريمه وتقديم أصحابه لمحاكمات سريعة، فهؤلاء المتطرفون هم مقدمات الإرهاب، بل هم مفارخ هذا الفكر المجرم البغيض، ولا يمكن التسامح معهم، أو التردد فى سرعة محاكمتهم، واقتلاعهم من كل المنابر، وأن صور وتتابع مشروعات التنمية، أو افتتاحات الكبارى والأنفاق والطرق، أى الشرايين التى تمتد فى ربوع الوطن، تفتح المصانع، وتنشر المزارع، ستزيح الإرهاب والتطرف من طريقها حتى يتحول إلى ذكرى بغيضة، مرت على أوطاننا، كما مر النازيون والفاشيون والديكتاتورية على أوروبا والعالم.

يجب أن نتذكر أن هذه الموجة الحالية للإرهاب والإرهابيين ليست مثل سابقاتها التى مرت على بلادنا فى التسعينيات، وتم اجتثاثها ومحاصرتها على نطاق أوسع، فهى مصحوبة بتآمر خارجي، وتداخلات فجة من دول إقليمية، (سعت إلى السلطة فى مصر)، تم اقتلاعها، وهى هذه المرة شاملة، فقد تم اقتلاع (التنظيم الأم) الإخوان المسلمين الذى عاش يرعى الإرهاب المحلي، والإقليمي، والدولى لسنوات طويلة..

ولذلك فكلنا أمل بأن اقتلاع الرأس هذه المرة سيكون نهائيا، وأن بلادنا بعدها ستأخذ نصيبا وافرا من الاستقرار والتقدم، وعلى نفس الصعيد يجب أن يستجيب المجتمع المدني، والمؤسسات التعليمية لدعوة التحديث للخطاب الدينى والإعلامي، بل يمتد لمواجهة كل أشكال التطرف والعنف السياسى والاجتماعى والاقتصادى والفكرى عموما..

عندما يسقط الإرهاب والتطرف والعنف ستدخل بلادنا ووطننا مرحلة جديدة من النمو والازدهار، ويجب أن نعمل جميعا على أن نشارك فيها، وأن نجنى ثمارها لأبنائنا، ولمجتمعنا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى