
عندما يتعرض العرب للمحن، والصعوبات الجمة، يتحركون، ويلتفون معا حول دولهم، ومؤسساتهم، لمحاولة محاصرة أى كارثة تَلِمُ بهم، ولعل أبرز دليل على ذلك ما حدث من تعاون عربى عقب هزيمة 1967، رغم الانقسامات الحادة قبلها، وكانت نتيجته انتصار 73 الباهر، ورغم أنهم بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية لم يستطيعوا بناء نظمهم الداخلية، وتقوية دولهم، فإنهم حافظوا على الحد الأدنى من تعاونهم المشترك معا، عبر جامعة الدول العربية، التى أُنشئت فى عام 1945، ولم يفقدوا بوصلة الأولويات، رغم أنهم فى نطاق النظام العالمى لم يستطيعوا، عبر التعاون معا، أن يكونوا مؤثرين فى النظام السياسى، والاقتصادى العالمى، ولكن يُحسب لهم أنهم حافظوا على قضية فلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلى، بمساعدة القوى الدولية، كقضية كبرى فى هذا العالم لم تمت، فظلت حية فى الضميرين الإنسانى، والعالمى. نحن- كعرب- خلال هذا العام (2021)، مقبلون على نظام دولى، وتحولات كبرى فى عالمنا، حيث ستكون القوة العظمى، فى إدارة بايدن، قادرة على أن تضع تصوراتها للعالم الجديد، والتى ستتضح أمام الجميع، وستختلف جذريا عما كانت قبلها، وسوف يلتقط الخيط الأوروبيون، والصينيون، والروس.. وغيرهم من الهنود، واليابانيين، إن لم تلتقطه القوى الإقليمية، شريكة العرب فى الشرق الأوسط، (إسرائيل، وتركيا، وإيران)، ونحن- كعرب- خرجنا من عام 2020 بعد جائحة كورونا، وقبله عِقد من الفوضى الضخمة، التى ألمت بالمنطقة، عقب ما عُرف باسم «الربيع العربى»، بأوضاع سياسية، واجتماعية خطيرة، هددت استقرار الإقليم ككل.
ولم تعد قضية فلسطين، وأدواتها المرتقبة واللاجئين الفلسطينيين وحدهم قضية العرب الوحيدة، بل دخلنا فى قضايا أكثر تعقيدا، فقد شعر جيراننا الإقليميون بأن المنطقة العربية ساحة فراغ سياسى، واقتصادى، يجب أن يملأوه فى قراراتهم، وتُسلب الإرادة العربية على حساب الإنسان العربى، ومستقبله، وللأمانة هذه الحالة لم تكن وليدة الربيع فقط، ولكنها قديمة، لأن معظم الدول العربية لم تستطع أن تبنى نظاما قويا، ومتماسكا، مما جعل الشباب فى المنطقة فى حالة تَمَلْمُلْ، بل غضب جعلهم يتطلعون إلى التيارات السياسية، التى تستخدم الدين ستارا لها، وتستغلهم فى تنظيمات متنوعة، مما فتح الباب للإرهاب والتطرف، خاصة بعد الثورة الخومينية فى إيران 1979، التى فتحت المجال الواسع لصراع طائفى (سنى- شيعى) جعل طهران تتبنى التيارات الشيعية فى منطقتنا العربية، وتستخدمها للسيطرة على بعض دولنا (لبنان، وسوريا، والعراق، واليمن)، ونجحت، إلى حد كبير، فى سياستها، فى خلخلة الأوضاع العربية، فى معظم أقطار الشام الكبير.
ثم كان الاحتلال الأمريكى للعراق عام 2003 بابا آخر واسعا، دخلت منه إيران، وتركيا، على سوريا، والعراق، ثم كانت فوضى الربيع، فسقط كثير من دولنا، وأصبح الجميع يبحث عن موضع قدم لحماية الدول القديمة، التى لم نكن راضين عنها تماما، وكنا نسعى، ونتطلع إلى مستقبل أفضل، أصبح من خلاله الماضى حلما جميلا، ولكن كان مجالا حيويا ليسقط النظام العربى ككل، فتكررت كارثة اللاجئين الفلسطينيين فى القرن العشرين، لتكون ظاهرة اللاجئين، والمشردين العرب هى ظاهرة القرن الحادى والعشرين، حيث يقف على أبواب أوروبا سوريون، وعراقيون، ويمنيون، وليبيون مهاجرون، ومشردون، وهذا الوضع أصبح يتطلب مراجعة شاملة لأوضاعنا الإقليمية، وأصبحنا نطالب الدول العربية، بل جامعة الدول العربية، والنظام العربى، الذى تحكمه الدولة، ومنطقها، وطبيعة النظام الدولى، الذى نعيش فيه، بأن يكون التحدى الجديد هو التفكير فى المستقبل، لأن البديل سيكون ذوبان ما يتم التعويل عليه فى عدم القدرة على وضع تصور مشترك، ولكى نحمى النظام العربى الرسمى، يجب أن يتغير، وعلى رأسه جامعة الدول العربية، لتصبح جامعة للشعوب، والدول معا، ولتبدأ جامعة الدول عامها، ونظامها الجديد بالتحرك، لكى تلمس التكلفة الإنسانية للصراعات، التى ألمت بسوريا، واليمن، وليبيا، ولبنان، والتى تفوق التصور.
وأن الجروح المفتوحة تجعلنا ننظر بعين الاعتبار إلى التحرك المصرى السريع لإعادة ترشيح الدبلوماسى المخضرم أحمد أبوالغيط لدورة ثانية لإدارة الجامعة العربية (٢٠٢1-٢٠٢٥) لكى نلملم شتات الدول المتناثر، وتعود هذه الدول قوية من جديد، فالتحرك العربى ضرورى لعودة النظام، ولتسمحوا للأجيال العربية الراهنة بأن تعيش، وتتحرك فى الإقليم لإعادة بنائه من جديد. لأننا, كعرب, إذا لم نتحرك، فإن مستقبلنا جميعا سيكون عُرضة للخطر، وممارسة الضغوط الإقليمية، والعالمية، مما يهدد مستقبل الإنسان العربى ككل.
ومن هنا، فإنه أمام الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط، ودول المنطقة، سواء فى الخليج، أو المشرق، والمغرب العربى، فرصة جديدة للتحرك، وبناء نظام جديد لا يُرضى الدول وحدها، ولكن يُرضى الشعوب أيضا، ولتتحول الجامعة إلى جامعة للشعوب والدول، الأمر الذى يحميها من التدخلات الإقليمية، والعالمية، ويشجع على أن تكون هناك مبادرات شعبية هائلة من رجال المال، والأعمال، والمؤسسات الكبرى، والمجتمع المدنى لمساعدة الجامعة فى هدفها الجديد، وهو تمكين الإنسان العربى فى إقليمه، وزيادة قدرته، وتطوره، ونموه، ومساعدة الدول العربية فى إقامة بنية أساسية، من شبكات طرق، وسكك حديدية، وموانئ، ومطارات، وتشجيع اللقاءات، والتعاون لزيادة الاستثمارات، والنمو فى معظم البلدان العربية،.وإيجاد روح جديدة، وليكن أبوالغيط، وجامعته العربية، فى دورتهما الجديدة، نموذجا جديدا للعرب، وللأجيال الحالية، والقادمة.