مقالاتمقالات الأهرام اليومى

الخطر القادم من إيران

بقلم: أسامة سرايا

فجأة طل على منطقة الشرق الأوسط اعتداء جديد، يزيد اضطرابات تلك المنطقة الحساسة من العالم، والتى لم تتوقف منذ عقدين وحتى الآن..
تزامنت جريمة الاعتداء على منشآت نفطية مهمة فى السعودية، فى مدينة بقيق السعودية، على شركة أرامكو، مما أثر على الصادرات النفطية هناك، بحوالى النصف، عبر اعتداء عسكرى كامل، بطائرات وصواريخ حديثة ودقيقة، لا تقوم بها قوة عسكرية صغيرة أو ميليشيات مسلحة ..الاتهام مصلط على إيران، وليس بعيدا عنها، فهى الدولة الوحيدة فى المنطقة الأن التى تعيش مأزق الحصار، والعقوبات التى قد تؤدى إلى انفجار داخلى، يعصف باستقرار هذا البلد، وقد يؤدى إلى نهاية الحكم الإيرانى الذى استولى على السلطة منذ 1979وحتى الآن، وتحاول إيران إشعال المنطقة، أو التخلص من هذه العقوبات.
كانت صورة ميليشيات أو إمبراطورية إيران العسكرية المنتشرة فى المنطقة مضحكة ومخجلة للغاية، فسارعت جماعة الحوثيين فى اليمن بتبنى هذا الحادث، بكل تبعاته.. ذكرنا هذا التبنى بجريمة أخرى ارتكبت فى منطقتنا فى 2005، وهى مقتل رئيس الوزراء اللبنانى رفيق الحريرى، لم تكن هذه الجريمة وحدها، فقد سبقتها جرائم متتابعة فى 2004، استهدفت وزراء وسياسيين وصحفيين لبنانيين، وكان معظمها من تدبير حزب الله الإيرانى فى لبنان، ولكن المتهم دائما كان التيارات المتأسلمة أو الدواعش، فلبنان منطقة عمليات خاصة بحزب الله، وكذلك سارع الحشد فى العراق، فى محاولة نفى التهمة، وهكذا كان الموقف عشية هذه الجريمة المفزعة والخطيرة فى أن الإيرانيين يقامرون من جديد بمستقبل الشرق الأوسط كله، من أجل طموحاتهم السياسية والعسكرية، فى التحكم فى معظم بلادنا العربية.
ذكرنى هذا الموقف بالضغوط التى مورست داخليا على الحكومة المصرية، لكى تعيد علاقاتها المقطوعة مع إيران منذ 1980، بعد اندلاع الثورة الإسلامية أو الخومينية، وتحول طهران فى سياساتها إلى نقيضها..عرفت فى ذلك الوقت بها ..
تناؤى الولايات المتحدة الأمريكية، وأنها قطعت علاقاتها مع إسرائيل، ثم أطلقت إيران اسم قاتل السادات الإسلامبولى على أحد شوارع عاصمتها، وظلت علاقات مصر بطهران بين المد والجزر، لأن المصريين وجدوا أن إيران أصبحت تتبنى كل الجماعات الإسلامية المسلحة، من حماس إلى الجهاد، وأنها تستخدم هذه الجماعات لمقاومة أى حلول سياسية للقضية الفلسطينة، بل جعلت هذه القضية الأولى لمنطقتنا مطية للسياسات الإيرانية، بحجة المقاومة للفلسطينيين، وكنت أنا مع الرأى المطالب بعودة العلاقات مع إيران، بل وساعدت فى تقريب وجهات النظر بين البلدين، باستضافة معهد الأهرام الإقليمى للصحافة وقت إدارتى له حوالى 30 صحفيا إيرانيا، لكى ننهى أزمة قطع العلاقات بين البلدين.
دارت حوارات طويلة بيننا وبينهم، أننا لا نتدخل فى الشئون الداخلية لإيران، وعليكم أن تكونوا قبلنا، لا تتدخلوا فى شئوننا الداخلية، وأن تسمية شارع باسم قاتل الرئيس المصرى أنور السادات بطهران، هو تدخل مقيت مرفوض فى الشأن الداخلى لبلادنا..
لم نكن ساعتها نتصور السياسات الإيرانية العدوانية كاملة لكل دول المنطقة العربية!! إلى أن أثمرت جهودنا، فى تقريب وجهات النظر بين البلدين، محاولة دعوة إيران لحضور المشاركة فى معرض القاهرة للكتاب عام 2001، ووصلت الكتب الإيرانية إلى المعرض، ولم تمنع إلا أن كل الكتب القادمة كانت تحمل البصمات السياسية والدينية، والدعوة إلى التشيع، ومناوئة لكل التيارات السلفية أو السنية الأخرى، وحدثت أزمة لم يعلن عن سببها وقتها، ولكن مصر اكتشفت أن هناك طائرتين وصلتا إلى مطار القاهرة، محملتين بأفراد أمنيين إيرانيين، استغلوا الحالة المصرية المنفتحة، وانطلقوا بسياراتهم يجوبون، كما أبلغنى مصدر أمنى رفيع رحمه الله، كل مدن وقرى مصر، يحاولون استغلال حالة المصريين، وحبهم لآل البيت، فى إنشاء تنظيم محب لآل البيت، مثل عصائب أهل الحق فى العراق، وهكذا هى سياسة إيران، إنشاء ميلشيات، وتعسكرها وتستخدمها للضغط على أهل البلاد، للسير فى ركابها، وفرض نفوذها، وللحقيقة اكتشف المصريون المخطط الإيرانى الرامى لضم مصر الكبيرة إلى هذا القطيع الإيرانى الموالى لهم، والذى تستخدمه للتأثير على الدول وسياساتها، وكانت الحكمة المصرية هى استمرارية قطع العلاقات، بل ومراقبة الاتصالات مع إيران وحدها، فقد كشفت إيران، باستغلالها الحالة المصرية الرامية، لكى تكون سياساتها متوازنة مع الكل، أو حالة الشارع المصرى الذى تموج فيه تيارات سياسية مختلفة، وكلها محبة للقضية الفلسطينية، ورافضة للسياسات العدوانية الإسرائيلية والأمريكية على الشعب الفلسطينى..
ولكن هذا الشعور المصرى الطيب، هل يسمح لإيران أو لغيرها أن تنشىء تنظيما دينيا مسلحا فى بلادنا لا يخضع للقوانين المصرية؟
إيران الخومينى وخامنئى تبدو لا تعرف مصر وحتى الآن، وأدت السياسات الأمنية المصرية إلى تلجيم ومواجهة هذا الطموح العدوانى لإيران ضد مصر، ولكن مصر لم تستطع، أمام حالات الحروب والتداخلات الإقليمية، أن تقف ضد ما تخطط له إيران فى لبنان وسوريا والعراق واليمن، وهو ما نجحت فيه إيران تماما، وحتى تقوم بتلغيم المنطقة وتحزيمها للإرهاب أو للحرب.
حادث أرامكو فى السعودية لن يكون الأخير، فالإيرانيون ومعهم الأتراك، وقبلهم الإسرائيليون، يواصلون التخريب فى المنطقة العربية ككل، وهذا يحدث فى ليبيا، مستغلين غياب الدولة أو سقوطها، وكان يحدث فى السودان، ويبدو أخيرا أن السودانيين عزموا الرأى على تحرير بلادهم من التيارات الإخوانية، ومن التداخلات الإيرانية والتركية، وبدأت السودان سياسة الإصلاح السياسى الكبير.. ولكن حالة المنطقة العربية مازالت هشة وضعيفة، ومؤهلة لحروب خطيرة.
فمازال الفلسطينيون لم يحزموا أمرهم، وانقسامهم الراهن بين غزة والضفة كان وراءه إيران وتركيا، فى محاولات لاستغلال هذه العقبة الحساسة، لإضعاف الفلسطينيين، وتقوية الاتجاهات العدوانية الإسرائيلية.
العدوان على أرامكو السعودية، وقبلها على الخليج ومضيق “هرمز”، يشير إلى أن المنطقة العربية مازالت تعيش على صفيح ساخن، وتحتاج إلى من يخمد النيران، وليس لمن يشعل وقود الحروب..
وإذا كانت شعارات إيران قد سقطت، فإن شعارات تركيا العدوانية الإخوانية تسقط يوميا، وكلها تشير إلى أن منطقتنا تحتاج إلى حلول سريعة، وأصبحت لا تتحمل مزيدا من الانهيارات أو الحروب الجديدة، فهل تنتبه الشعوب قبل الحكام لوقف الاضطرابات والانهيارات، لأن حياة الناس كلها فى خطر ، وأصبحوا يعيشون على وقع الانهيارات، والتفجير، والهجرة، والتشرد فى كل بلادنا، وحماية الخليج العربى، من نشوب حرب جديدة، يجب أن يكون هدفا للجميع، ولكن مقاطعة إيران سياسيا واقتصاديا بل ودبلوماسيا يجب أن يمتد لكل دول العالم العربى، لتعرف إيران أن العدوان لن يكون له قيمة، وتقوية بلادنا، وتجفيف المنابع أمام التنظيمات العسكرية الموالية لإيران، يجب أن يكون هدف الجميع، فحرب الإرهاب يجب أن تمتد لتشمل التنظيمات الدينية المتخفية، تحت مظلة “الحرس الثورى الإيرانى”، مثلما تشمل التيارات الإخوانية المتعاونة مع تركيا، وهذه التنظيمات هى أدوات الخطر والتفجير فى كل منطقة الشرق الأوسط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى