
كنت قادرا، إلى حد كبير، على قراءة مكانة مصر المعاصرة فى محيطها وعالمها، من نافذة متابعة مؤتمر الشباب في محطته السابعة فى اليومين الأخيرين من يونيو 2019، سواء عبر الأسئلة المباشرة التى وجهت للرئيس السيسى من المصريين، أو من خلال جلسات المؤتمر..
تلك الشرفة المميزة للتواصل الإجتماعى، ناهيك عن رمزية انطلاقه من بقعة تعمير متجددة، هى العاصمة الإدارية الجديدة، شرق القاهرة، فى منتصف ما بين السخنة، والسويس، ومحيط القاهرة الخالدة.
هذه النقطة تطفو بقوة على خريطة مصر الحالية، فى إشارة إلى معان كاملة للتجدد فى كل نواحى الحياة، سوف تجتذب دولة الموظفين التى كثيرا ما اشتكينا من ترهلهم وغيابهم عن التحديث، ومواكبة العصر، بل إلى الإهمال الذى طال دور الحكومة، وامتد إلى داخل أوراقها، ومستنداتها، ودواوينها، وما تعانيه من هشاشة وضعف، إلى صعوبة فى التعامل، ومشقة بالغة لإنجاز ما نصبو إليه من معاملات وحقوق..
كانت الرسالة الأولى إلى أن معاناتنا من الحكومة ورقيا، وتعاملا وأسلوبا، قد قاربت على الانتهاء، وأننا أمام حكومة جديدة وحديثة، ليس فى الشكل وحده، ولكن فى المضمون، تأخذ بمعايير العصر بكل حرفية.. مدن تنطق بالتكنولوجيا، والتحديث عبر مدن بنيت بأساليب الأجيال الأخيرة للتقدم، تذكرنا عملية البناء والمتابعة فى التنفيذ بقدرة الدولة على العمل بانتظام، وبلا توقف، أو معوقات.. تتوقف طويلا.. وتظل تشكو من البطء، وضياع الأحوال.. لم يحدث ذلك فى حالنا الراهنة فى العاصمة الجديدة فقط، بل إن هذا يحدث فى العاصمة الصيفية (العلمين) التى عقدت الحكومة جلستها الأخيرة بها، لتقول إن المدن الجديدة كلها ستدخل الخدمة بأسرع مما تتصورون.. كانت كلها صورا تشير إلى العظمة فى الأداء، وتكامل الرؤية نحو مكانة مصر المرتقبة.
كما لاحظت، بوضوح، الرؤية المصرية نحو إفريقيا، ونحو نهر النيل، منبع الحياة لمصر والمصريين، عبر توفير احتياجاتنا من المياه، وكان المؤتمر فرصة ذهبية، ليعرف المصريون مكانتنا فى القارة التى تعبر عنها مصر، وهى رئيس لقمتها.. الآن المفاوضات والدراسة مستفيضة حول أساليب ملء الخزان للسد، وكيف لا تتضرر مصر.
كما كشف المؤتمر عن التفوق المصرى فى عالم الطاقة .. نملك كهرباء للتصدير.. وأن اكتشافاتنا البترولية لم تتوقف عند حقل ظهر، وأن الاقتصاد المصرى ينمو، وأن الدولة قادرة على أن تصل إلى أبنائها الذين يحتاجون إلى المساواة، وإلى أن شبكة الإنقاذ الوطنى لضحايا الإصلاح الاقتصادى ناجعة، بعد تحديث الشبكات الرقمية، ودخول مصر الرقمى، وإلى أن قدرة الدولة على مجابهة الفساد، ومواصلة إصلاحاتها السياسية، عبر تحديث المحليات، ودمجها فى التطورات الإصلاحية الأخيرة، تأخذ مسارا سريعا للتنفيذ.
عبرت بهذا التفكير إلى أن تلك السياسة هى القادرة على تعزيز مكانة مصر فى محيطها، وليس بالأساليب العدوانية التى تسير فيها الدول الإقليمية والكبرى فى منطقتنا، سواء تركيا أو إيران أو إسرائيل, وإلى أن القوة الإقليمية والدولة القادرة على تطوير آلياتها، ومؤسساتها الاقتصادية والسياسية، وتطويعها لتحقيق طموحات مواطنيها، وتطلعاتهم للحياة فى العالم المعاصر.
أقصد كنت قادرا على أن أرى أنه فى صيف 2019 رأيت دولة جديدة، بزغت للنور بوضوح أكثر، تحسب خطواتها وسياساتها بدقة، وأنها دولة لن تسمح للمتآمرين الصغار أو الكبار بالتأثير فى مسارها الحالى، ورؤيتها المستقبلية، وكان لى أن استشراف أن المتآمرين لم يعد أمامهم إلا أن يسحبوا عملاءهم، سواء كانوا من الإخوانجية أو غيرهم من الأسواق، بل أن يضربوا على أيديهم حتى يغيروا مسارهم، فلا طائل مما يعملون أمام دولة قوية، بل إن المسار الإقليمى لمصر، سواء فى الخليج أو ليبيا أو فى السودان أصبح واضحا، أنه حزام مصرى قوى..
دولتنا أصبحت قادرة على إدارته بذكاء وكفاءة وإتقان، فى زمن صعب، تدهورت فيه معايير كثيرة، وظهرت أطماع دول إقليمية متعددة فى قضم الحقوق العربية وتضييعها، ومثلما كانت مصر قادرة على إدارة مكانتها الإقليمية فى محيط تقوجه، فقد كانت قادرة على النظر نحو المشرق العربى والخليج، وصياغة خيط رفيع من العلاقات، لا يسمح بتدهورها أو تجاوز الحقوق العربية، ولعل بناء تحالف مع السعودية والامارات والبحرين لوقف العدوان التركى والإيرانى والمؤامرات القطرية يعد نموذجا..
إن النموذج الذى تبنيه مصر، داخليا وإقليما، سيكون له تأثير كبير على محيطها العربى والإفريقى، بل سيكون له نقطة الجذب للأدوار الإقليمية المحببة والمطلوبة من الشعوب.
أفضل الأدوار الإقليمية بل وأعظمها هو الذى تمارسه داخليا، وعمليا بدون مظاهر أو شعارات جوفاء، وينتقل عبر الناس، وعبر الرؤية للمنطقة.
مصر تبنى دولة حديثة جاذبة لأبنائها ولمحيطها، ولا تعتدى، ولا تحاول أن تؤثر على الآخرين، كما يجرى من أطراف أخرى فى منطقتنا، ولعل أهمهم إيران وتركيا باستخدام الارهاب والتطرف، وبتحالفات للتعاون والبناء والتنمية، وليس للاعتداء والعدوان، وتجنيد قوى داخلية لإشاعة الفوضى داخل الدول الهشة فى المنطقة، أو فى إسرائيل التى تحاول قضم حقوق الفلسطينيين فى دولتهم المرتقبة، وتأثير ذلك على إشاعة الإرهاب والتطرف..
إن عمليات البناء المصرى، وتحديث المؤسسات، لم تمنع مصر من إرسال نموذج بدعم كل الدول العربية التى تحتاج إليها، وأولها القضية الفلسطينية، ثم ليبيا والسودان وسوريا واليمن عبر عدم التدخل فى شئونها الداخلية، وإرسال رسائل لدعم ومشاركة الجيوش، والمؤسسات الوطنية لبناء هذه الدول التى تهدمت بفعل الاضطرابات التى ألمت بمنطقتنا فى العشرية الأخيرة.