
بقلم أسامة سرايا
ضرب العالم فيروسُ، «صغيرُ»، خرج من الصين، أطلقوا عليه كورونا، أصاب الناس بالهلع، وقد تعودت البشرية على هذه النوعية من الفيروسات، سريعة الانتشار، التى تصيب الملايين، وتقتلهم، من قبل أن يُصبح العالم قرية صغيرة، تعرف كل نقطة، أو منطقة، دقائق ما يحدث فيها، وعلى الهواء مباشرة، فى أصغر قرية، أو مدينة، ولولا هذا التطور، المذهل، لماتت الملايين، من هذه الجرثومة، غير المرئية، التى تذهب مباشرة، وخلال دقائق، إلى الجهاز التنفسى، فتعطله، قبل أن يكتشفوا لها لُقاحا، أو يعرفوا علاجا، أو حتى معرفة كُنه ما يواجهون، فكل العلاجات والاكتشافات، والأبحاث الدوائية، المختلفة، والدقيقة، لا تعرف هذا الفيروس، الذى جاء، قطعا، ليس طفرة، ولكن عبر تزاوج بين فيروسات..
وبعيدا عن المعرفة، أو المختبرات الطبية، فإن القاتل الجديد له سرعة الانتشار، والصين، التى نعرفها، ملكت القدرة على التعامل، بشفافية، فى هذا الموضوع، ولم تخفِ المعلومات, على الرغم من تأثيره على اقتصادها، فقد هز الأسواق، وأثر فى الشركات، وعطل، ومنع، حركة الطيران، وحرية التنقل, مما كان له تأثير سحرى على ثقة الإنسانية بهم، وأنهم فعلا أصبحوا قوة كبرى، علمية، واقتصادية، تحاصر هذا الفيروس، وتنقذ ملايين البشر، قبل أن يَقتلهم.
هذا الفيروس ذكرنى بفيروسات أخرى بشرية، أهمها الإرهاب، والتطرف، بكل أشكالهما، اللذين يعششان، دائما، فى العقول الضحلة، أو منعدمة المناعة، والتى بلا ثقافة، أو تعليم حقيقى، فيقتل الإنسان أخاه الإنسان، أو يتدخل فى شئونه بما لا يستحق، أو يجور، أو يفرض عليه ما يؤمن، على الرغم من أن الإنسان حر، وقد عشنا أسرى لهذه الفيروسات عقودا مختلفة، فقد فتحت أبواب جهنم، وحروبا لا تنتهى بين الدول، حتى أصبحت فتنة بين الشرق والغرب..
تصوروا أن الفيروس حوّل الإنسان إلى قنبلة، الذى حول الطائرة إلى صاروخ نووى، يهدم المبانى، وما حادثة سبتمبر 2001 بنيويورك ببعيدة، التى فتحت علينا حروبا فى الشرق الأوسط لم تنتهِ حتى الآن، فشرقنا العربى، والأوسط، كان مسرحا لهذا الفيروس الخطير (الإرهاب)، على الرغم من أن منطقتنا مهد كل الأديان السماوية، مما يؤهلها أن تكون موطن التسامح، والحق، والعدل، وليس الإرهاب، والحروب، وقتل الملايين. تملكتنى هذه الأفكار، ولم أستطع أن أمنع نفسى من كتابتها، على الرغم من أننى كنت أتجول، وأتفحص، فى معرض القاهرة للكتاب، من دار إلى أخرى، فالأفكار متنوعة، تخطف الأبصار، والعقول، وأتصفح العناوين، وأقول فى ذهنى: هذا الحشد من المصريين فى هذا المكان هو ضمانة لعدم عودة الإرهاب والتطرف بيننا، فهذا العقل الكامل هو وحده القادر على هزيمة هذا الفيروس، ومنع عودته، أو سيطرته، ولهذا جاءت الأخبار تتسارع حول حوار دار فى الأزهر بين عقلين، شيخ جليل، وأستاذ جامعى، حول التراث، والثقافات القديمة، وكيف نجدد فى اللغة، ونحمى أنفسنا من التطرف، وأدركت أن الكل أدرك معنى حيوية الحوار، وأهمية الاختلاف بلا عصبية، أو تعصب، حتى تتلاقى الأفكار، فلا أحد يملك الحقيقة النسبية بين الجميع..
تصوروا أن كل ما سبق ليس موضوعى، الذى كنت قد صممت أن أقول رأيى فيه، ولم أستطع أن أمنع نفسى من التفكير حوله، والذى هو قضية فلسطين، فهذا الأسبوع قد عادت إلى واجهة الأحداث حية، وقوية، وكأنها لم تتوار، ولو للحظة واحدة، على الرغم من كل ما شهدته منطقتنا من حروب، وأحداث جسام، فقد طرح الرئيس الأمريكى دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو خطة بينهما، وقالا عنها إنها حول فلسطين، والكثير غضب، والكثير رفض، وعند الكل حق لا يذكره أحد، لكننى وجدت أنها قضية فولاذية، عصية على النسيان، أو التجاهل، فترامب ونيتانياهو يعانيان داخليا وخارجيا، فهما فى أزمة رئاسية حولهما..
ولهذا كانت قضية فلسطين فى أمريكا وإسرائيل هى الذهبية التى مازالت تخطف الأبصار، والألباب، والاهتمام، فى هذا العالم، وتشد الأذهان، فهى قضية كل زمان، وكل إنسان، وكل عصر، والإنسان الفلسطينى هو الوحيد، فى عالمنا المعاصر، الذى لم يحصل على حقه، والعالم الغربى وإسرائيل، بقوتيهما، يستأسدان على شعب بلا دولة، وفى ظروف قاهرة، وفى منطقة شبه محطمة، معظم دولها خرجت توا من حروب، بل لم تخرج تماما من تخريب الإرهاب، والحروب الأهلية، بل إن كل دولة مشتبكة فى حروب إقليمية، بها فتنة دينية، أو عنصرية، بين إيران من جانب، والعرب من جانب آخر، وتركيا الأخرى على الخط، وجيوش العالم، روسيا وأمريكا وأوروبا، كلها موجودة فى معظم بلادنا، وسوريا مهجرة، ومهددة، واليمن مدمر، وليبيا، والعراق، بل فلسطين، مقسمة، وعلى الرغم من كل ذلك، فإن البريق الفلسطينى يخطف الألباب، والحق الفلسطينى ساطع البيان، من حيث لا يدرى، ولا يريد، ترامب ونيتانياهو، فقد أكدا بطرحهما، العاجز عن تحقيق أى هدف، أنهما لا يستطيعان، فى كل الأحوال، تجاهل، أو التغاضى عن الحق الفلسطينى، فالسلام، وحق الفلسطينيين، الذى هو البيان فى خطة ترامب ونيتانياهو، لم يستطيعا تحقيقه، بعرضهما، ربما أعلناه، وجعلاه مقدمة للتفاوض بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لكن كل ما طُرح لا يصلح كمقدمة لما يطمعان، مما يوضح قوة، ومتانة، القضية الفلسطينية..
الأمر المؤكد أننا نعيش فى عالم واحد، لن تستقر أحواله، أو يُنقذ من الفيروسات، أو الإرهاب، إلا بتطعيمه بالحق، والعدل، فالفلسطينيون لهم فى ضمير العالم دولة مستقرة، على أراضيهم المحتلة، وعملية الانتقاص، أو المساومة، أو الأطروحات، من جانب واحد، مع سرقة الأرض، وحرمان الفلسطينى من السيادة، وحرية الحركة، والموانئ، والمطارات، والتعويضات، لأكثر من 70 عاما، ومصادرة الأراضى، لا تمنعنا من أن نشعر بقوة هذه القضية، ومتانة الحق، وأنها قادرة على الانتصار، وتحقيق طموحات شعبها.
إن سيطرة قضية فلسطين على العقل الأمريكى، والإسرائيلى، والأوروبى، بل العالمى، على الرغم من القضايا العريضة، والظروف العالمية، والإقليمية، غير المواتية؛ كل ذلك أثبت لى قدرة الفلسطينيين على الانتصار، وإقامة دولتهم على كامل الأراضى المحتلة، والقدس الشريف عاصمة لها حقيقة ماثلة، فى كل الأذهان، والأزمنة.