مقالاتمقالات الأهرام العربى

زيارة جديدة لإفريقيا ومنابع النيل الأزرق

بقلم : أسامة سرايا
بدأ الرئيس عبد الفتاح السيسي، زيارة لإثيوبيا، للمشاركة فى قمة رؤساء الدول والحكومات للاتحاد الإفريقي، تلك الزيارة، التى تأتى عقب عام دارت خلاله أكثر مباحثات معمقة, ومستمرة حتى الآن, فى التاريخ الإنساني، حول نهر النيل، بين مصر وإثيوبيا والسودان، دول منبع النيل الأزرق ومصبه، للوصول لاتفاق نهائى يحدد كيفية إدارة أول سد إثيوبى يُنشأ فى هذه المنطقة الحساسة، شديدة الوعورة، فى المجرى المائي. إن مصر, رئيسة الاتحاد الإفريقي, قدمت، خلال هذا العام المفصلى فى تاريخ قارتنا، نموذجا يُحتذى به فى إدارة العلاقات السياسية، وتحقيق مصالح القارة، ويُدرس فى العلاقات الدولية، وتحديدا العلاقات القارية؛ كيف تكون؟.. وكيف تنجح؟.. وكيف نبنى جسورا للتعاون، وليس سدودا، أو حروبا؟..وكيف نبنى الخير لكل دول القارة، وجميع أبنائها؟.
إن من تابع سير هذا العام، منذ انتخاب مصر فى بداياته رئيسا للاتحاد الإفريقي, يدرك ما حدث، وهو كبير جدا، ليس على صعيد العلاقات الثنائية المصرية فقط مع كل دولة فى إفريقيا، من خلال الزيارات، أو إقامة المشروعات المشتركة، والتفاهم الدولي، وليس فقط بين التجمعات الإقليمية لإفريقيا، وغرب، ووسط، وشمال شرق القارة، وكيفية إدارة علاقات تجارية، واقتصادية، عميقة، ومتميزة، بين شعوب القارة، ودولها المختلفة، ولكن الأهم علاقة إفريقيا بمحيطها العالمي، فلأول مرة يضع الأفارقة أقدامهم، بثبات، على طريق طويل للتعامل، والعلاقات المتينة مع الدول الكبري، فى عالمنا المعاصر..
كانت مصر، فى عام رئاستها الاتحاد الإفريقي، كتابا مفتوحا: نحن منكم، وأنتم منا، نعترف بحقوقكم، لذا يجب أن تعترفوا بحقوقنا كذلك، وأحسنت مصر فى إدارتها التفاوض بشأن موضوع سد النهضة، بعد التمهيد القوي، عبر المباحثات الثنائية، مع إثيوبيا، والثلاثية بوجود السودان، والتمهيد الخلّاق، الذى ابتدعته الدبلوماسية المصرية، واللغة الراقية، للحوار بين دول حوض النيل، للرد على دعاوى افتعال الأزمات، واختلاقها، وكانت مباحثات صريحة، وثرية، لم تكن مصر فيها، أبدا، فى موضع ضعف، كما لم تكن فى موقف المتكبر، ولكنها بلغت من القوة أن تركت للإثيوبيين أن يفتعلوا الأزمات المتتالية، ورصدتها، لأنها تدرك أن الطبيعة الجغرافية لنهر النيل، والموروثات التاريخية، تضمن حقوقها، وأنه لا يملك طرفُ أن يصادر حق الآخر، أو يمكن أن يَسلب حقوقه المائية التاريخية، وكان واضحا، منذ اليوم الأول، أن المياه، بالنسبة لمصر، مثل الأرض، فلو كانت مصر تركت أراضيها للاحتلال عبر التاريخ، من الممكن أن تفرط فى المياه، لكن السوابق تقول إن المصريين يقاتلون على كل الجبهات، من أجل حقوقهم فى الأرض، والمياه، خاصة أن المياه هى الحق فى الحياة، واذا كانت الرسالة قد وصلت أخيرا، فإن وجود الولايات المتحدة الامريكية، والبنك الدولي، القوة العالمية الكبري، والمنظمة الدولية، خير شاهد على أن تكون هذه المباحثات ناجحة، ومحققة مصالح الجميع، فلقد أوجدت المباحثات المتتابعة حالة جديدة، أهمها إعادة بناء الثقة بين الأطراف الثلاثة، مصر وإثيوبيا والسودان، كما استطاعت محاصرة حالة تهرب إثيوبيا من مسئولياتها، مما يفرغ أى مباحثات، أو أى اتفاقيه تبرم بينهما، من فائدتها ومضمونها، وهذا ما يحقق نجاحا جزئيا، بعد عناء طويل، للبنود الفنية، خاصة بنود ملء السد، والتشغيل تحت ظروف الجفاف، وبقيت جزئيات صغيرة، أعتقد، تدور حول مخصص مائى للاحتياجات المائية الإثيوبية.
إن كل المؤشرات تقول إن إثيوبيا لا تحتاج مياه النيل، فهى البلد الإفريقي، الذى ينزل عليه سنويا الملايين من الفيضانات، ومليء بالأنهار، واحتياجاتها المستقبلية من مياه النيل محدودة، لكننا نحتاج إلى تعزيز التعاون بين دول حوض النيل ككل، وأن يكون بين هذه الدول رؤية واضحة، وتفهم لاحتياجات بعضها، وظروفها المائية، والتوصل إلى صيغة توافقية، متوازنة، حول كيفية الإدارة، أو فض أى منازعات، قد تحدث بينها، بما يضمن تبادل البيانات، وتجنب النزاعات المستقبلية، وهنا يجب أن نركز على مشاركة الأمريكيين، والبنك الدولي، للوصول إلى الدعم الدولي، والفني، وبرامج تحديث، وترشيد، وتطوير، للاحتياجات، والمياه المستقبلية، كما أن إثيوبيا ستكون فى حاجة إلى دعم مالى لاستكمال السد، ولامانع من أن تشارك مصر، والبنك الدولي، ودول الخليج العربي، فى مساعدتها.
إن الاتفاق حول بنود سد النهضة، وأسلوب إدارته، مستقبليا، يضع حدا لنزاعات إقليمية، إذا بدأت لن تنتهي، ولن يكون هناك أحد مستفيدا منها، حتى الأعداء، أو المتنافسون، مع مصر، سوف يكونون متضررين، إذا نشب هذا الصراع، لأنه ليس بين حكومات، ولكن بين شعوب أيضا، فليس سهلا أن يسلب من دولة عريقة فى التاريخ، مثل مصر، شريان بقائها، أو يعطش فلاحها، خاصة أن مصر قدمت فى المحادثات، عبر خبرتها التاريخية، السيناريوهات الكاملة لأساليب تخزين، وتشغيل، السد الجديد، والتى تقوم على أحدث النماذج العلمية لمحاكاة تدفق النيل الأزرق، وتغيراته الثانوية، وتوازن بين مصالح الدول الثلاث، كما أن مصر قدمت للسودان، وإثيوبيا، أفضل الوسائل لضمان السلامة الإنشائية لهذا السد، على الرغم من أن السد أقيم فى أسوأ منطقة، وكان من الممكن اختيار مكان أفضل للسلامة، حتى لا يسقط بمرور السنين، بحكم تدفق المياه، والفيضانات المتنوعة، لأن إثيوبيا عندما أقامت السد، أقامته ليس بنية توليد الكهرباء والتنمية فقط، ولكن كان لها أهداف سياسية، أبرزها التحكم فى النيل الأزرق، لكى تصبح القوة المهيمنة فى شرق إفريقيا، بينما مصر تحاول أن تحافظ على الأمن المائى المصري، واستقرار كل الإقليم، بل كل القارة.
إن أى خلافات مستقبلية لن تكون فى مصلحة أحد، والمخاطر قد تكون جسيمة، والمراقبان الدوليان، أمريكا والبنك الدولي، عندما اطلعا على كل البيانات، كانت كل تصريحاتهما تدور فى هذا الاتجاه، وأنه على الجميع، احترام قواعد القانون الدولي، والأعراف الدولية، التى اعتمدت عليها مصر فى كل تحركاتها، ومفاوضاتها فى سد النهضه الإثيوبي، ولن يستطيع أحد من أطراف اتفاق سد النهضة فرض أمر واقع على أحد من دوله، لأنه عندما يحدث ذلك سيتصرف كل طرف طبقا لمصالحه، ومستقبل دولته.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى