
بقلم أسامة سرايا
لا شك، أن غزاة الإقليم العربى يعيدون النظر، ويطيلون التفكير، الآن.. حقائق كثيرة على الأرض تغيرت، منذ فترة وجيزة.. بقى أن يلتقط العرب، فى كل مكان، الخيط منهم، ويمدوا أيديهم لأشقائهم فى لبنان، والعراق، وكذلك فى سوريا، وفلسطين، واليمن، بعد أن جاءت منهم الرسالة واضحة، بل غيروا الخريطة، فالخرائط تتغير بحركة الناس، قائلين : لن يمتد الخلاف الطائفى بين شعوبنا، إذا كانت قياداتنا، وزعماؤنا، قد غلبوا مصالحهم، أو مهادنتهم أخذت أشكالا متعددة للعدوان الأخير، فلن نستورد الفتنة الطائفية، ولن تشتعل حرب بيننا، أو على الهوية الوطنية. لقد غيروا الصورة النمطية، التى رسموها عن اللبنانى، فجاءت انتفاضة أكتوبر ، لتقول، بكل اللهجات، إن الشيعى لن يحارب أخيه السنى، وإنهم فى خندق واحد، كما قالوا من قبل، لن تكون هناك حروب دينية إسلامية، مسيحية.. وهكذا رسالة بغداد، نفسها، على الرغم من الدماء، والمأساة، التى يعيشونها هناك.. الشعبان العربيان حطموا هيبة المرجعيات، التى أرادت تكريس الفتنة، فخرجت الجماهير من شيعة البلدين، أو من القاعدة، التى اعتمدها الوكلاء، فى القضاء على الدولة الوطنية هناك، وذابت الفوارق المذهبية، والتقسيمات الطائفية، على وقع حركة الشعوب فى البلدين.
تحركت الجماهير، وكسرت تابوهات تحكمت فى لبنان، منذ استقلاله، منذ 100عام، تقريبا 1943، عن الاستعمار الفرنسى .. يصور الناس فى كل مكان، ويتكلم اللبنانيون، أنها ثورة الجياع، والبحث عن الاقتصاد، وأقول لهم الجياع يموتون ولا يثورون.. أنتم فى ثورة التحرير الثانى لبلدكم، بل أنتم طليعة المنطقة العربية، ككل.. استقلالكم مر بمحطات قاسية، ومريرة، ولكنه ولد من جديد، أكتوبر 2019 تاريخ سوف يتذكره الإيرانى، والإسرائيلى، والتركى، وكل طامع فى لبنان، والمنطقة العربية، ومستغل لضعفهما، أو طامع فى ثرواتهما.
ما يحدث، على الأرض، فى لبنان، والعراق، تحول كبير فى موازين القوة، ليس فيهما فحسب، بل فى المنطقة بأسرها، البلدان يدفعان ثمن بناء الدولة المستقلة الحديثة، قد لا يكون المتظاهرون، الذين خرجوا فى لبنان، والعراق، على إدراك كامل بما يحدث، ولكن ندرك أنهم يحدثون تحولات لكل عربى، فى كل مكان.. يقولون لن نُهزم فى فلسطين، أو اليمن، أو سوريا، أو فى لبنان، ولكننا سنعيد الخريطة إلى مكانها الصحيح بين الأمم، والشعوب، الحرة، وأن المحتل، والمتدخل الخارجى، سواء كان من إسرائيل، أو إيران، أو تركيا، لم يعد أمامه إلا التفكير، وأن يتراجع، ويحترم حركة الشعوب، لأن وعيها سوف يهزمه، إن لم يكن الآن فغدا، أو بعد غد، وأن تنتهى، وتسقط كل أحلام الإمبراطوريات، الفارسية، والعثمانية، والإسرائيلية، فهناك شعب عربى حر سوف يتحالف مع أشقائه، فى كل مكان، لكى يعطى للمحتل، والمتآمر، درسا جديدا، سيُسجل فى تاريخ هذه المنطقة.
كل ما فعلته إيران من تقديم الهوية الطائفية، وتأخير الهوية الوطنية، ومن فكرة تعرض المذهب الشيعى، فى ولاية الفقيه، وتسويق مبدأ إيران حامية الشيعة حول العالم سقط بتحرك شيعة لبنان، والعراق، وأصواتهم المعبرة، وضحاياهم، الذين سقطوا، بل الأخطر أن حركة الشعوب العربية سوف تهزم الاضطراب السياسى، والفساد المالى، والتدهور الاقتصادى، والغموض المستقبلى لبقية البلاد العربية، لأن صورة الشعوب، وهى تهتف، رسالة لكل العرب، للوحدة، والاتحاد، وتغيير الأوضاع السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، لبلادهم، ككل، إن لم تغير إيران، وتركيا، نفسيهما، وتنضمان إلى حركة الشعوب العربية، وتوجه قيادتيهما إلى سياسات جديدة، وأن تسلما بحقائق العصر، وتعيشا عصر الشعوب، وهو قادم لا محالة، فلا داعى للمماطلة، وتأخير الحل.. وهكذا يسقط المتأسلمون، سواء كانوا سنة أو شيعة، فمازالت صورة خامنئى، وهو يخطب فى 2011، فى ذهنى، وهو يمد يديه لمساعدة ثورة المتأسلمين السنة (الإخوان المسلمين) للسيطرة على مصر، قلب المنطقة العربية، وعودة القرضاوى لمصر، ليقود ثورة دينية، مثلما فعل الخومينى فى 1979، فى إيران، تعيد تقسيم المصريين دينيا، وثقافيا، وتسقط هويتهم المصرية الموحدة، إلى أن أسقطهم الشعب بعد ذلك، وأنا أرى قلاع المتأسلمين الشيعة تسقط، كما سقطت فى مصر منذ 6سنوات. وأنا، الآن، أرى انتصار الشيعة العرب على أنفسهم، وانضمامهم لإخوانهم، وإلى قوميتهم، وبلدانهم، للدفاع عن مستقبلهم.. تحية لهم، ولثورتهم المباركة، وأذكر قادة حزب الله العسكريين أنه فى لبنان كان هناك ضابط لبنانى (سعد حداد) يقود ميليشيا إسرائيلية سقطت، واندمجت فى الوطن الأم، لن يحكم لبنان ميليشيا إيرانية، وتركية، كما سقطت الميليشيا الإسرائيلية من قبل.. فلا تقتلوا الأمل بين شعوبكم، واجعلوا جوهرة التاج الإيرانى هى جوهرة التاج اللبنانى، واعلوا من قيمة المقاومة، لنجعلها لمصلحة شعبها، وليس لقوى خارجية، وانضموا إلى أهاليكم، من البسطاء، الذين لا يحملون السلاح، ولكنهم أقوى من الميليشيا الخارجية، ولا تجعلوا فاتورة التخلص من الطائفية مكلفة على الشعب اللبنانى، المسالم، والمحب للحياة، أما فى العراق، فإن صورة الوطن، ومعاناة الشعب، كشفت عن أن الطائفية لن تعيش فى ربوع العراق، وأن كل الوزارات، يجب أن تغير مسار هذا البلد، فشعبها عظيم، وكفى معاناته، من عصور ما قبل الاحتلال إلى آلاف السنين.. صوت الشعب يجب أن تكون له آذان صاغية، لدى الحكام فى البلدين، ولدى المؤسسات هناك، كما يجب أن تكون الصحوة نفسها لدى العرب الآخرين، ولدى القوى الكبرى فى عالمنا، الأمريكيين، والأوروبيين، والصينيين، والروس، يجب أن ينضموا إلى حركة الشعوب، ويمدوا شبكة الإنقاذ للعالم العربى، فهذه فرصة للعالم حتى ينتصر السلام، ويهزم الإرهاب، والتطرف، والقوى، التى لا تريد لمنطقتنا الاستقرار، والازدهار، الشعوب فعلت ما عليها، وبقى أن تلتقط كل القوى الخارجية، كل فى مكانه، رسالة العرب الجديدة.