
بقلم: أسامة سرايا
الحدث الأمريكى يشغل العالم، ففى واشنطن تجرى مراسم محاكمة الرئيس الأهم فى العالم، والأكثر إثارة فى التاريخ المعاصر، أمام الكونجرس، (غرفة مجلس الشيوخ).
حدث مدوٍ، لكن تأثيره إعلامى فقط، حتى الآن، مثل الأفلام الأمريكية، فلا يتوقع أن يدينه الكونجرس، الجمهورى الهوى، والأغلبية، ولكنها محاكمة انتخابية مبكرة، وإن كان الديمقراطيون قد استطاعوا أن يدينوه، فى مجلس غرفة النواب، بتهم متعددة، أبرزها إساءة استخدام السلطة، عبر مكالمة تليفونية، مع رئيس أوكرانيا، مارس فيها ترامب الضغط لمحاكمة ابن منافسه الديمقراطى، “جوبايدن”، الذى لم يعد المرشح القوى لحزبه، بعد دخول بلومبيرج، رجل الأعمال، والإعلام، الاقتصادى، البارز، على خط الترشح فى انتخابات 2020 المقبلة، ولكن أمريكا تبحث عن نفسها لأسبوعين متتاليين، لأن رئيسها القوى، ترامب، أمام لجنة التحقيق.
لم يجد ترامب لنفسه متسعا، للدفاع عن نفسه، إلا أن يذهب إلى دافوس، فى أوروبا، ليقول لرجال الأعمال، والمديرين المتنفذين، عبر منصتها الشهيرة، إنه الرجل الأقوى فى العالم، والرئيس الأنجح، الذى حقق أمل بلاده، والعالم، فى حياة أفضل، فى عالم اليوم، وأنه لم يعد فى حاجة إلى أحد، عبر اقتصاده القوى، بلا حدود، وتخلص من عُقدة الطاقة، والبترول، بل إنه عرض على أوروبا أن يبيع لهم الطاقة من بلاده، وأنه وصل إلى عقد تجارى مميز مع الصين، الأقوى فى عالم اليوم.
أمريكا فى حالتها، هذه، لم تتأخر عن أحداث مهمة، تجرى فى منطقتنا، وأرسلت بامبيو، وزير خارجيتها، الذكى، الذى يُعزى إليه الدور الأكبر، مثل قاسم سليمانى، جنرال إيران الذهبى، إلى برلين، لحضور مؤتمر دولى، دعت إليه مستشارة أوروبا، ميركل، لعلاج أزمة ليبيا، فى شمال إفريقيا، والشرق الأوسط، المتفاقمة، والتى تنذر إلى الانتقال لحرب أهلية طاحنة، بين الشرق والغرب الليبى، وبين الجيش الوطنى، الذى يطرق أبواب طرابلس، بقيادة حفتر، ويقلق منام السراج، رئيس الوزراء، الذى أصبح ألعوبة لدى الجماعات الإرهابيه، أو “بيدق”، يلعب به، ويلهو، الرئيس التركى، أردوغان، ليخدم أغراضه، باتفاقيات غريبة، لا يحترمها أحد.
حبس العالم أنفاسه..!!
لأن المصريين أجروا مناورات فى البحر الأبيض، وأطلقوا الصواريخ هناك، إنذارا لمن يتدخل ضد الحق، والعدل المصرى، والعربى، وافتتحوا قاعدة عسكرية فى برنيس على البحر الأحمر، الشرفة الجغرافية، التى تطل على الخليج العربى كله، وقالوا لا نريد الحرب، ولكننا مستعدون، وجاهزون لها.
صيحات أردوغان، التركى، بقيام بلاده بإرسال قوات إلى ليبيا، خفتت، عندما أدرك أن ثمنها غالٍ، ووقف العالم ضده، فقد اتحد الأوروبيون، بقياده الألمان، والفرنسيين، والإيطاليين، واتفقوا لمنع التدخل التركي هناك، وعندما فشلوا فى وضع حد للتقاتل، واتساع الرقعة، فى موسكو، بقيادة بوتين، وحلمها القوى، والمؤثر، فى الشرق الأوسط، والعالم العربى كله، انتقلوا إلى برلين، لعلاج المرض الليبى، المزمن، والحاد، الذى يهدد إفريقيا، والشرق الأوسط، والبحر الأبيض، وأوروبا أيضا.
ليبيا، ليس بالبلد الهيِّن، فثرواته طائلة، ووضعه الجغرافى، وإمكاناته كبيرة، تجعل العالم لا ينتظر كثيرا استمراره على صفيح ساخن، وأن تنشب حرب إقليمية واسعة، من وراء ذلك، تبدأ، ولا يعرفون كيف تنتهى، وتأثيرها على المنطقة، والعالم.
يُشبِّه العالم ليبيا بسوريا، وصراعها الممتد لأكثر من 9 سنين، وحتى الآن، وهما من جانب المحرقة، والمدن المهدمة، والخسائر الضخمة، واللاجئين، متساوون، ولكن فى سوريا صراع طائفى طاحن، وتركيا لها حدود هناك، واللاجئون السوريون بالملايين، فى المدن التركية، ولكن سوريا تحت سطوة تدخل إيرانى طائفى قوى، وطيران إسرائيلى ذى ذراع مخيفة، يضع حدودا للحرب، والصراع، ويحصرها داخل سوريا، لا تخرج خارجها، وبين الطوائف، والدول، التى تؤازرها، كما أن سوريا أوضاعها من الممكن أن تظل فى دائرة الصراع مدة أطول، بلا تأثير، على الاستقرار العالمى، ولكن ليبيا تُنذر بأخطار جسيمة على العالم الغربى، وأمريكا ترى فى سياسات أردوغان أنها تخدم مصالحها جزئيا، وأنها تقدم خدمات لوجيستية مهمة، فى تجميع الإرهابيين، وتقديمهم أو إرسالهم، وجبة سهلة للقتل، والمطحنة، وبذلك تتخلص منهم أوروبا، وأمريكا، وتأمن شرورهم، وصداعهم، وتجعلهم يهددون بلادنا فقط، ويؤثرون على مساراتنا، واختياراتنا، ولذلك يقبلون، جزئيا، دور “الهدام”، ولكنهم لا يقبلون نفوذه، وسيطرته، ولذلك يُلجمون طموحاته، فى حدود جريمة مساعدة الإرهابيين، تحت سيطرتهم، ومتابعتهم، كما أنهم يُلجمون طموحه الجارف نحو “العثمانلية”، التي يتغنى بها، وينظرون لحالته، بالرئيس الديماجوجى، المصاب بلوثة الشعبوية، والنجومية المظهرية.
ليبيا تحت صفيح ساخن، مستعر، لن تَحل أوروبا مشكلتها، كما أن أمريكا تنظر للصراع، هناك، بلا مبالاة، وتراه يخدم خططها، فى إبادة الجهاديين المتأسلمين، ولكننا نحن، فى منطقتنا، من يصطلى بهذا الموقف المخيف، والصعب، ويبدو أن الشرق الأوسط مازال فى العام التاسع، لما يسمى “الربيع العربى”، أو الثورات، والاضطرابات، والحروب، الحادة، ومازال ينتظر نتيجة موقعة ليبيا الدقيقة.. من يسيطر وينتصر؟..هل الشعب الليبى المسكين؟.. آخر مؤسسة باقية على حالها، بعد هدم البلد كاملا، وهى الجيش الوطنى، بقيادة خليفة حفتر، أم الميليشيات الإرهابية، من جماعات الإسلام السياسى، والأخوان، المتمركزة، فى طرابلس، ويدربهم ضباط، ومستشارون أتراك، وينقلون لهم المدد، من الإرهابيين، والمتطرفين، من سوريا، والعراق، وتركيا، وأفغانستان، وإفريقيا، والقادمين الجدد، من أوروبا، وروسيا، الذين وصل عددهم إلى ما يقرب من 5 آلاف إرهابى، مدجج بالأسلحة، والانتحاريين، ويأخذون سكان طرابلس رهائن؟..
المعركة شرسة فى منطقتنا، فهم متصورون أنهم من الممكن أن يقمعوا الليبيين، وآمالهم، وطموحاتهم فى بلدهم، فى الاستقرار، لن ينتصر دعاة الإرهاب، والتطرف، الذين يقودون، فى ليبيا، معسكرا لتركيا، وقطر، تمهيد للانتقال إلى بلاد أخرى، في مقدمتها، طبعا، مصر، بل كل دول شمال إفريقيا: الجزائر، وتونس، والمغرب، ومنها إلى دول الصومال، وتشاد، والنيجر، بل إلى قلب إفريقيا.
إنها المعركة الكبرى، التى يدفع ثمنها الشعب الليبى، الحبيب، من دمائه، ولكننا، كلنا، قلوبنا مع الليبيين، الأحرار، وجيشهم الوطنى، الباسل، ونتطلع إلى انتصارهم القادم، بإذن الله، الذى سيكون انتصارا للانسانية كلها، وللعالم العربى، وإفريقيا، وعلى التشدد، والإرهاب، إنه انتصارنا لنكون جزءا من العالم، نمارس حريتنا، وحقنا فى الحياة.. الله مع ليبيا، وشعبها الأبى.