
(نحن) من نكون؟ هل نحن المصريون أم العرب أم العالم.؟… لا أعرف، أما اللاجئون.. النازحون.. المشردون.. فهم معروفون فى عالمنا اليوم، وقد سجلوا أعلى الأرقام القياسية التى لم تشهدها البشرية، رغم قسوة التاريخ وبشاعته، من حروب عالمية إلى أهلية.
إن تقسيمة العالم اليوم مصنوعة، لكى تهدر القيم الإنسانية بالكامل، أما بشاعة الحالة فى منطقتنا، الشرق العربى خاصة، فجعلها حالة شبة مقبولة، كما أن الضمير الإنساني أصبح ضعيفا مستكينا، وقد تبلد البعض من كثرة بشاعة الحروب، والموت، أو من قسوة الحياة..
نحن جميعا يجب أن نقف، ولو بكلمة، أمام الحالة العامة للتشرد والنزوح، واللاجئين فى عالم اليوم ونرفضها، ونتعاطف مع أهلها، حتى نحافظ على ما تبقى لنا من إنسانية، ونريد أن نسمع إلى صوت كل إنسان، ألجأته الظروف والمعاناة والحروب إلى هذه الحالة الأكثر قسوة، فى عالمنا المعاصر..
من قسوة الزمن على أهل الشرق العربى، أنهم من أكثر الشعوب الذين سجلوا الأرقام القياسية، منذ انتهاء الحربين العالميتين، للتشرد بكل أشكاله، كانت الأولى للأشقاء الفلسطينيين، وقد اتفق الشرق والغرب على إخراجهم من أراضيهم، على موجات متعددة، وتشتتهم فى كل ربوع الأرض، بلا أمل للعودة حتى الآن..
والفلسطينيون لم يفقدوا الأمل، ولم يتكيفوا فى عالمهم الجديد، ومازالوا يقاومون أكثر من 8 عقود ألا يذوبوا، وحافظوا على هويتهم، وهو أول درس قد يفهمه المستعمر، ومن يعاونه، فهو لم يتقبل الفلسطيني، لكنه مازال حيا، يدافع فى الداخل والخارج من أجل وطنه وهويته، ولن يستطيع أحد شراءه وتذويبه أو القضاء عليه، رغم أنه يواجه أشرس أنواع الاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي الغربى، المدعوم بكل القوى فى عالمنا المعاصر، ثم الرقم الثانى فى السنوات العشر الأخيرة الذى يفوق الفلسطينيين، تشردا ولجوءا ونزوحا، كان للسوريين، فقد فاقت أرقامهم 7 ملايين إنسان، بل يقترب الرقم من عشرة ملايين، وهو رقم مخيف، ثم الأفغان، ثم الإخوة فى السودان، جنوبا وشمالا، وفى دارفور، حتى صلوا إلى أكثر من 10 ملايين..
لا أريد أن أغرقكم فى الأرقام، فقد تذهب بكم بعيدا عن هذه البكائية التى أقدمها إلى أى صوت، قد يسمع فى هذا العالم، فبالتأكيد سوف يحاسبنا الكثيرون عما حدث للعرب فى السنوات الماضية، وقد أسمع صوت المصريين، وهم يقولون نحن بلاد فقيرة، استوعبت أعدادا كبيرة من هجرة اللاجئين المشردين فى فلسطين أولا،ثم السودانيين، ثم الليبيين، والعراقيين..
فنحن أكثر البلاد العربية ازدحاما واقتصادنا لا يتحمل، لكننا تحملنا الأشقاء بكل رحابة صدر، ونحن نعرف معنى التشرد، ونحمد الله أن لنا جيشا أنقذنا فى الوقت المناسب من أن نكون امتدادا لهذا الحالة المخيفة من التشرد، وأوقف الصراعات على سلطة لا مبرر ولا قيمة له، وحفظ قيمة الإنسان وحياته وأمنه.. قد أسمع المصريين وهم يقولون لقد أعطينا كل شىء، رغم ظروفنا الصعبة، وحالتنا السكانية المكتظة، ولكن صوت العرب قد يكون ضعيفا، فمازالوا يتقاتلون معا، ويزيدون حالة التشرد والنزوح فى عالمنا، وسوف يحاسبهم الضمير الإنساني، عما فعله الجميع بالإنسان العربى المعاصر..
أما الضمير الأوروبى والأمريكى، رغم مسئوليته الكبرى عن الأمن وحالة الحروب فى المنطقة، فهو لم يلعب الدور المنوط به، ولعل هذا الضمير قد سقط تماما وتمت تعريته فى الأعوام الأخيرة، ولم تبق فيه إلا أصوات صغيرة لعدد من السيدات من الأقليات فى واشنطن، يقفن ضد رأس البلاد، وهو يغير من الأسس التى قامت عليها بلاده، من أجل أن يكسب شعبية، أو يستمر فى البيت الأبيض، وسيدة أخرى ألمانية تنجو بسفينتها، وعليها مئات من المهاجرين بين إيطاليا وألمانيا، وهى تسعى لإنقاذهم وتسلم نفسها للمحاكمة..
ونحن هنا فى الشرق لا نملك مشروعا لإنقاذ ملايين، سقطت بلادهم فى هوة الحرب والصراعات على السلطة، بين جيوشهم وميليشيات وجماعات دينية، أو جماعات تسلطت بالدعم الخارجى للنفوذ فى البلاد العربية!
إن بكاء الطفل السورى، وصراخ الطفل اليمنى، ومعاناة الفلسطينى، والسودانى، والليبى، والعراقى، لا يحرك ضمائرنا بعد، فماذا نفعل ونحن نبكى؟ وهل نطلب من أمراء الحرب، أم أغنياء الدعم الخارجى المجندين إيرانيًا وتركيًا، أو من بعض الأطراف العربية، أن يرحموا الضعفاء؟ وأن يستروا على المشردين؟
إنها حالة بشعة، لا أستطيع أن أكتبها، ولكنه صوت فى البرية، لعله يلتقى مع صوت آخر، أو ضمير آخر غائب ليجتمعا، ويقولا كفى استهتارا بأرواح الشعوب، كفى سعيا إلى سلطة زائفة، وكفى مغامرات فى منطقة تنتحر، ولا تريد أن تسمع صوت الضحايا وأرواحهم التى تقتل كل يوم، حتى إن أرقامهم المخيف…