
أسامة سرايا
د.فوزى فهمى، أحد الأسماء السحرية للثقافة المصرية، فى حقبة من أغزر حقب تاريخنا خصوبة وثراء، ولد فى 21 أغسطس 1938، ورحل عن عالمنا فى 15 أكتوبر 2021.
ومن مولده إلى رحيله، التصق هذا القاهرى الخالص، بقيم كل المصريين وثقافتهم، ظل يعمل فى الحقب الخمس الأخيرة من أجلهم، لكى يبنى هوية وثقافة خالدة لوطنه، فهو سيد البنائين، كما وصفه فنان مصرى، لم يكن يبنى فى عالم الفن فقط أو الثقافة فقط، بل كان يبنى بعقلية الأكاديمى الشاملة، التى تلم فى أعمالها بكل الأطراف، وبكل عناصر بناء شخصية وطن وتكاملها.
كان مبعث سعادته وسر ثرائه الفكرى، أنه المدرس الذى يخرج الأجيال ويهيئها للعمل فى المجالات الفنية والثقافية، لم يبعد عنه ذلك الخوجا أو المدرس، عندما أقول له إنك كاتب عظيم، أستمتع بمقالاته أينما تكتبها. فيقول لى أنت جورنالجى، وأنا خوجا، كلانا يكتب، أنت فى مهنتك، وأنا أكتب لكى أعلم أو أدرس، إنها فرصتى لكى أخاطب الجمهور الواسع، وهنا فهمت سر الكاتب فى فوزى فهمى، إنه معتز بما يكتب، وإذا لم يعتز به القارئ أو الصحيفة، فلن يكتب، وكان مبعث اعتزازى المهنى، أننى أول من حققت ارتباط الكاتب بصحيفته، ووثقت ذلك بعقد، وكان الكتاب متعودين أنهم يكتبون ولا يحصلون على أجر، وكنت رافضا لهذا الأسلوب، وأقول لهم أنتم لستم الحلقة الأضعف فى المهنة، ولأنكم تريدون أن تكتبوا أو تعلموا، أنتم الحلقة الأشرف والأقوى، ووثقت ذلك.
الكاتب والأكاديمى وسيد البنائين، ورئيس أكاديمية الفنون فى عز صدارتها للحركة الفنية فى مصر، من لم يكتف ببناء صروح ثقافية نعيش اليوم على أجنحتها وهى البنية الأساسية للثقافة فى مصر إلى حد كبير.
ولكل عصر شهود عليه هم البناؤون، وإذا أردنا أن نختار عناوين لعصر مصر ما بعد انتصارات أكتوبر 1973، وحتى الأمس القريب، لن نجد أفضل من فوزى فهمى، الذى يعبر عنا وعن ثقافتنا، وعن جوهر رؤيتنا للحياة وللوطن.
كان هو رمزنا وعلمنا الذى نفتخر به، ونقدره، ونقدمه لكل المحافل، لأنه يحمل رؤيتنا للوطن ولمصر، بكفاءة واقتدار، لم يكن موظفا كبيرا، برغم أنه كان يعتز بالوظيفة العامة ويعتبرها تاجا وتتويجا لأعماله.
كان ناقدا لكل الفنون، ويكتب بعمق الناقد الذى يهتم بتطوير وتحديث كل ما يكتب عنه.
ووصل إلى عمادة النقد الفنى، واهتم بالمسرح جدا، وكان يعتبره جامعة مفتوحة لتعليم الشعب، ودمجه فى حالة التطور وزيادة قدرته على معايشة عصره، لذلك كانت رسالته للدكتوراه حول المسرح ودوره فى حياة الناس والمجتمع.
وإذا كانت مصر اليوم تملك وجاهات ثقافية ومعارض فنية ومهرجانات سنوية، فقد كان وراءها دائما الأستاذ، وهو الاسم المختصر لفوزى فهمى وكتاباته المسرحية، مدرسة خالدة وباقية، نبراسا على جمال المسرح المصرى وروعته، من مسرحية «عودة الغائب» الشعرية الرقيقة، التى تهز الوجدان، إلى “الفارس والأميرة”، ولعبة السلطان.
كانت أحب الأعمال المتنوعة التى قام بها إلى نفسى، هى اهتمامه بالطفل، فقد فتح أمام أطفالنا بابا واسعا للمعرفة، بترجمة أكثر من 100 كتاب، احتوت على معظم المعارف التى يحتاجها الطفل المصرى، فأسس مكتبة حديثة، اعتمد عليها كل المتخصصين فى عالم الطفولة، وبنوا عليها صرحا كبيرا للطفل فى مصر والعالم العربى.
رحل هذا الموسوعى الأكاديمى الفنان، وخلف وراءه بنية أساسية ومؤسسات وبنية بشرية، تعتز بها مصر وتباهى بها الأمم. شكرا د. فوزى فهمى، كنت وستظل صفحة مشرقة فى عالم الفن والثقافة المصرية على مر الأجيال.