مقالات الأهرام اليومى

يــــوم مصـــــر

اليوم ليس يوما عاديا في مصر‏,‏ فبأي حسابات سنجده مختلفا‏,‏ بل أنه بالفعل يوم تاريخي‏,‏ لأن مصر تبدأ فيه مرحلة جديدة‏,‏ يدخل فيها المتنافسون علي منصب رئيس الجمهورية حلبة السباق الفعلي‏,‏ فهناك عشرة رؤساء أحزاب سياسية يتنافسون علي هذا الموقع المهم من الآن وحتي‏4‏ سبتمبر‏,‏ وسيعملون في ضوء برامجهم ولقاءاتهم وحواراتهم علي تهيئة الشارع للتصويت في الانتخابات الرئاسية‏,‏ واختيار الرئيس في يوم‏7‏ سبتمبر المقبل‏.‏
ولاشك أن أهمية الحدث باتت واضحة للجميع‏,‏ فقد تم الوصول إلي اللحظة المهمة بأسلوب علمي ودقيق‏,‏ واستجابت المؤسسات الدستورية والأحزاب والشارع السياسي‏,‏ وأنتقلت لهم الحيوية السياسية‏,‏ منذ انتهاء الدورة البرلمانية بعد دعوة تعديل المادة‏76‏ من الدستور التي أطلقها الرئيس حسني مبارك في‏26‏ فبراير الماضي‏.‏

مرت خمسة أشهر‏,‏ والأحزاب والسياسيون والبرلمانيون يركضون جميعا من أجل صناعة الجمهورية الجديدة والرأي العام يتابع ويشارك‏,‏ فلقد فتح ذلك التعديل الباب واسعا لحركة سياسية جددت الحياة‏,‏ وبعثت الروح والحيوية في شرايين المجتمع المصري‏.‏
ولعل أهم ما نشير إليه هو أن عملية التنافس ليست وحدها التي أوجدت هذا المناخ الحي والمتجدد‏,‏ وإنما أيضا المناقشات والحوارات‏,‏والقضايا المطروحة علي الساحة السياسية التي وضعت أجندة جديدة لمصر‏,‏ فعادت كل القضايا إلي بساط البحث‏,‏ بدءا من إعادة النظر في الدستور الحالي‏,‏ إلي مناقشة مستقبل النظام السياسي القائم‏,‏ إلي الحديث عن تقوية النظام الحزبي‏,‏ إلي العلاقة بين قانون الطواريء والإرهاب‏,‏ وضرورة الوصول إلي وضع قانوني مستقر بدلا من القوانين الاستثنائية‏.‏

وراح الكل يشارك في الحالة الجديدة‏,‏ والإعلام يتحرك‏,‏ والمحظورات تقل‏,‏ والمناقشات باتت مفتوحة‏,‏ والحرية مكفولة‏,‏ وتغير المشهد السياسي كله‏,‏ ودخل إلي السباق الحزب الوطني برصيده الكبير‏,‏ وانتخب أعضاؤه من خلال تصويت سري‏,‏ رئيسه حسني مبارك‏,‏ بما يحظي به من شهادات تاريخية‏,‏ وثقة في قيادته‏,‏ ومعرفة دقيقة بخبرته وبطولاته ووطنيته‏,‏ ودوره في إدارة حكم مصر‏,‏ حتي وصل بها إلي بر الأمان‏,‏ وأتيح له أن يعبر بالبلاد عبوره الثاني الجديد في عام‏2005.‏
ونضيف إلي كل ذلك أنه هو الذي صنع هذه اللحظة النادرة في التاريخ‏,‏ وهيأها للمصريين‏,‏ ودخل بنفسه في السباق‏,‏ فاتحا ذراعيه للمنافسة‏,‏ طالبا من الأحزاب الجديدة والقديمة معا ضرورة المشاركة‏,‏ فدخل حزب الوفد أقدم الأحزاب المصرية تاريخيا‏,‏ ورشح رئيسه نعمان جمعه في السباق‏,‏ مقدما نموذجا في التنافس‏,‏ بالإضافة إلي‏8‏ أحزاب أخري صغيرة تتفاوت قدرتها ومكانتها في الشارع المصري‏.‏

و في ظل هذا المناخ الحر فإن الجميع مصممون علي إنجاح أول معركة رئاسية في تاريخ مصر الحديث‏,‏ فنحن جميعا مشاركون في صناعة الحدث‏,‏ ويتعين علي المرشحين إعلاء قيمة المنافسة وتقديم النموذج المصري في الديمقراطية‏,‏ فلقد دخلنا إلي الإصلاح السياسي الكامل والشامل بالفعل‏,‏ والتجربة هي صانعة التطور والنمو‏,‏ وعلينا أن نلبي نداء المصريين وشوقهم العميق إلي الحرية‏,‏ ودولة القانون‏,‏ والمساءلة والمسئولية‏,‏ وأن نعيد صياغة تاريخ مصري جديد‏,‏ ونحن نستحق ذلك‏,‏ ولم لا وقد كان لدينا منذ ستينيات القرن الـ‏19‏ أول مجلس تشريعي‏,‏ وأول دستور ليبرالي في منطقة الشرق الأوسط كلها‏,‏ كما أننا نتقدم علي دول أوروبية كثيرة في هذا المجال‏.‏
إن جميع المواطنين مطالبون بالمشاركة‏,‏ فهي أول الطريق لإنجاح التجربة‏,‏ ولابد أن يصل إلي كل فرد فينا اقتناع كامل بأهمية صوته‏,‏ لأن هذا الصوت سيكون شهادة للمستقبل‏,‏ تحصن الحكم وتزيد من قوته‏,‏ من أجل مصالحنا‏,‏ فلم تعد هناك شرعية أقوي من شرعية المواطن عندما يمنحها إلي حاكمه باختياره الحر المباشر‏..‏ فلنبدأ الخطوة الأولي ونستوعب اللحظة‏,‏ ونشارك بالفعل في الإصلاح السياسي‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى