مقالاتمقالات الأهرام اليومى

من وحى صوت الشيخين رفعت والنقشبندى

بقلم:أسامة سرايا
رسالة حب، واحترام، وتَذَكُّر، قبل رحيل شهر رمضان المبارك، شهر القرآن الكريم، بأصوات مصرية، ولكنها من السماء، خُلقت لكى تُنعش العقول والأرواح معا.. هذه الأصوات عاشت، ويجب أن تعيش وتستمر، للأجيال الحالية والقادمة، لأنها صنعت فنا، بدأ فى بلادنا وحدها، ثم انتقل منها إلى كل الدنيا، خاصة العالمين العربى والإسلامى؛ هو فن، وروعة، وجمال تلاوة القرآن الكريم مرتلا ومُجَوُّدًا.
عندما يَحلُ شهر رمضان نتذكرهذه الأصوات، التى تعيش معنا كل يوم، بل كل ساعة، فهى تظل، خلال دوامة الحياة اليومية، الواحة، والبركة، ولأن لكتاب الله جمالا أخاذا، فإننا نقرأه للتدبر والتعلم، ولا يكتمل غذاؤنا إلا به، ونظل نهفو نحوه، فى مجالات عدة، بل فى كل مناحى الحياة، كما نعيش عبره جمالا، وفنا أخاذا للبركة والاستمتاع معا.
ولأننا نعرف الكثير عن تغذية العقول بالتعلم والقراءة، فإن تغذية أرواحنا ونفوسنا تكون من خلال قراءة القرآن الكريم، وتدبرآياته، والاستمتاع، والاستماع إلى الأصوات الملائكية المتتابعة، والمتواترة، عبر تاريخنا، الذى لا ينضب، ولأننا فى مصر نملك منها رصيدا، وثروة غنية، يجب ألا تُهدر، ولأن مصر مهد التلاوة، حيث بُثت منها أول إذاعة للقرآن الكريم فى ستينيات القرن الماضى، ومنها أصبح فن التلاوة والتجويد مؤسسيا، وهو ما يضمن بقاءه فى كل العصور، وعدم الضياع مع مرور الأيام، والحفاظ على كل الأصوات الجميلة حية ومتجددة؛ فإننا مازلنا نشعر بنشوة أجمل الأصوات، وأبدعها؛ الشيخ العملاق، محمد رفعت، 9 مايو 1882- 9 مايو 1950 (70عاما على وفاته)، فصوته مازال باقيا، وفى شهر القرآن يزداد تألقه، عاما وراء الآخر، ويتغلفل فى نفوسنا، فللاستماع للقرآن الكريم بصوته جمال وروعة ملائكية أخاذة، الأمر الذى يجعلنا نتوجه إلى المولى عزوجل بأكف الضراعة أن يرزق دولة التلاوة المصرية من الأصوات الجديدة صوتا يكرر هذه الروعة، للحفاظ على الاستمرارية.
ولأن لكل شخص بصمة لا تتكرر، فنحن لا نريد أن نكرر الشيخ رفعت، أو نقلده، ولكننا نريد أن نحافظ على ما أنتجه، ونصونه، ليظل مصدرا للإمتاع، والجمال، والغنى الروحى، على مر العصور، فنحن لا نبحث عن الاستنساخ، وإنما عن مزيد من الجمال، والأصوات الجديدة، فهذا الشيخ مازال يأسرنا بصوته الملائكى، ويسحرنا، فهو طاقة إيمانية تجدد حياتنا،
فيجب أن نحفظها، ونعيد ضخها، إنتاجا مبتكرا للميديا الجديدة، بمختلف أشكالها، وقد وفرت التكنولوجيا، وتطوراتها، أساليب ذلك، ويجب أن نعهد تلك الثروة الإنسانية لمؤسسة تحفظها لنا.
ولعلى هنا أشير إلى قناة “مصر قرآن كريم”، التى هى فى طور الإعداد، ونشيد بهذه الخطوة الجديدة، التى جاءت لتحفظ لنا هذا التاريخ العريض، وهذا الجمال الأخاذ، وأصبح واجبها ودورها أن تحفظ أصواتنا الملائكية، وهى كثيرة؛ الشيخ الحصرى، الذى جمع أحكام التلاوة، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، الذى يتمتع بحلاوة الصوت وجماله، والشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ أبوالعينين شعيشع، صاحبا الصوت عذب التلاوة، والصوت الرخيم، الذى رحل عن عالمنا فى هذا الشهر الكريم، الشيخ الطبلاوى، والذى ترك بصمة واضحة فى عالم وجمال التلاوة.
إن إذاعة “القرآن الكريم” وقناة “مصر قرآن كريم” يجب أن ترعاهما الدولة المصرية، وأن تكون مهمة وزارة الدولة للإعلام دمجهما معا فى مؤسسة واحدة، على أن تقوما بتصنيف وتجميع الأصوات القديمة، وإعادة إنتاجها، وحماية الأشرطة القديمة، وتَنَوعها، لأن هذه الأصوات لا تتكرر، ولأن كل مرة قاموا خلالها بتسجيل القرآن الكريم تختلف عن الأخرى، وتحتاج إلى تبويب عصرى متجدد، وتصنيف يجعلها متاحة، مع شرح مستفيض لنوعية الصوت، ومصادر الجمال، لنعيد للأجيال الحالية مصدرا خلابا للجمال، والعذوبة، والمتعة.
فى اعتقادى أن هذه الأصوات الجميلة تحمينا من الإرهاب، والتطرف، فتذوق فن تلاوة القرآن الكريم يجدد النفوس والأرواح، ويهذبها، ويَخلق الجمال، ويكون مصدرا للفهم، والإيمان، والعذوبة معا..
فهل نسيتم، أو لم تستمعوا إلى صوت آخر فى دولة أخرى للجمال (الإنشاد الدينى العذب)، إنه الشيخ سيد النقشبندى (1920 – 1976)، هذا الشيخ الممتع، والجميل، له من اسمه نصيب وافر، فهو نقش فى حب الله، خُلق، مع أصوات أخرى فى الإنشاد الدينى، ليكون ثروة وغِنى لبلادنا، نشعر به فى كل مواسمنا، وأيامنا المباركة، فقد غذّانا طوال هذا الشهر بمدد روحى كبير، حيث اجتمعت دولة التلاوة المصرية مع جمال الإنشاد الدينى، وكونا ثروة روحية، يتغذى عليها كل المحبين للجمال، وكل الباحثين عن الإيمان، وغذاء الأرواح والعقول.
إن مهمة إذاعة القرآن الكريم وقناة مصر قرآن كريم مهمة جليلة، فهما المنوطان بحفظ تراثنا، وهويتنا، والعودة إلى عناصر التفرد المصرية، التى اكتسبت شهرتها، لأنها ابتكارنا، وإبداعنا نحن، لا نقلد أحدا، وليست باهتة، كما يحدث حولنا، حيث يمكننا من خلالهما تهذيب النفوس، التى جذبها أهل الشر نحو الإرهاب والتطرف، ونبذ الحب والجمال، لكى نعود إلى جَادّةْ الصواب، ونُبعدها عن الشر وأهله، ونهيب بهما الالتزام بأحكام التجويد، ومراعاة قواعده، عند اختيار قرائهما، كما اعتدنا ذلك قديما، حيث كان الفرز والاختيار لا يسمح إلا لأصحاب المواهب الحقيقية، وكانت الصرامة لا تسمح إلا بخروج الأصوات العبقرية، التى تُثرى وتغذى العقول، والنفوس، والأبدان، لتظل مدرسة، أو جامعة، التلاوة المصرية، والإنشاد، متجددة، وحية، وقوية، ولا تهبط إلى شبهة المحاباة، أو “الواسطة”، فقد بلغت دولة التلاوة المصرية ذروة عالمية، والجمال الأخاذ، وكانت تأخذ من “شيخ من شيخ عن شيخ.. وهكذا”.
لذا، نرجو أن نعود إلى القواعد القديمة فى الاختيار، فحماية هذا المنتج الروحى المصرى الفذ واجبة على الدولة، وعلى أهل الفن، تلاوة وإنشادا، أن يحموه من الانزلاق إلى عالم السطحية، وعدم الجودة، لتظل دولة التلاوة والإنشاد المصرية مَعلما، فى تَغرُدِنا، وتَمَيُزِنا الثقافى، والروحى، للعقل العربى المسلم، فى عالمنا، على مر الأجيال والعصور.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى