مقالاتمقالات الأهرام اليومى

ماذا حدث فى العراق؟!

أسامة سرايا
منذ فترة، والكثيرون مهتمون بحالة الصراع مع إيران، وإن كانت أمريكا فى المقدمة، لكونها القوة الأعظم، فإن هذا الصراع متداخل، وتقريبا يشمل العالم كله، فالأوروبيون موجودون، كما الصينيون، والروس، والهنود، والإسرائيليون، وأهل الشرق الأوسط، وبالقطع العرب، خاصة العراق، والخليجيين، كلنا فى حلقة واحدة.
ولكن ما حدث فجر الجمعة 3 يناير مع بداية العام فى العراق أمر جوهرى، وخطير، وغير عادى، وله مقدماته، كما ستكون له تأثيرات عميقة، ومدوية، على طبيعة هذا الصراع، بين إيران وعالمها، بين إيران وأصدقائها، بين إيران وأعدائها، الظاهريين والمختفين، بين إيران وجيرانها.
لا نريد شخصنة هذا الصراع، فهذه الدولة الدينية، الطائفية، التى قامت فى عام 1979، لم تشبع، بعد، من الحروب، والصراعات، ولم تتوقف يوما عن كسب أرض جديدة، عملاء جدد، ولها فلسفة، وسياسة، لا تتوقف، ترجمها الخومينى بولاية الفقيه دينيا، وضع قاسم سليمانى، الابن البار، هذه الفلسفة، أو الديانة الجديدة، موضع التنفيذ، عبر 3 عقود، بدأب، وبراعة، فائقة.. ولاية الفقيه فى إيران، التى حصلت على اعتراف دولى، بعد قيامها، تدمج الدينى بالسياسى، الفقيه الحاكم فى قم مسئول عن شيعة العالم كله، ووضع نظاما لإنقاذهم- ينفذه فى بلدانهم- من الأغلبية السنية، ليس فى التقاليد الدينية ولكن فى المقدمة منها السياسية، والسيادة على رأسها، أى أن الفقيه الخومينى، وخامنئى من بعده، لم يترجما هذه السياسة، على أرض الواقع، إلا عند إنشاء الحرس الثورى، واختيار القائد الأسطورى، أو بطل إيران، الحاج قاسم، فهو، بالنسبة لهم، بطل وبالنسبة لنا، نحن العرب، هو الديك الرومى، الذى تباهى باحتلال بلادنا، واحدة وراء الأخرى، بدأ بلبنان، وانتهى بسوريا، والعراق، ويحارب الآن فى اليمن، وسيطر بما يكفى فى البلدان الإسلامية الأخري, أفغانستان، وباكستان، والهند، وماليزيا، وإندونيسيا، وحاول مع مصر، وفشل فشلا ذريعا، ولكنه استطاع مع تركيا والتمويل القطرى تجنيد «الإخوان المسلمين» والتمركز فى غزة، للتأثير فى القرار الفلسطينى, وهُزم فى البحرين أمام تدخل السعودية، لكنه قرر الانتقام منها، على أرض اليمن، فى حرب مفتوحة، منذ 3 سنوات، ويلعب فى كل البلدان الخليجية، بلا توقف، لكن.. هل يتم ذلك بعيدا عن الولايات المتحدة الأمريكية، والأوروبيين والروس.. وغيرهم؟.. كان الكل ينتظر أن يتوقف التوسع، وأن يعرف حدود إيران الجديدة، بعد التوسعات الكبيرة، والسيطرة، ولكن يبدو أن شهوة هذا التطور المخيف لعبت بخيال القائد الأسطورى، سليمانى، وهو يرى الجميع يقر له بهذه المساحة، لأول مرة، فى التاريخ، الحديث، لعالمنا، ويعترف له بالإمبراطورية الإيرانية، المرتقبة أو المقبلة، وينسحبون أمامه.. هذا عالم جديد، ينتظر صعود النجم الفارسى، لن تكون فيه إيران دولة نووية فقط، كما تطمح، أو بلدا إقليميا محوريا فى الشرق الأوسط، ولكن ستكون الرقم الأصعب فى العالم كله. لقد كان هناك اتفاق ضمنى، بل موافقة، بين الطرفين المتصارعين، إيران وأمريكا، أن يأخذ كل منهما نصيبه من الحكم بالمنطقة، وأن يساعد كل منهما الآخر، فى حدود خطوط حمراء، لا يتجاوزها الطرفان، ولكن الحروب تبدأ عادة ولا تعرف كيف تنتهى.. قادها سليمانى، وفيلقه، بلا توقف، حتى بدا للجميع أن المرجعية الدينية لم تعد هى صاحبة القرار، فى هذا الصراع، بل إنها أصبحت تابعة للسيد سليمانى، وفيلقه، وسيطرة الجزء على الكل، ببراعته فى التخطيط، فهو الذى يحرز كل يوم انتصارا جديدا، ومختلفا، يؤلف الحكومات العربية، ويضيف إلى قراراته، ما يريده، وهو الحاكم الفعلى داخل إيران، ولذلك لن أتوقف فى موضوع تصفية سليمانى عند حدود القائد العسكرى فقط، أو صاحب أكبر ميليشيات شيعية فى التاريخ، بل كان إشارة إلى أن ما وافقت عليه أمريكا فى الماضى انتهى أوانه بتاريخ 2020، هناك وضع جديد فى الشرق الأوسط، وللتوسع الإيرانى. رحيل سليمانى سيسهل صياغة عالم جديد، له ما بعده، وهو الأهم، فقد كان قرارا إستراتيجيا أمريكيا، اتخذته دوائر عديدة، فى أمريكا، ولم يكن ترامب بطله الوحيد، بل كان هو من صدّق عليه، هذا القرار كان يعنى الحرب الشاملة فى إيران، فالحاكم، أو صاحب المسار، تمت تصفيته، واصطياده، عسكريا، من قبل الاستخبارات الأمريكية، وهو يستعرض حدوده، بين سوريا ولبنان والعراق، بل إنه كان يتفاوض على الحدود مع دول الخليج، تمهيداً للدخول فى مفاوضات مع الولايات المتحدة، والغرب كله، وروسيا والصين واليابان، كل هؤلاء ساعدوا، ولعلنا نشيد بالحكمة الإيرانية، التى أوقفت التصعيد، والحرب، وكذلك تجاوب أمريكا، التى كانت تنتظر منطقتنا، والعالم، وتأثيرها كان مخيفا، على أهم بلدان الشرق الأوسط، إيران تحديدا، فالتهديد الأمريكى بضرب 52 منطقة، لم يكن هو الهدف، وإنما الهدف كان ضرب التاريخ، والحضارة، وكانت المنطقة فى طريقها إلى حالة صعبة، وتدمير يشمل الكثير من البلدان، أكثر مما هى فيه من أوضاع مؤلمة.ت وأخيرا، فإن كل تطلعاتنا المستقبلية، أن يكون حادث بداية يناير 2020، هو طريق الوصول إلى تفاوض، يعيد العقل الإيرانى إلى صوابه، ويُلجم الصراعات فى الشرق العربى، والأوسط، وتتجه المنطقة إلى سلام إقليمى، فأحداث إيران وأمريكا، كشفت عن أن القوة القادرة على صنع السلام، ووقف الحروب، أقوى من شهوة الصراعات، والحروب، وتستطيع التحرك، والتأثير، واللعب، بعيدا عن المسرح، وتحقيق نتائج سريعة، ولكن يبدو لى أن العالم فى حاجة إلى آلية جديدة، أقوى، ونظام مختلف، جديد، يُلجم الصراعات، قبل أن تتفاقم، ويجعلها لا تستمر، ويُوقف صراع التدخلات الخارجية فى دول الإقليم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى