مقالاتمقالات الأهرام اليومى

رسائل من عالم «كورونا»..!

كانت الرسالة مؤثرة من كوفيد 19، أو الفيروس القاتل التاجى المستجد، الذى ظهر عالميا، وكان كورونا – سابقا- الذى أصابنا، والعالم من حولنا، بالهلع والخوف، ليس لأنه فيروس قوى فقط، ولكن لأننا لا نعرفه، وجديد علينا، وليس له مصل مقاوم، وشديد، بل سريع الانتشار، يهددنا بوباء عالمى نادر، قد يحصد الملايين من البشر، فى زمن التقدم العلمى، والاكتشافات المبهرة، فى عالم التكنولوجيا، والطب، والاتصالات، التى هزمت المسافات، واللغات، وجعلت العالم يتكلم لغة واحدة مفهومة على السوشيال ميديا فى كل الأنحاء.. ضرب الفيروس بلدا كبيرا، بل هو الأكبر، (الصين)، وهى ليست بلدا فقط، بل إن شعبها أكثر الأجناس البشرية انتشارا، فعددهم تعدى المليار، وموجودون فى كل مكان بالعالم، ومنتجاتهم منتشرة فى العالم كله،
وقد كانت حركة الفيروس القاتل مخيفة، فقد تمركز فى بؤر التصدير بأوروبا، وذهب إلى ميلانو بإيطاليا، وكانت الصورة مفزعة هناك للعامة، وللأوروبيين من حولهم، عندما نشرت وسائل الإعلام أن شوارع ومدن إيطاليا تبدو للمارة وكأن قنبلة ذرية أو بيولوجية ضربتها، خالية من المارة، والمرض فى الشوارع لا تستطيع أى قوة طبية، مهما تبلغ فاعليتها وقوتها، أن تستوعبه. ونحن فى الشرق الأوسط كنا على موعد أن تكون البؤرة فى إيران بمراكز الإشعاع الدينى الشيعى، التى مازالت أغلبها تعيش فى عالم الأساطير، لدرجة أن بعضها تصور أن الفيروس فى قم هدية لها، ولم يكن الشيعة وحدهم هم الذين أصابتهم اللوثة العقلية، أو عالم الأساطير، فقد كنا على موعد مع السلفيين، الذين صوروا الفيروس وكأنه جند الله الذى لا يجب مقاومته، فهو رسالة لكى يحصد الناس، وأن الموت حق على الجميع، ويجب أن نستقبله بالرضا، هذا هو عالمنا، المسرح نفسه، الذى تفشى فيه الإرهاب والإرهابيون، باسم الدين، وأنشأوا دولا وأحزابا تتكلم باسم الله فى الأرض، من كل تجار الأديان، فماذا سيفعلون بنا، وببلادنا، وحياتنا؟..
ووسط المناخ المخيف، الذى ينتشر فيه الفيروس؟.. قامت بلدان العربية باتخاذ قرارات لحماية نفسها من كورونا بلا تمييز، بل لجأت دول، تخاف من إيران، وتعمل لها ألف حساب سياسى، وكأنها معتدلة، وحيادية، إلى عدم منع السفر إليها، أو استقبال المرضى منها، ولكنها تهدد دولا أخرى قد لا تعاقبها، وذلك لأنها تكيل بمكاييل غير عادلة، وسياسية، يكتنفها الخوف..
لكن مصر كانت نموذجا فى التفاعل، والتعامل مع هذه الفتنة الصعبة، أو هذا الوباء المقبل على الأبواب، فقد حصّنا مستشفياتنا، وطائراتنا، وموانينا، لدرجة أننا أرسلنا وزيرة صحتنا إلى بكين، موطن الوباء، فى رسالة تضامن، وإدراك، وبحث عن المعرفة، دون تهوين، أو تهويل، ومنعا للمخاوف، ومواجهة المرض، وانتشاره.. هذا التصرف الراقى من دولتنا قطعا سيجد صداه حول العالم، خاصة من يفهمون، ويقدرون الشجاعة، والتفاعل.. نحن دولة جديرة، تعرف كيف تتعامل بشفافية، وجدية مع الأزمات العالمية.. فقد كنا قادرين على أن نحمى بلدنا، ونتعامل مع الآخرين بقوة، وجدارة، وشفافية.. أن نعطى رسالة للكل، ولكن يبدو أنها لم تصل إلى أشقائنا العرب، الذين بيننا وبينهم ود كبير، بل ما هو أكثر من الود والمشاركة فى أزماتهم، بل حروبهم، بلا تردد، بل إننا أنقذنا بلادهم وقت الشدة، فإذا بمعاملة أبنائنا، وأشقائنا، وقت هذه المحنة العالمية، لا تكون بمثل المسئولية، التى تعاملنا بها، والوضوح، الذى كان مع الجميع، فيوقفون الطيران إلى مصر..
فكل التحية لبلدنا، وللمسئولين فيه، لأسلوبهم الرائع فى التعامل مع هذه المحن القاسية، والإنسانية، الصعبة على الجميع، فبذلك الأسلوب أعطيتمونا رسالة أن مصر قادرة على حماية أبنائها، والدفاع عن مصالحهم فى كل مكان..
لكن الشيء، الذى لم أفهمه، هو لجوء جامعة الدول العربية إلى إلغاء قمة العرب بالجزائر، بحجة المخاوف من فيروس كورونا!، فهل الزعماء العرب يخافون الفيروس، أم أن هناك مخاوف أخرى نعرفها ونريد إخفاءها، كسياستنا فى الماضى؟.. لا أعتقد أن الخوف من الكورونا هو وراء التأجيل، بل إن النظام العربى أصبح منقسما إلى حد التباين، أو أنه أصبح نظام اللا نظام، فالانقسام بين الدول، التى تحاول أن تستعيد قوة العرب فى مواجهة الجيران (تركيا وإيران وإسرائيل) أصبح واضحا، وبين الجيران الذين يتعاونون مع هذه الأنظمة، أو التيارات المتأسلمة الإخوانية، الدينية، التى فسّخت النظام العربى إلى الأبد، وأنهم غير قادرين على العودة.
لقد ذكرتنى أزمة الفيروسات، التى أشعلت العالم، وأخافت الكل، بكاتب كبير أمريكى، كتب بعد أحداث 2001 فى نيويورك وواشنطن، عن العدو، الذى ضرب برج التجارة بنيويورك، والبنتاجون بواشنطن، بطائرات مدنية، تحولت إلى صواريخ، ومتفجرات، فانهارت المبانى وسقط ضحايا أمريكيون، أكثر من 3 آلاف أمريكي- فقد كتب هذا الكاتب أننا نواجه عدوا شرسا تجرأ أن يعبر المحيط، ويضرب أمريكا، ويصيبها بإسقاط أكبر عدد من الضحايا، لم يسقط لأمريكا فى الحربين العالميتين، الأولى والثانية، فهذا العدو هو فيروس قاتل منتشر فى كل دول العالم، خاصة فى العالم الإسلامي، ولكى نكتشفه يجب أن نفتح كل الجروح، أو نشعل الحروب الممكنة، حتى يتكاثر حولها هذا الفيروس، فساعتها سوف يسهل لنا اكتشافه، ومحاصرته، وقتله، قبل أن يفكر مرة ثانية فى أن يغزو بلادنا، أو يتجرأ علينا مرة أخرى. وهكذا حاربت أمريكا فى أفغانستان، وانتقلت إلى العراق، ثم فتحت جروح سوريا، ووقفت تتفرج على اليمن، وليبيا، وترى فيها مناخا للقتلة، والحروب، التى ربما تضرب الإرهابيين.. وهكذا تَستخدم تركيا، وتوافق على التوسع الروسى فى هذه المناطق، لكى تكشف المسرح أكثر، ويندفع هؤلاء الإرهابيون من كل فج عميق إلى مسرح القتال، لكى يسقطوا، وتكون أمريكا، وربما أوروبا، بمنأى عن جنون هؤلاء الإرهابيين. إن هناك رابطا، يربط بين الفيروسات والتيارات المتطرفة المتأسلمة، فكلتاهما تقتل، لكن الثانية هى الأكثر قتلا، وهدما وإسقاطا للمدن، وتهجيرا للسكان، وضربا للدولة، ولعلنا نتطلع مع الربيع المقبل أن يكون أفضل، وأن ينحصر الإرهابيون، ويتوقف القتل، والتهجير، فى عالمنا، حتى لو لهدنة محدودة، نستطيع معها إصلاح الخللين، فيروسى العقل والجسم، لكى تُشفى الإنسانية، ونشفى معها فى بلادنا، من فيروسات القتل المدمر متعدد الأبعاد.. ولله الأمر من قبل ومن بعد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى