
أسامة سرايا
رحل سياسى كويتىوعربى محنك، وحكيم، وذو خبرة عتيدة، ظلمه دوره الإنسانى العميق والشامل فى المنطقة والعالم،حيث أخفى حقيقته السياسية القوية،لأنه لعب أدوارا لو لم يلعبها لتغير وجه وشكل المنطقة، وكان فى حالة أسوأ بكثير مما هو عليه الآن، وكانت أدواره تتم بهدوء وروية، بل هى أكبر من دولة الكويت، البلد الصغير ذى الدور الكبير فى مختلف مراحل، ومحطات السياسة العربية، طوال القرن العشرين وحتى الآن.
وكان ولعه الشخصى بالدور الإنسانى، الذى يسعد به أو يستخدمه ليكون فى مقدمة تَذَكُر الناس، والعمل على ما يسعدهم، فهو الأمير البسيط، الذى يريد أن يعيش بين الناس، أو يعيش حياة البسطاء،ويتلمس سعادتهم.
سأتوقف اليوم بإمعان أمام رحلة الشيخ صباح الأحمد الصباح فى السياسة، ولعلنا فى مصر نتذكر، بدقة، ونقدر له وقوفه معنا فى سنوات الفوضى والضياع، مابعد 2011، والتى سبقت واستمرت مع صعود الإخوان المسلمين للسلطة فى مصر، ولولا صوته القوى ما استطعنا حشد رأى عام عربى يقف ضد هذه الكارثة السياسية المروعة، التىألمت بأكبر بلد عربى فى تاريخه العظيم، والتى كانت لا تخص مصر وحدها، ولكن المنطقة العربية ككل، ولا أبالغ إذا قلت العالم كله، فالسقوط فى هِوة الإخوان فى مصر يعنى سقوطا كاملا للمنطقة فى أيدى المتطرفين والإرهابيين، وأجهزة الأمن، والقوى الغربية، والإقليمية، المعادية، التى ساعدتهم بدهاء، وخبث جهنمى،ضد الشعب المصرى، وأظهرت صعودهم على أنه انتخابات وحركة شعب، وكان لشجاعة الشيخ صباح الأحمد فى إظهار هذا الدور، أو الرأى، تأثير كبير على الجميع فى المنطقة العربية، بل على المصريين فى الداخل والخارج، فى رفض الحركة الإخوانية، وتسلطها على حكم مصر، وأنها لعبة أجهزة وإعلام خبيث ومتآمر إقليميا ومحليا، ويحسب له أنه تعامل بذكاء مفرط فى دعم مصر، وشعبها، ومؤسساتها، مع مراعاة عدم التدخل فى الشأن المصرى الداخلى، فقد كانت هذه شيمة الرجل،أنه لا يتدخل فى الشئون الداخلية للدول.
ولعل ذلك، أيضا، كان دوره الحيوى والسياسى البارز فى دعم سوريا، واللاجئين السوريين، عقب الحرب الأهلية، التى أَلمتْ بهذا القٌطر الشقيق، ودمرته تماما،فبحسه الإنسانى والسياسى العروبى، تحرك ووقف مع السوريين كشعب، ولم تجد الأمم المتحدة، وزعماء المنظمات الإغاثية فى عالمنا، إلا الصوت والأرض الكويتية، لاحتضان السوريين، الذين تفرقوا فى ربوع الكرة الأرضية بلا مأوى، لأكثر من عقد حتى الآن، فى حرب بشعة ليس لها نظير فى كل حروب العرب الأهلية، أو حتى مع أكبر أعدائهم.
إن الضحايا والمهاجرين بالملايين، ومدنا كاملة دُمرت، والحياة توقفت، والشعب تمت إبادتهكاملا،والدولة تعيش حياة وظروفا لا نستطيع وصفها حتى الآن، فنسكت عنها، كأنها غير موجودة، مع استمرار معاناة الناس، وسقوط الدولة، ولكن الشيخ صباح كان جادا فى مساعدة سوريا وشعبها، ولم ينس أنها وقفت، مثل مصر، مع بلاده لمواجهة الاحتلال، والظلم الصدامى لدولة الكويت بعد غزوها فى التسعينيات، وهو الحدث الدامى فى تاريخ العرب، الذى أثر على المنطقة العربية كاملة، ونقلها إلى دائرة الصراعات، والحروب، والاحتلالات الخارجية، التى لم تنته حتى الآن، وكان الربيع العربى، أوما سُمى ذلك، إحدى ثمارها الخبيثة، ولكن من حُسن الطالع أن يكون الشيخ صباح الأحمد، أو شيخ العرب، مؤثرا، وذا رأى وبصيرة، فى فترة الاحتلال وما بعده لتلافى آثاره السلبية السياسية، والاقتصادية، والنفسية، على شعب الكويت، وعلى المنطقة العربية ككل، فقد استطاع لملمة الأحداث، ومساعدة الجميع فى تجاوز تلك الكارثة العربية المُفزعة على بلاده الكويت، بل على العراق نفسها، وعلى كل الدول العربية، فقد كان ذهنه المتقد يلمع، ويتحرك، ويدرك أن الكارثة سوف تنتهى، وتزول، وأن الكويت ستعود، ولكن على الأشقاء العرب أن يعودوا، وأن نتجاوز ذلك بالحكمة، والرؤية الصائبة، واتساع الذهن، وبأكبر قدر من المحبة والتسامح، فقد كان يقف مع العراق، ويدرك أن العراق يجب ألايدفع ثمن أخطاء حاكمه صدام، وأن ما يجمع بين بلاده والعراق أكبر من الغزو والاحتلال، وأن الدولتين باقيتان، والغزو زائل.
وهكذا تعامل مع الأشقاء، الذين وقفوا وساعدوا فى جانب العدوان، خوفا أو طمعا، الفلسطينيين وغيرهم، لم يحمل الشعوب أخطاء القادة والمسئولين، أو سوء اتخاذ القرارات، فى تلك الفترة الحساسة والدقيقة فى التاريخ العربى ككل،وكان يجب أن يحصل “شيخ العرب” صباح الأحمد على ما يعادل جائزة نوبل، أو نوبل، فى السلام، مثل السادات ومانديلا، لكننا فى محيطنا العربى لا نملك جوائز حقيقية، ولا نستطيع تقدير قادتنا بما يكفى، فتضيع حقائق السياسات، ولهذا يستحق أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد أن يكون “أميرا” للإنسانية، أو “عميدا”للحس الإنسانى،والذى كان يحب ذلكأكثر من أن يكون عميدا للدبلوماسية العربية.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد جمع الشيخ صباح الأحمد بين السياسات التصالحية العميقة والمبادرات الإنسانية الخلّاقة،حيث تذكرته عندما احترق مرفأ بيروت، واهتزت لبنان، كأنها ضُربت بقنبلة نووية، لكن صوامع الغلال، التى بناها فى المرفأ لم تحترق، حتى يحافظ على طعام الملايين من اللبنانيين المحاصرين بـ”حزب الله” و”إسرائيل”، واستحقت الجزيرة القطرية السقوط والسخرية، وهى تسرق عمل الشيخ صباح، وتنسبه زورا وبهتانا إلى تركيا العثمانية، وقطر ومخططاتها، صاحبة الهوى والأكاذيب، فى حين أن الشيخ صباح لم يأل جهدا لمصالحة قطر على أشقائها العرب، وهى المعتدية، بل هى الظهير الذى يمول المعتدين فى كل المنطقة العربية، على حساب العرب،
كما تذكرته حينما عُقدت جلسات المحبة للأطفال اليتامى فى باكستان، وماليزيا، وكل العالم الإسلامى، لكى تؤبن أبواليتامى، والرجل الذى أسعدهم، وفكر فيهم، وكان مبعث سعادته هذا أكثر من أى أعمال، وأدوار، ومآثر، وعلامات سياسية،فقد فعلها حاكما ووزيرا فى تاريخ دولته الكويت.
إن سيرة صباح الأحمدمحمودة على كل الأصعدة الكويتية، والعربية، والعالمية، سياسيا، وإنسانيا، بل هى سيرة الكويت نفسها فى عالمها المعاصر، ولهذا رحم الله شيخ العرب، وأعطى للكويت، ولأسرة الصباح ما يستحقانه فى تاريخنا العربى..