مقالاتمقالات الأهرام اليومى

بحرنا فى خطرِ..!!

أسامة سرايا

لا أقصد بكلمة “بحرنا” النيل، حيث يسميه المصريون البسطاء بالبحر، والذى تجرى حوله المفاوضات العسيرة، حيث “فرية” السد المسمى “النهضة” الإثيوبى، الذى قد يعوق سريانه، إلا أن الحقوق المائية معروفة، وواضحة لكل ذى عينين، خاصة العقلاء منهم، وليس هناك حتى الآن مجانين قد يفتحون نيران جهنم على منطقتنا والعالم، بصراعات لا حدود لها، حول الشرب، والأكل، والزراعة (أصل الحياة)، مع أن المياه التى تجرى فى نهر النيل، وما حوله، والأنهار التى تصب فيه، تكفى الجميع بوفرة لا حدود لها، والاتفاق هناك شبه مؤكد إذا صلحت النيات، وإذا كانت هناك منظمات ودول كبرى تُدرك أهمية السلم والتعايش للعالم كله.

أما “البحر” المقصود، فهو مهم جدا لنا، وأقصد به “المتوسط”، ونحن أولى من الرومان لنطلق عليه بحرنا، حيث شواطئنا على ساحلنا الشمالى الغربى، نفتخر بها بين الأمم الآن، خاصة بعد تشييد مدينة “العلمين الجديدة” لتتوسط شواطئ هذا الساحل، مفخرة مصر حاليا، ولتكون ثانى أهم مدن شرق المتوسط، بعد الإسكندرية العظيمة، التى عادت لسابق عهدها؛ بمشروعات، وشواطئ، ومحاور، وطرق خيالية، فى زمن وجيز ، شاهدا على عظمة المصريين، فى عصرهم الراهن، فى البناء، والتنمية، وصناعة السلام، والتعايش.

إن المصريين يدركون أهمية البحر المتوسط، باعتباره أكبر بحر فى العالم، حيث إن مساحته 2.5 مليون كيلومتر مربع، ويربط أقدم 3 قارات فى العالم (آسيا وإفريقيا وأوروبا)، وتطل عليه 23 دولة، مما يجعله بحرا يطل عليه أكبر عدد من الدول، وهو فى الحقيقة بحر مغلق، يحاط كاملا بالبر واليابسة.

كما أن البحر المتوسط، منذ قديم الأزل، ممر للملاحة والتجارة العالمية، حيث تمر به ثلث السفن والناقلات التجارية العالمية، فهو من أهم الطرق للناس، والسلع، والخدمات،٤ وكانت إضافة مصر لهذا البحر الخالد “قناة السويس”، الدرة الفريدة، لتربطه بالبحر الأحمر، ولعل إدراكنا لأهمية السلام والتنمية جعلنا نعمق القناة، ونحدث ازدواجا لهذا الممر القديم، وكان ذلك هدية الرئيس عبدالفتاح السيسى، فى بداية توليه مقاليد الحكم، لعالمنا فى العصر الراهن، لتكون القناة إشارة لا تُخطئها العين إلى أهداف الرئيس عبدالفتاح السيسى ومراميه، حيث التنمية والاستقرار اللذين ينشدهما لأهل مصر، ولكل دول العالم.

كما قدمت مصر للعالم، منطقة اقتصادية ذات أهداف إستراتيجية حول القناة؛ لتخدم صناعة وتجارة العالم، وربطناها بأكبر شبكة طرق حديثة، تصل إلى أقصى نقطة فى بر مصر، وذلك يأتى استعدادا لربط مصر بإفريقيا وآسيا وأوروبا عبر شبكة طرق، وسكك حديدية، ونقل بحرى حديثة ومتطورة، من خلال موانٍ جديدة على البحرين المتوسط والأحمر، بل موانٍ نيلية لإفريقيا.

إن مصر تبحث عن سعادة وعيش أهلها عبر الالتصاق بالعالم، واحترام القوانين الدولية، لكننا وجدنا المتربصين الباحثين عن السيطرة وإعادة الاستعمار، الذين يضربون بالقوانين الدولية عُرض الحائط، وأن هذا البحر، الذى لم يشهد عبر تاريخه صراعات ضخمة إلا الصراع التركى- اليونانى حول قبرص، هو عامل تعاون وتقارب أكبر بين مختلف الدول المطلة عليه، حتى القريبة منه، لكن بحرنا، ونحسبه كذلك، أصبح، خاصة للدول المطلة على شرقه، نقطة خلافات، وصراعات ضخمة، ومطامع، بعد اكتشاف الغاز، كما أصبح من المؤكد أنه نقطة ارتكاز العالم الجديد لإنتاج الطاقة، فهو الاحتياطى الإستراتيجى لطاقة العصر النظيفة، حيث سيوفر التكلفة والوقت.

ويوما بعد آخر، تزداد أهمية المتوسط، كما أن الخلافات المتصاعدة بين الدول المطلة عليه، فى ظل غياب آليات وأطر التعاون، تطفو على السطح، خاصة فى ظل فراغ السلطة فى ليبيا، إحدى دول شرق المتوسط المهمة، التى أصبحت مطمعا للمغامرين، ومركزا للإرهابيين الباحثين عن ثروات هذا البحر دون وجه حق، وقد استغلته تركيا لمناوأة اليونان وأوروبا، دون احترام لقوانين البحار، بل أسس التعايش بين الشعوب، وفى ظل هذا الوضع، يبدو أن الدول الثمانى المطلة على شرق المتوسط فى حاجة إلى أن تنضم فورا، ليس إلى منظمات لإنتاج الغاز، ولكن للبحث عن أساليب للتعايش، وتقليل حدة الصراعات، وتفاقمها، لأن قانون البحار، الصادر عام 1982، لا تحترمه معظم الدول، ولم يتم ترسيم الحدود البحرية المتداخلة بعد.

طبيعى أن من يبحث عن الغاز لا يبحث عن الحرب، لكن من غير الطبيعي تلك الصراعات التى تدور الآن بين من يملكون الغاز ولا يريدون أحدا جديدا يدخل فى الأسواق، ويمولون الحروب والاضطرابات لإشعال البحر تحت أقدامهم، وخطورة ذلك ليس على أوروبا وحدها، بل على العالم ككل.

أعتقد أن البحر المتوسط، الذى هو مهد الحضارة، كبير بما يكفى ليسعنا جميعا، والعالم لا يتخيل أن بؤرة الحضارة سوف تشتعل بالحروب، لأنها أصبحت بؤرة النفط والغاز، فكفى العالم حروبا وصراعات، ويجب أن تتدخل دول العالم الكبرى، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبى، لتفرض على دول هذا الحوض احترام النظام الدولى، وحل المشكلات والصراعات بالطرق السلمية، ولا تترك أمر هذه المنطقة ينفلت، ولعل مصر قدمت النموذج والقدوة لذلك، عبر تبنيها حل الأزمة الليبية سلميا، وتصديها للتدخل التركى هناك، وانتشار الإرهابيين، وتهديد استقرار هذا البلد، وتشتيت أهله، كما قامت مصر بترسيم الحدود مع اليونان وقبرص، محترمة قوانين البحار، والمناطق الاقتصادية التى توفرها، وفتحت الباب لتشكيل “منتدى شرق المتوسط” فى يناير 2013، والذى انضمت له أخيرا الولايات المتحدة الأمريكية.

إننى على يقين من أن صفحة مصر فى مواجهة الصراعات، والحروب، وإقامة السلام الإقليمى، لشعبها والعالم، ناصعة البياض، وواضحة وضوح الشمس، لكن مصر وحدها لا تستطيع أن تجابه الألاعيب التى يصنعها حلف “تركيا، وقطر، والإرهابيين المتأسلمين” لإشعال المتوسط.

إن إقليم شرق البحر الأبيض المتوسط فى بؤرة الخطر، ومقدمة الحروب، وشعوب هذا الإقليم تئن من الصراعات، ومخاوف القادم المنذر بالخطر الدائم على كل شعوبه، والأهم الآن أن تكون “القاهرة” نقطة الالتقاء والبحث لدول حوض شرق المتوسط عن حل، بل لكل دول البحر المتوسط، لتجنيب هذه المنطقة الحساسة من الانزلاق إلى الحروب، التى قد نعرف بدايتها، لكننا لا ندرك نهايتها، وتأثيرها شرقا وغربا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى