مقالاتمقالات الأهرام العربى

رسالة من بن زايد وبن سليمان الي توقيع واشنطن

رسالة بليغة
من “بن زايد” و”بن عيسى” فى توقيع “واشنطن”

أسامة سرايا
تابعت عن كثب، وبعين شاخصة، “توقيع” دولتى الإمارات والبحرين فى واشنطن، داخل البيت الأبيض، فى حفل نظمه الرئيس الأمريكى ترامب، بحضور نيتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى.
خُصص حفل التوقيع للحدث، الذى بدأته دولة الإمارات، والشيخ محمد بن زايد، فى اختراقٍ، وتحدٍ عربى جديد لتل أبيب، لإثبات جديتها فى إقامة السلام “العربى- الإسرائيلى”، والاعتراف بحقوق الشعب الفلسطينى..
كانت الخطابات المتبادلة، والضمانة الأمريكية، أن الإسرائيليين لن يتمادوا فى ضم الأراضى الفلسطينية بالضفة الغربية إلى دولتهم، وكانت رسالة الإمارات واضحة؛ أنه “لا سلام بين العرب والإسرائيليين دون دولة فلسطينية، أو دون حل الدولتين”، ثم تبعتها دولة البحرين، مما يعنى المشاركة فى تأييد الخطوة، والموافقة على الرؤية، وتحديدا جديدا لمعنى “مظلة السلام”، وهى التى تفتح مجالات التعاون التجارى، والسياحى، إلى جوار الاعتراف المتبادل بين الدولتين العربيتين وإسرائيل، وهنا تكون المبادرة العربية، التى اقترحتها السعودية فى عام 2002، ووافقت عليها جامعة الدول العربية، قد دخلت حيز التنفيذ، فإقامة العلاقات ما هى إلا اعتراف “براجماتى” بوجود إسرائيل، وأن الحل العربى لن يكتمل إلا بقيام الدولة الفلسطينية العتيدة المبنى على حل الدولتين والقدس الشرقية.
هذه العلاقات فتحت لهذا المجال طريقا واسعا، ووضعت لهذه البيئة الجديدة رؤية واضحة، وخريطة طريق، ووسيلة للتواصل، والضغط، وأوضحت قوة الشريك العربى، واتساع أُفقه، ولم تقدم للحكومة الإسرائيلية، أو رئيس وزرائها نيتانياهو، كما يقولون، هدية من السماء، أو حتى للرئيس الأمريكى ترامب، وهو فى طريقه للانتخاب، هدية انتخابية، بل أكدت للشارع، ومن خلفه اللوبى اليهودى فى الولايات المتحدة، أن العرب ليسوا ضد الاعتراف بإسرائيل، لكنهم أما وقد قدموا للشعب الإسرائيلى هذه المبادرة السخية، فإن ذلك ما هو إلا مقدمة حية، وانتظار لرد فعل الشارع على إلزام حكومته، سواء الراهنة، أو القادمة بالسلام، أو أن تدفع استحقاقات السلام، لتنعم بثماره، وهى الدولة الفلسطينية العتيدة، المرتقبة، فالعلاقات ليست السلام فقط، لكن الرضا والتعاون بين الشعوب أيضا..
لقد حرم الشيخ محمد بن زايد وجلالة الملك حمد بن عيسى، رئيس الوزراء الإسرائيلى والرئيس الأمريكى من حضور الحفل، وأن يحصلا على صورة جديدة إلا بعد السلام الكامل، ورد الحقوق، وقد ذكرّتنى مبادرة الإمارات والبحرين بزيارة السادات المفاجئة لإسرائيل، وخطابه أمام الكنيست، وهو الأمر الذى يشبه الصعود إلى القمر.
كما جال فى ذهنى أن نيتانياهو وحكومته سوف يكرران ما حدث فى “كامب ديفيد”، حين تصافح السادات ومناحم بيجن، أو ياسر عرفات مع إسحاق رابين وشمعون بيريز، فى حضور كلينتون، أو الملك حسين مع إسحاق رابين، وبينهما كلينتون، فى الاتفاقيات، التى دشنت علاقات مصر، والأردن، ثم السلطة الفلسطينية بإسرائيل، لكن حرمهما القرار، أو الرؤية، “الإماراتية- البحرينية” من هذه الصورة، حتى يكتمل المسار..
إن هناك فارقا بين اتفاقيات سبتمبر 1993 وسبتمبر 2020، ليس فى الـ” 27″عاما فقط، وإنما لأن كلا المشهدين يحملان علاقات عصر جديد، ومتغيرات كاملة على الصعيدين الإقليمى والعالمى، ومن هنا، فإن حكمة العرب تبين قدرتهم على التفاوض، وتحمل المصاعب، والسير فى الأشواك وراء حقوقهم المليئة بالمصاعب، حيث إن الشجاعة تصنع الرؤية، والنصر أو الظفر..
لقد كانت رسالة الزعيمين (بن زايد وبن عيسى) قوية وبليغة، أنهما وافقا على العلاقات، وأن ذلك تم بشكل وظيفى، انتظارا لحدث أكبر، واكتمال المسار، والسير فى الطريق، وأخذ الصورة؛ من قيام الدولة الفلسطينية، ووقتها سنحتفل معا بحضور الزعماء العرب جميعا وإسرائيل، بعد تنفيذ المبادرة العربية كاملة، وأن يكون للعلاقات طعم، وثمار،
ولهذا، كان الغياب المُعبر يعنى حضورا كاملا، مصحوبا برسالة أقوى للجميع، عربيا وإسرائيليا، ويعنى رسالة كاملة، و هذا ما قالته السعودية وعمان، بل بقية دول الخليج والعرب، الذين يترقبون تأثير الخطوة، فالجميع ينتظر الانسحاب الإسرائيلى، والاعتراف الكامل بالدولة الفلسطينية.
فكل التحية والتقدير لدولتى الإمارات والبحرين، لخطوتهما الجادة، ومسارهما المختلف والقوى، فهو رسالة قوية منهما إلى إسرائيل، تحمل مغزى الفهم، وقدرتهما على التعبير، بأننا سرنا فى السلام وأعيننا شاخصة، لا تغيب عن الحقوق الفلسطينية، واعترفنا بالحقائق، لكننا ننتظر الدولة، التى لا تستقيم أمورها إلا بها، وسنكون، فى هذه المبادرة، قادرين أكثر على الدفاع، بل الاختراق، من أجل المصالح العربية والفلسطينية، وأن عدم استمرار إسرائيل فى هذا المسار سيحمل مخاطر كثيرة على مستقبل العلاقات، بل على مستقبل المنطقة، فالسلام ليس رهانا فقط، لكنه المستحيل، الذى لا غِنى عنه، ولا استقرار إقليميا دونه.
إن بلاغة الرسالة هزتنى، فكررت أن أكتبها للفلسطينيين، وبقية العرب، فنحن جميعا مطالبون بفهم استحقاقات السلام، والسير فيه بقوة، فليس هناك حل بالحروب، وبيئة السلام ومفاوضاته لها طبيعة خاصة ودقيقة، عليكم جميعا أن تتحلوا بها، والاندفاع نحوها، فطريقها صعب، وهو إقناع الشعوب بأهمية السلام، وجدواه الاقتصادية، والاستثمارية، وأنه أفضل من قضم الحقوق، وإثارة الضغائن.
ثمة اعتقاد أن مسار السلام سيكون عبر دولة الإمارات، ومعها البحرين، ودول الخليج العربى، بما تملك من إمكانات، قادرة ليس على إقناع نيتانياهو وحده، بل حكومات إسرائيل المتعاقبة، والشارع الإسرائيلى، فالسلام من أقوى الأسلحة، بل أقوى سلاح للردع، ورد الحقوق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى