
أسامة سرايا
قلبى مع مصر فى خطواتها المقبلة مع كل شركائها الإقليميين، وعالمنا، فبلدنا، بل إقليمنا مقبلان على خطوات قاسية، وصعبة، ودقيقة، يجب أن تكون محسوبة بدقة، لأنها، على ما يبدو، ستكون صورتنا، ومستقبلنا لنهاية هذا القرن، مما يجعلنى أشد على كل مصرى ومصرية أن يستمسك بالوطن ومصالحه، وأن يعلو بها، لأنها مسألة وجود لوطن وأمة معا.
بعد ١٠ سنوات تماما من محاولة اقتلاع مصر من جذورها، وقد فشلوا تماما فى ذلك، أعتقد أن الإقليم سادته متغيرات جسيمة، ظواهرها تتغير باستمرار، وسَمْتُها الأخير البدء، أو الدخول فى مصالحات، وبالقطع ستكون مقبلة على مساومات، قبل أن تصل إلى تسويات.
وإذا نظرنا إلى هذا المشهد بصورة متكاملة، فسنجد أننا ندخل هذا المعترك الوجودى بخبرات وتراكمات كبيرة لدينا كمصريين، وذلك منذ أن اُحتلت أرضنا فى الربع الأخير من القرن الماضى، ودخلنا فى معركة عسكرية، وسياسية، وتحكيمية دولية مع أقوى شركائنا الإقليميين (إسرائيل)، انتهت لمصلحتنا؛ لجسارتنا، وشجاعتنا، وعقليتنا، وبسالتنا، وانسحاب العدو، بضمانات دولية، وحتى تحكيمية، لحدود مصر فى آخر نقطة (وادى طابا)، ومازلنا، كعرب، فى دوامات وبقايا هذه المعركة المحتدمة مع إسرائيل، وصولا إلى حقوق أشقائنا وجيراننا الفلسطينيين المرتقبة، عبر معركة سياسية أخرى، وقبل أن أنطلق إلى نقطة جوهرية للمصريين؛ يجب أن أُثمن عاليا ما حدث فى الأيام الأخيرة، وما أنجزته السياسة والدبلوماسية المصرية، لتوحيد الفلسطينيين، ولم شملهم، ليكونوا ندا، تمهيدا للحل، وكذلك ليكونوا قادرين، بمساعدتنا عربيا، ومساعدة المجتمع الدولى، على الوصول إلى دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس الشريف، وحقوقهم الضائعة منذ ما يقرب من قرن حتى الآن..
أما النقطة الجوهرية، التى تخصنا كمصريين، فهى أننا مقبلون على صراع على النيل كبير، ومحتدم، وبداية نتطلع إلى أن يكون شركاؤنا الإثيوبيون، وجيراننا، قادرين على فهم وإدراك ما يجرى على أخطر نهر فى عالمنا، خاصة من الناحية الاقتصادية، والبيئية، والأنثرولوجية، والجيولوجية، والديموغرافية، الذى لم يتوقف على بلدنا منذ بدء الخليقة حتى الآن..
كثيرا ما كنت أستمع للمراقبين الإثيوبيين وهم يقولون: تركنا لكم النيل الأزرق لأكثر من ١٠٠ عام، وكنت أشعر لهم بالحزن والقلق، لأن تسمية الأنهار ليست كذلك، وليست هكذا!!
لقد ظللنا لقرون نرى النهر ينبع من الجنة، إلى أن عرفنا أنه علميا، وباكتشافات الجغرافيا، ينبع من إفريقيا، وتحديدا شقيقتنا إثيوبيا وهضبتها، بلد الخير، وستظل كذلك إلى آخر الزمان، لأن إثيوبيا بلد المياه والأنهار، وإذا عددت أنهارها ومواردها المائية، لأخذت كل مساحة هذه المقالة، لكنها أكثر من تريليون متر مكعب، بالإضافة إلى أكثر من ١١ نهرا، تصب كلها فى حوض النيل الأزرق، منها نهر أومو، وأواش، وعطبرة، وجوبا، والقاش، وشيبيل، والرهد، وسيتيت، وداوا.
إثيوبيا جار شقيق تأتينا منه المياه، ومصالحه تهمنا، واستقراره ونموه كذلك، ولقد قلقنا عليه جدا عندما اشتعلت الحرب الأهلية هناك بين الأمهرة والأورومو فى “تيجراى”، وأصبحوا مهاجرين ومشتتين، حيث تتعرض إثيوبيا الآن لمحاكمات دولية؛ لتهديدها وحدة الشعوب بها، رغم أن أول تهديد جاء حول النهر كان من الـ”تيجراى” إبان حكمهم إثيوبيا، ونحن نرى أن وحدة إثيوبيا واستقرارها مهمان جدا للقرن الإفريقى، والبحر الأحمر، ووادى النيل، بل لإفريقيا كلها، ونحن فى مصر شركائهم من ٣ مناطق، وأى حرب عليهم تهدد مصالحنا جميعا، كما أنها تضر بأشقائنا هناك، وتضرنا كذلك، وقد حصلت إثيوبيا على اعتراف مصرى فى حقها فى التنمية على موارد النهر، مع الاحتفاظ بحقنا فى مصر والسودان، بلدى المصب، فى الحياة، لنعيش معا فى سلام،.وقد قبلت مصر، بضغط أمريكى والبنك الدولى، الملء الأول للسد الإثيوبى، فلماذا الآن لا تقبل إثيوبيا بمشاركة المجتمع الدولى، والأمم المتحدة، وأمريكا، وأوروبا، والاتحاد الإفريقى، للوصول إلى اتفاق لإدارة السد، وتشغيله، فى كل مراحل الفيضان، خاصة بعد أن تحول من سد لإنتاج الكهرباء إلى سد لحجز المياه بكميات ضخمة تهدد، فى حالة حدوث أى كارثة، بإغراق السودان، وتهديد مصر مائيا، بالإضافة إلى الكوارث البيئية غير المحسوبة.
لا يريد أحد فى مصر، أو حتى أى إفريقى، أن ننزلق إلى صراعات دامية بين الشعوب على المياه، ولعل ذلك هو ما دفع مصر إلى أن تعرض على إثيوبيا التعاون الاقتصادى، بل المائى، باستثمارات حكومية، وإقليمية، وصحية، تجعل من حوض النيل أهم منطقة اقتصادية و مائية فى عالمنا.
إن هذا الصراع يحتاج إلى الصبر، والحكمة، ويحتاج، كذلك، إلى حشد المجتمع الدولى لإيقافه، ولعل الاتفاق “المصرى- السودانى” خطوة رئيسية كبيرة لحماية مصالح دولتى المصب، وأيضا دعوة الرباعية الدولية تشكل خطوطا تمهيدية للوصول إلى اتفاقيات فى هذه القضية الحساسة، مما يعد ترشيدا للعقلية الإثيوبية، التى تعيش لحظة أزمة داخلية، تحتاج إلى الخروج منها دون أضرار، وبلا اتساع للحرب الأهلية، بحيث لا تصبح هذه المنطقة بؤرة للحروب والصراعات، خاصة أن أهالى إثيوبيا فى منطقة السد من الشعوب المتضررة، حيث أصبحوا من خلاله ضحايا ومشردين، ولا نريد أن نكون جزءا من هذه الحروب، بل جزء من الحل، لإنقاذ إثيوبيا، أو الإثيوبيين، مما ترصد لهم وبهم من أخطاء، قد تدفعنا جميعا نحو هاوية صراعات لا تتوقف..
كما أن منطقتنا يجب ألا تغفل، وهى كذلك، ما يحدث من إيران، وضرورة إنقاذ الشعوب السورية، واللبنانية، والعراقية من تدخلاتها الكبيرة فى حقبة الربيع العربى، ولعلنا لا ننسى، ولا نتغافل عما يحدث مع تركيا، ونرى أن بدايات المصالحات يجب أن تكون واضحة، ومحددة، حتى لا يتكررالتدخل فى الشئون العربية مرة أخرى من شركائنا الإقليميين، ونضمن حقوق ليبيا، وحوض المتوسط، فقد كانت المنطقة العربية ساحة للحروب والاضطرابات على اتساعها فى السنوات العشر الماضية، لأن شركاءنا الإقليميين فى إسرائيل، وإثيوبيا، وتركيا، وإيران وجدوا فراغا إقليميا متسعا، أرادوا استثماره لفرض نفوذ على الشعوب، متناسين أننا فى عالم جديد لا يقبل التدخل فى الشئون الداخلية، فما بالكم بالاستعمار والنفوذ الأجنبى.
أما ما حدث من التيارات المتأسلمة، وأخطائها، وتحالفاتها مع العنصر الخارجى، فتلك قضية لم تنتهِ بعد، وتحتاج إلى تفكير من كل مخلص ومخلصة، للتخلص من آفة الإرهاب، والتطرف فى مجتمعاتنا، التى تتطلع إلى أن تكون جزءا من عالمها فى القرن الحالى..