
عشنا فى مصر أياما صعبة ودقيقة، منذ مطلع العام الحالى، عقب انتشار وباء كورونا، الذى ألمَّ بالعالم كله من حولنا، وأثّر على حياة الناس، وحبسهم فى بيوتهم، وحوّل المدن إلى أشباح، وضرب الاقتصادات العالمية، والكبرى منها، خاصة أمريكا، والصين، وأوروبا، وروسيا، ولا يُخفى تأثيره فى عقولنا، ونفوسنا، أيضا، حيث إنه فاجأ الجميع فى كل أنحاء الدنيا، المتقدمين، والنامين، والفقراء، برغم القياسات ، التى ظهرت من مؤسسات عالمية، أو أبحاث، وأشارت إلى احتمالات حدوثه.
لقد كنا فى مصر نستعد للانتقال إلى العاصمة الجديدة، بكل آمالها وطموحاتها، وافتتاح مدينة الآثار العالمية بالأهرامات (المتحف العالمى وملحقاته)، وتغيير وتحديث القاهرة، عاصمتنا وحلم دولتنا، التى نعرفها، ومدينة العلمين الجديدة ثانى المدن الكبرى على البحر المتوسط، بعد الإسكندرية، وفتح شرايين الاقتصاد المصرى، بعد شبكة الطرق العالمية، التى تم شقها، وتشييدها، والتى غيرت مجرى الحياة المصرية، وربطت الوادى بالصحارى، وأتاحت للمصريين، لأول مرة فى تاريخهم، اكتشاف بلادهم من جديد، وتنوع اقتصاداتها، وقدرة إنسانها على العمل فى أجواء صعبة، وتحدى مصيره، والعودة إلى النمو الاقتصادى بكل مشتملاته، والتشييد، والبناء، ببراعة، وإعجاز متناهٍ، وقد فعلنا كل ذلك ونحن نعيش ونصطلى بنيران الإرهاب المتأسلم، الذى مازال يتصور أنه أحق بحكم مصر، وأنه حدث تآمر عليه، وخرج هذه المرة، ليس لعقاب الدولة المصرية، كما تعود فى الماضى، ولكن لعقاب الشعب والدولة معا، فى حرب قاسية، ندفع فيها ضريبة غالية على الجميع، لعقاب المصريين، فقد حمّلهم مسئولية طردهم من الحكم، ومحاكمتهم بجرائم الخيانة الكبرى، حيث باعوا الحكم، الذى حصلوا عليه، بالإرهاب، والبطش، لمصلحة قوى إقليمية وعالمية بثمن بخس ورخيص معا، وما الجريمة الأخيرة, التى حدثت فى بئر العبد بسيناء، فى شهر رمضان المبارك، والناس يتحسسون حياتهم، ومخاوفهم من الوباء العالمى, إلا إشارة مؤلمة، أو شاهدا جديدا، على خِستهم وجُبنهم فيما أرادوا أن يُوجعوا به الشعب، حيث يرفضون، ويعز عليهم أى نصر تحققه بلادهم، وأهاليهم، فى زمن الجائحة، الذى يخسر فيه الجميع، لكن المصريين كانت قدرتهم كبيرة، وكبرياؤهم عظيمة، فقد صمدوا بإمكاناتهم المحدودة، بل إن منظومتهم الصحية، وهى فى طور إعادة البناء والهيكلة، كانت قادرة على تحجيم الوباء، ومساعدة الناس، وتقليل الخسائر، ومنع انتشار المرض، أو تفاقمه، وبالفعل تمت محاصرته، والتعامل معه.
إن أقل وصف لكبرياء المصريين وعظمتهم, حيث تعاونوا مع دولتهم، ومؤسساتهم، وأحدثوا التوازن بين الحظر، واستمرار الحياة، والعمل, أنهم حققوا المعجزة، فلم يكن الرهان على الحياة، أو الجوع، فى زمن الوباء، فقد حافظنا نحن المصريين على الحياة، وساعدنا الناس، خاصة الفقراء، ولم يتوقف الاقتصاد عن العمل، ولو بوتيرة متوسطة، وتحملنا خسائر كبيرة، أهمها تأجيل افتتاحتنا الكبرى، والأهم أننا هزمنا الخوف، الذى انتاب العالم كله، عندما خرج شبح المرض من عقاله، وتوحش من حولنا.
ومثلما شاهدنا، ونشاهد، جنودنا وضباطنا فى القوات المسلحة والشرطة يواجهون الإرهاب، والتطرف، والفوضى، التى ضربت بلادنا، بل المنطقة العربية، أو الشرق الأوسط، الذى نعيش فيه, فإننا نشاهد أطباءنا، وممرضينا، وكادرنا الطبى، يكشفون عن بطولة، وشجاعة متناهية، فى مستشفياتنا لعلاج المرضى، والمصابين، وكذلك فى مستشفيات العزل حتى لا تتفشى العدوى المخيفة بين صفوف المصريين.
فى اعتقادى أن هذا هو الانتصار فى زمن الإرهاب، وهذا هو الانتصار فى زمن «الجائحة»، لكن المهم أننا يجب أن نعى أنه إذا كان هذا واقعنا، وتحدياتنا الداخلية، ومخاوفنا الصعبة من المرض، والتأخر، أو من الفقر، الذى يترصد من لا يعملون، فإننا لا ننسى، كذلك، الضغوط الخارجية القاسية، التى تُمارس علينا من حولنا فى الإقليم، الذى نعيش فيه، وتأثيراتها التى لا تغيب، فهناك فى أعالى النيل ضغوط خطيرة، من إثيوبيا، للتأثير على حصة مصر من المياه، وهناك عمل دبلوماسى، وسياسى، معها، ومع كل دول حوض النيل، بل مع كل دول إفريقيا، فى عام الرئاسة المصرية للاتحاد الإفريقى، والذى لم يتوقف، ولعل القمة الأخيرة لإنقاذ إفريقيا من الوباء تعكس القدرة على العمل، وتجاوز الأزمات الحادة، فى ظروف أكثر دقة، وصعوبة، داخليا وخارجيا، لمحاصرة من تآمروا، للتأثير على حصة مصر المائية، بإنشاء سد فى إثيوبيا لا يتناسب مع المعايير، التى أنشئ من أجلها، ولكن تحول فجأة إلى مصدر للضغط على المصريين، وتهديد مستقبلهم، وحياتهم.
كما أن هناك على حدودنا مع ليبيا معركة كبرى أخرى تهددنا، وتهدد الشعب الليبى، بالتمزق، وتفشى الإرهاب، والتطرف، بل عودة الاحتلال التركى، وإقامة مستعمرات إخوانية على حدودنا، لتتحول تدريجيا إلى تهديد مستمر لمصر، والمصريين، وتهجر الليبيين من بلادهم، وتجعل من ليبيا بؤرة، أو معسكرا، أو قاعدة عسكرية تركية- قطرية فى شمال إفريقيا، لإخضاع هذا الإقليم للأطماع الإخوانية.
لقد انشغل العالم من حولنا بتحديد مستقبل القوة العالمية بعد الوباء، والصراعات بين أمريكا والصين، وأوضاع أوروبا القاسية، وانشغلنا نحن أيضا بإنقاذ أنفسنا من الفيروس، وتقليل مخاوفنا منه، وإنقاذ اقتصادنا من التدهور، ومعاونة الفقراء منا، الذين فقدوا أعمالهم، ووظائفهم، ولم يتوقف الأعداء من حولنا عن الابتزاز، وممارسة الإرهاب، فى أعالى النيل، وليبيا، والسودان، وسوريا، واليمن، وفلسطين، وفى شمال إفريقيا كلها، وكذلك الخليج العربى, لكننا كنا قادرين على محاصرة المرض، ومواجهة الأعداء الإقليميين، الذين تربصوا بتجربتنا فى النمو، فهل لنا أن نقول، ونحن فى خِضم معارك مواجهة الوباء والإرهاب، إننا انتصرنا؟..
شخصيا، لا أميل إلى الاحتفال، أو الإقرار بالنصر، حتى تنتهى المعارك الثقيلة، ولكن يجب أن يشجع بعضنا بعضا، ولا نحبط الأعمال الكبيرة، أو الصغيرة، القادرة على المواجهة، والتحدى، وتقريب الوطن من النصر الحاسم، خاصة أننا نرى مصر وقدرتها على تحقيق أهداف الناس، والوطن، بإجراءات نموذجية، تدعونا للفخر، والاعتزاز، لكن يجب أن نتحفظ، وننتظر، ونأخذ بكل أساليب الحذر والحيطة، فنحن مازلنا فى منتصف الطريق، وأمامنا نصر كبير، بل مؤزر, بإذن الله, على كل من تآمروا على مصر والمصريين.