
بقلم: أسامة سرايا
نحن فى زمن “كورونا”، ذلك “الوباء” الخطير، الذى تفشى فى بدايات هذا العام (2020)، ولم ينتهِ بعد.. فى الحياة هناك حقائق تقول إن لكل شىء بدايات ونهايات، والعارفون يقولون ليس هناك ما ينتهى كله، كما أن الحياه لا تبدأ من جديد، أبدا، مهما نحاول، أو نتطلع، فهناك الاستمرارية مع التغيير، حتى مع الأنبياء، ورسالات السماء..
إن “وباء” القرن الحادى والعشرين مختلف، لأنه فاجأنا، برغم أننا نعرف عنه الكثير، فهناك من قال إنه سيطرق أبوابنا قريبا، بل إن هناك تقريرا مفصلا عنه، كتبته الدكتورة جرو هارلم برونتلاند، رئيس منظمة الصحة العالمية، ورئيسة وزراء النرويج السابقة، بعنوان “العالم فى خطر، وطالبت الكل بالاستعداد والطوارئ الصحية..
فى اعتقادى أن قصة الإنسان مع الأوبئة، والحروب، والصراعات، والأعداء طويلة، بل تكاد تكون “حدوتتنا” مع الأطفال والكبار معا، لكن البشرية، أو الإنسان، سريع النسيان، فوباء الإنفلونزا الإسبانية عام 1918 يجب ألا يُنسى، والحروب العالمية، والنووية، ماثلة فى الأذهان، ويجب ألا ننسى ضحاياها الذين هم بالملايين، وكذلك “سارس”، و”إنفلونزا الخنازير”، و”الإيدز”، تلك الأوبئة، التى أرسلت رسائل عابرة، لكن الإنسان كما هو، لم يستيقظ بعد من غفوته، فهو يتطلع دوما إلى أن تعود الحياة كما كانت من قبل، عقب كل كارثة إنسانية مفزعة، ويظل يحلُم أن يعود كما كان، ويُسقط كل ما تعلمه فى أثناء وبعد الكارثة، لأن العادة، أو التعود، إدمان أقوى، والإنسان دوما أسيرعادته..
إن “كوفيد- 19″، بشكله الراهن، درس قاسٍ، خسائره أمامنا، أقلها الموت، وتريليونات ضائعة من الاقتصاد، ويكاد يقتلع البشرية من جذورها، إذا لم ننتبه إلى خطورته، وحسنا فعلت الصين أمام هذه الجائحة المجنونة، حيث عزلت مدينة “ووهان”، واستعملت القسوة الشديدة مع الشعب، لتحافظ على البنية البشرية كلها من الضياع والانهيار، وحتى لا تسقط الحياة الإنسانية بسبب فيروس ضعيف، مهما يكن تأثيره وعمقه، لكن القوة الطامعة، والمسيطرة، فى الغرب الأمريكى، والأوروبى، لم تتصور ذلك، وألقت بالمسئولية على الحكومة الصينية، برغم أنه لم يكن فى الإمكان إيقاف هذه الجائحة الملعونة إلا بهذه السياسات الشجاعة، وفائقة الجودة، بغض النظر عن أى مكان ظهرت فيه، وما التحقيقات الجارية إلا غسل يد رخيص من المسئولية، فعلينا أن نعترف بالتقدير للرئيس الصينى “شى جين بينج”، الذى، بالإضافة إلى دوره الخطير فى نهضة بلاده المعاصرة، ارتقى فى أزمة “كورونا” إلى مكانة أعلى وأرفع، بالنسبة للبشرية والإنسانية ككل، فلم يضع مستقبل الدولة قبل مستقبل الإنسان والعالم، برغم مسئوليته المباشرة عن الصين، لكن الحياة، بالنسبة له، كانت أولا، وتلك مكانة رفيعة لو تعلمون، ونحن فى كل مكان فى عالمنا سنكون مدينين لهذا الرئيس الشجاع، والإنسان…
أما الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، فلم يسمع، أو يُدرك، ما يحدث حوله، إلا عندما رأى الخطر ماثلا أمام عينيه مباشرة، وكان الوقت قد سبقه، ومرت الجائحة أمامه، ولم يستطع أن يَرتقى بمكانته من خلالها، أو عبرها، لأنه لم يكن جاهزا نفسيا، أو إنسانيا لهذه المكانة الرفيعة، التى لا تُعطى إلا لمن يستحقها، ومازال يتطلع إلى عودة الحياة فى بلاده إلى سابق عهدها، وهذا صعب تماما، بل مستحيل، على الإطلاق…
لقد أسقط “كورونا” الحدود بين الدول، بل القارات، وتوقفت الحياة فى المدن، وأُغلقت المطارات، كما أسقط “كورونا” السياسة والاقتصاد معا، فهما الآن ليسا كما عرفناهما فى الماضى، بل أعطى لهما تعريفا جديدا ومختلفا، وأسقط، أيضا، الديمقراطيات، والزعامات، والشعبويات، كما أسقط، كذلك، الأيديولوجيات..
. لقد كان السباق إلى رفاهية العالم، من قبل، على أشُده، بين السياسيين، والاقتصاديين، وعلماء الاجتماع، والفنانين، ولاعبى الكرة، ونجوم العصر، الذين وضعهم الإعلام فى المقدمة، الذى هو هو الآخر أصبح من ضحايا “كورونا”، إذا لم يتغير، ويتكيف مع المتغيرات، ويَعرف قيمة الإنسان الجديد..
إن العالم الجديد استيقظ على نجوم جدد، وصناع للحياة مختلفين، فقد أصبح الطب، والبحث العلمى، والمعرفة الحقيقية، فى المقدمة، وكل من يقدم جديدا، ويخفف ألما، سيكون نجما، أما الذين يعيشون فى الماضى، ويصنعون نجوما من ورق، فسيسقطون تباعا، فهؤلاء الذين يُغذون الشعبوية، أو يُغيِّبون العقول، سوف يسقطون بالتدريج، وسترون عالما جديدا، وإنسانا مختلفا، يفرض وجوده على كل مسارح الحياة فى عالمنا المعاصر، فيجب أن ترتقى الحكومات، وترفع جاهزيتها، لهذا العالم المخيف، وأن تتعاون معا، لمحاصرة كل ما يهدد البشرية، لأن المواجهة خطيرة، وعلى العالم أن يتعظ مما هو قادم، حيث ستظهر أمراض خطيرة، وأوبئة، لكن يجب ألا ننسى لحظة الوصول إلى مصل جديد، أو علاج، لـ”كوفيد- 19″، فمن الطبيعى أن يطور الإنسان، وخبراؤه المعاصرون، علاجا، أو مناعة طبيعية، لهذه السلالة، التى هددت البشرية بالاقتلاع من جذورها، لكن ما سيظهر من أوبئة جديدة سيكون أصعب، وأشد فتكا، بمستقبلنا.
إن الوضع القائم فى العالم أجمع كشف عن معدلات الإنفاق الهزيلة على البحوث الخاصة بالأوبئة، والصحة، والتعليم عموما، والمظلة الاجتماعية الحاكمة لمجتمعاتنا خصوصا، فهى غير قادرة على الاستمرار، الأمر الذى يُنبئ بأننا سنواجه مستقبلا أصعب من ذلك، وأن المؤسسات الراهنة المحلية، والإقليمية، والدولية، وفى مقدمتها منظمة الصحة العالمية، مترهلة، ولا تملك آليات الإنذار المبكر لما هو قادم..
وأخيرا، وليس آخرا، يجب أن يعى الجميع أن السياسة والصراعات، والحروب، لم تعد، الآن، فى مقدمة الاهتمامات، فحياة الإنسان سوف تسبق كل الأولويات، ويجب أن تتغير البنية التنظيمية للحكومات، والمنظمات الدولية، لرفع الجاهزية، والتنسيق، لمواجهة أسوأ الاحتمالات، وألا يتم العبث فى الطبيعة، أو البيئة، أكثر من ذلك، وأن. تُترك الحرية للإنسان ليعيش فى الطبيعة، وأن يتم الاهتمام بحياته، وتعليمه، وتوفير دوائه، وغذائه، فتوفير هذه الأساسيات هو الاقتصاد القادم، بل هو كل شىء للإنسان.