
نودع اليوم عيدنا الكبير فى زمن كورونا ، أشرس وباء عالمى عاشه جيلنا، حيث لم تر البشرية مثله منذ أكثر من 100 عام، ولم يسبق لنا أن شهدنا حجنا الأعظم بمكة المكرمة و المدينة المنورة رمزيا، كما شهدناه هذا العام.
وفى خِضم هذا الحدث العظيم، فإن قلبى مع أهلى من المصريين فى كل مكان، حيث إن قلوبهم قلقة تنتظر شيئا، أو يترقبون زحفا تركيا إرهابيا بميليشيات مسلحة لا تُراعى حرمة أو دينا، قادمة من الغرب الليبى، أطول حدود جنوبية لهم، وحصارا بالسد الإثيوبى للمياه، أو رفضا من أهل الحبشة الكرام للاتفاق مع المصريين، وقد عشنا معهم نبنى حضارة وادى النيل حول مياه النهر الغنية، التى تكفى الجميع بلا طمع، أو استئساد على حقوق الغير، والتى تنهمر من أعالى النيل، والتى صنعت حضارتنا، فنحن وهم أول حضارة إنسانية فى عالمنا منذ فجر التاريخ وحتى الآن. إنها صورة لم يكن العقل الإنسانى المصرى يتخيلها، أو يتصور أن يعيشها، برغم أن لها بوادر أو بواكير، ويقف عندها كثيرا، إذ كيف يكون مهددا فى استقلاله، أو بالإرهاب، أو المياه معا، من جيرانه، وكأننا لا نعيش فى القرن الحادى والعشرين، الذى دخلنا فى عقده الثانى؟!. هكذا حالنا، ونحن فى عصر الوباء الشامل عالميا، حيث يصعب أن نتفاءل، خاصة أن نفرا منا، هم قطر الخليجية والإخوان المسلمون، قد جنّدوا أنفسهم خونة وأبواقا للاحتلال، وجعلوا من أنفسهم أدوات للتمزيق، واعتلوا الشاشات والمنصات، التى تبشر بالانهيار، وتمهد للاحتلال والصراعات التى لا تنتهى، وأصواتهم مثل النعيق تهلل للمحتل التركى، وكأننا فى مقارنة بينه وبين الاحتلال الروسى، أو الأمريكى، أو الغربى عموما، ويجب أن نختار!!، فأى مهانة، وأى رذيلة، وأى خِسة، وقع فيها هؤلاء الجبناء؟!.
إن أردأ أنواع الخونة فى التاريخ الإنسانى من باعوا أنفسهم وأوطانهم، وباعوا ما لا يُباع بأبخس الأثمان، ويتصرفون ولا حرمة عندهم لوطن أو أهل، بل بكل وقاحة يتكلمون، وبكل جبن يبررون أفعالهم.. لا أعرف أين تربوا!.. وماذا رضعوا فى طفولتهم، حتى يتحولوا إلى جنس آخر لا نعرف نظيرا له بين بنى الإنسان، أو حتى الحيوانات؟!.. لقد أصبحت أصواتهم أو نعيقهم حِملا لا يُحتمل، وبرغم التداعيات الصعبة، التى نعيشها فى كل ركن من منطقتنا، فإن فى داخلنا ضميرا يقظا ومنتبها بأننا قادرون على هزيمة كل هؤلاء الأعداء فى أى جبهة يَفدون إليها، أو أى مجال يتسترون به، لأن قدرتنا نابعة فينا داخليا، ومن حضارتنا القديمة، ليس لصلابتنا فقط، وإنما لأننا أصحاب حق فى الحياة، وفى التقدم، وسوف نستطيع أن نعمل بإصرار لتغيير هذا الواقع المؤلم، وهزيمة المحتل على كل الجبهات.
إننا فى عيدنا الكبير كنا قادرين على إرسال رسائل، حيث أعاد لنا رئيسنا عبد الفتاح السيسى الثقة فى اقتصادنا، بأننا سوف نصدر سلعا وخدمات بأكثر من 100 مليار دولار، أى أنها سوف تتضاعف 4 مرات، وقد اختار صناعة المنسوجات، التى كان لنا فيها الريادة، والسبق، وقصب الصدارة، فى القرن التاسع عشر، حيث ستعود من جديد لتحتل صناعتنا وماركتنا الأسواق العالمية، لقد تابعت ذلك مع معرفتى بأن هناك إصرارا مصريا على أن ندخل عصر الغاز الطبيعى ولا نخرج منه كما خرجنا فى الستينيات من عصر البترول، وها نحن قد تحولنا فعلا منذ عام 2018 من مستورد للغاز إلى الاكتفاء الذاتى، ثم إلى مُصدرين له منذ نهاية ديسمبر 2019، واحتل إنتاجنا فى البحر المتوسط 62% من إجمالى إنتاج الغاز، وانتقلنا الآن إلى اكتشافات متنوعة فى مناطق دلتا النيل، وننتظر حقول خليج السويس والبحر الأحمر.
إنها معركة صامتة انتصرت فيها مصر على أعداء كثيرين تآمروا، وكان هدفهم بإصرار استمرار إفقار مصر، وعدم دخولها هذا العصر الاقتصادى بأى شكل من الأشكال، وها نحن نتحدث الآن، فقد عادت صادراتنا من الدجاج إلى الأسواق العالمية، بعد أن تخلصنا من وباء إنفلونزا الطيور وتوقفنا نحو 14 عاما عن تصديره، وقد تصور الكثيرون أن مصر من البلاد الفقيرة التى تستوطن فيها الأمراض والأوبئة، إلا أنهم وجدوا الحيوية المصرية قد تغيرت، ولا مجال للأوبئة، سواء كورونا أو غيره عندنا، كما أن هناك يقظة صحية، والتزاما وطنيا بها، والتخلص من الأمراض، وبناء مؤسسات صحية قادرة خلال سنوات قليلة على تصدير خدماتها، ومنتجاتها، وأدويتها للعالم، وليس للمنطقة التى نعيش فيها فقط.
كما كانت حكومتنا فى العيد قادرة على أن ترسل رسالة للإقليم من أكبر مدينة تُنشئها مصر على البحر الأبيض المتوسط بعد الإسكندرية (العلمين)، لتكون رائدة للمدن الحديثة على الساحل الشرقى للمتوسط، حيث تقول لأوروبا إننا قادرون على المنافسة مع عالمنا بشبكة من المدن الجديدة، وتحول فى شكل البناء والتحديث لهذه المدن، التى تدخل الخدمة تباعا فى مصر، مع عاصمة جديدة عصرية. إن وطنا بتلك القدرة الاقتصادية، ويحميه جيش حديث ومتطور، يملك الإمكانات الضخمة، والأهم روحا معنوية، وقدرة قتالية، يستطيع أن يغير معادلات كثيرة، سواء فى الأرض أو البحر أو الجو، فماذا تنتظرون من شعب يملك كل هذه الإمكانات، وهذه الروح، وسبق اختبارها فى صراعات حيوية مع إسرائيل والغرب عالميا حول سيناء، وانتصرنا، واسترددنا كل أراضينا، وثبت أننا قادرون على الدفاع عنها، وتخليصها من كل أنواع الإرهاب والتطرف؟!.
وأخيرا، فإننا كنا فى عيدنا الكبير قادرين على أن نستخلص، وأن نتذكر كل ما يحدث حولنا، وعلى أرضنا، وأن نسترجع قدرتنا، وأن نعيد حساباتنا، وسوف نثبت، بالصبر والعمل، أننا نستطيع، وسيكون الاتفاق على مياه النيل هو أصعب تحدياتنا، حيث يجب على أديس أبابا أن تدرك أنها لا تستطيع أن تشرب كل المياه التى تسقط على أراضيها، وأن تتخلص من التدخلات المعيبة، التى تسيطر على العقل الإثيوبى، وأوهمتها بأنها قادرة على إعادة التسلط، أو ركوب الأفيال، فى زمن المتغيرات، ويبحث الكثير فيه عن التعاون المشترك، وعمن يستطيع أن يُصغى للحياة الإنسانية، ولا يدمر الحضارات، أو يسقط الدول، أو يمهد الأرض للإرهاب والتطرف.