
بقلم : أسامة سرايا
فلسطين قضية لا تموت، ولا يَضيع الحق، أبدا، مهما يستبد الظلم، وبالرغم من حالة الإحباط الراهنة، التى تعم منطقتنا ككل، وفلسطين خاصة، وكل من شعر بأننا نقترب من الحل، أو اهتم بالمفاوضات، والسلام، مرورا بـكامب ديفيد الأولى مع مصر، والثانية مع الفلسطينيين، وحتى أوسلو، التى كانت سببا فى عودة عرفات ورفاقه إلى فلسطين، وتحولوا إلى مناضلين، داخل بلادهم، بدلا من الكفاح فى الخارج، وهو انتصار فلسطينى كبير بلا شك. فقد كنت، ومازلت، أرى أن القضية الفلسطينية سوف تنتصر، بالرغم من بطء، وبُعد الأمل، وأن الفلسطينيين سيقيمون وطنهم، ويفرضون سيادتهم على أراضيهم، وأن القدس الشرقية ستعود للوطن الأم..
ولكن ما طرحه الرئيس الأمريكى ترامب من خطة سلام عقدها مع رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نيتانياهو، المنتهية ولايته، والذى يستعد لدخول انتخابات جديدة، والتى صادرت على كامل حقوق الفلسطينيين، وحشرتهم فى الزاوية، وحصلت إسرائيل، بفعل هذه الخطة، على القدس الشرقية، وأعطتهم منطقة فى شرق القدس أطلقت عليها الاسم نفسه كأنهم يتعاملون مع بلهاء, جعلنى أشعر داخليا بأن الحل، الذى نسعى إليه أصبح بعيدا، لكننى أدركت أنها قضية لا تموت، عندما وجدت أن العرب جميعا، بالرغم من ظروفهم، وأوضاعهم الداخلية، غضبوا، ورفضوا عرض ترامب- نيتانياهو الهزيل، الذى لا يعطى الفلسطينيين أى بادرة أمل فى أن السلام ممكن، وسيفرض على القوة العظمى (أمريكا)، والقوة الإقليمية المستأسدة (إسرائيل) مراجعة خطتهما.
كما تخوفت، فى بادئ الأمر، أن تسقط راية الاشتباك مع إسرائيل لحل القضية الفلسطينية من يد منظمة التحرير الفلسطينية، وتذهب إلى التيارات المتأسلمة، التى ترفع شعارات وهمية، لا مقدرة لأحد منها على تنفيذها، أو تنفيذ ونقل إدارة الصراع مع إسرائيل إلى يد أخرى، خاصة أن المتربصين بمرض منطقتنا كثيرون، ولعل أهمهم الإيرانيين والأتراك، الذين يلعبون على الأوتار والعواطف الفلسطينية، لكى يحشدوهم خلف اتجاهات أخرى، ولعلى، هنا، أشيد بتحرك الرئيس الفلسطينى محمود عباس (أبو مازن) فى الأمم المتحدة، وخطابه الجديد، الذى اتسم بالكثير من الصراحة، ولم يقتصر على مخاطبة المجتمع الدولى، ولكن خاطب الشارعين العربي- الفلسطيني.
والإسرائيلى، وهنا أقول إنه لو كانت لغة الخطابات الفلسطينية السابقة، منذ أن بدأت حركة السلام والمفاوضات، مثل لغة الخطاب، الذى ألقاه الرئيس عباس أخيرا، لما وصل اليمين الإسرائيلى (شارون – نيتانياهو) إلى حكم إسرائيل، طوال السنوات الماضية، فهذا الاشتباك الفلسطينى الإيجابى هو الذى يضمن انتصار الفلسطينيين.
كما أعجبنى ذلك الحوار الإيجابى المثمر، الذى دار بين السياسى المخضرم، الوزير البارز، عمرو موسى، والكاتب المتميز سمير عطا الله فى صحيفة «الشرق الأوسط»، وكذلك الحواران اللذان أجراهما الوزير عمرو موسى مع الإعلامى عمرو أديب، وصحيفة «المصرى اليوم»، والتى يظهر من خلالها كيف يكون الاشتباك فى المرحلة المقبلة؟.. كيف تستمر القضية حية ولا تتوقف؟.. كيف نواجه الخطة بأساليب جديدة ومبتكرة لنضمن انتصار الحق الفلسطينى ولا نتركه نهبا لمن يستخدمونه، ويعرفون قدره فى الضمير الوطنى والقومى العربى، فيلعبون على الأوتار الحساسة بشعارات جوفاء، تبعدنا عن الهدف، بل تؤخر انتصارنا؟..
لقد انتقد سمير عطا الله الوزير عمرو موسى، الذى طالب بالإصغاء إلى ما هو معروض من الخطة بدلا من الرفض المسبق، بحجة أن من عادة العرب عدم الإصغاء إلى ما هو معروض، وقال إن ما هو معروض من الخطة لا يُشكل مدخلا إلى التفاوض، بل عقبة كبرى، كما شخصها الأمير تركى الفيصل، المنخرط فى السياسات العربية منذ أكثر من نصف قرن.
ثم تفرد عمرو موسى بشرح وجهة نظره الدقيقة، والمؤثرة، أننا يجب أن نعتبر ما أطلقه ترامب تحت عنوان الخطة ليس إلا عرضا أمريكيا وإسرائيليا مشتركا، ينتظر منا القبول أو الرفض أو التعديل، وأن القبول بالخطة كما طُرحت مستحيل، يستوى فى ذلك الفلسطينيون والرأى العام العربى، من رفض كل طرح لا يتفق مع القرارات الدولية.
التفاصيل المتعمقة من سمير عطا الله وعمرو موسى، عن مستقبل التفاعل فى القضية الفلسطينية، ذكّرنى بما سبق أن طرحته، عندما التقيت ياسر عرفات، عقب عودته من كامب ديفيد، فى 11 يوليو عام 2000، والذى كان عرضا أمريكيا- إسرائيليا (كلينتون وباراك) يستحق إعادة الدراسة والتذكير، لأنه قسم القدس إلى 4 مناطق جغرافية، الأولي: الأحياء اليهودية، شرق المدينة، وداخل الأسوار، تضم إسرائيل، وتكون تحت سيادتها، والثانية: الأحياء الفلسطينية، خارج الأسوار، تكون تحت السيادة الفلسطينية، والثالثة: الأحياء المختلفة، فى شرق المدينة، بفعل الاستيطان اليهودى فيها، تكون تحت السياده المشتركة، والرابعة: البلدة القديمة تكون تحت السيادة المشتركة أيضا، أو تبقى على وضعها الحالى مدة من الزمن، على أن يعود الطرفان للتفاوض بشأنها لاحقا، على أن يسمح بإدارة فلسطينية- عربية- إسلامية، ومسيحية، للأماكن المقدسة فيها، وكان الاتفاق من الممكن أن يكون نقطة انطلاق جديدة للفلسطينيين، شبيها بما بعد أوسلو، إذا حدثت مقارنة بين عرض ترامب نيتانياهو الحالى، وعرض كلينتون- باراك، فقد كان العرض فى عام 2000 مغريا للقبول به، والتفاوض المثمر والجاد، وساعتها سألت الرئيس الفلسطينى الراحل عرفات: لماذا لم توقع على هذا الاتفاق، بالرغم من معارضة الكثيرين، وبعد ذلك تقف القضية الفلسطينية على أرض جديدة، حتى لو أدت موافقتك إلى اغتيالك فلسطينيا، مثلما حدث مع السادات مصريا، لإصراره على استرداد الأرض المحتلة (سيناء) كاملة، وتنتقل الى مركز متقدم فى المباحثات، والمستقبل الفلسطيني؟.. سمعت بعدها من عرفات أنه كان مستعدا للموافقة، ولكنه أراد أن يدعم العرب خاصة المصريين والسعوديين موافقته، وكان موقف مصر، الذى تبناه وقتها عمرو موسى، رفض الاتفاق، وتأجيل التوقيع لمرحلة جديدة..
وهكذا نامت القضية الفلسطينية ما يقرب من 3عقود بلا حراك، وتسلم إسرائيل اليمين المتطرف (نيتانياهو وشركاؤه)، الذين يرفضون السلام، والتعايش، ويعيشون على تأجيج الصراعات العربية- الاسرائيلية، وهم مع تجميد كل الحلول المعقولة المطروحة، والتمسك بالحلول المرفوضة، لفرض واقع مجحف على الفلسطينيين.
فى يقينى أن الاشتباك، الذى قام به العرب والفلسطينيون، بعد عرض خطة ترامب – نيتانياهو، المرفوضة سيكون له أثره الإيجابى، فى المستقبل المنظور، والشارع الفلسطينى، بل الشارع الإسرائيلى، وانتخاباتهم المقبلة، فالإسرائيليون لا يمكنهم تحقيق انتصارهم، ووجودهم فى المنطقة، واستكمال أنهم أصبحوا بالفعل قوة إقليمية، بل دولة قوية، دون إعطاء الفلسطينيين حقوقهم، ودولتهم العتيدة.