مقالاتمقالات الأهرام اليومى

طريق الكباش بالأقصر.. والعبور الجديد لمصر!

أسامة سرايا
هل أدركنا ما حدث فى الأقصر، مساء الخميس ٢٥ نوفمبر ٢٠٢١، عندما مشى رئيس مصر، عبدالفتاح السيسى، بين برىّ الأقصر(طيبة، عاصمة المصريين القدماء)، مخترقا طريق الكباش الجديد، أو طريق الملوك الإلهة، الذى يجمع بين
المصريين المعاصرين، والقدماء معا، وذلك عندما استيقظنا، فجأة، على وقعْ فرحنا، نحن الأحفاد، ‏باللقاء، الذى جمع المعاصرين بأجدادهم معا، على طريق واحد، بعد طول انتظار؟!
لم يكن حدثا مفرحا فقط، أو مبهجا، ولكن كان له ما بعده، وأبعاده التاريخية، والحضارية، والإنسانية، بل هو نصر جديد لمصر الجديدة، والمتجددة، التى نريدها، ونرنو إليها، فى خيالنا، صباحا، ومساء.
لقد ظل المصريون يتطلعون إلى تاريخهم، وحضارتهم، متسائلين: متى نكون جديرين بها، أو أهلا لها؟!، فإذا لهم بهذا الحدث التاريخى، اللقاء المنتظر، والنهضة الجديدة، ليس للدولة فقط، ولكن للشعب والدولة معا، بروح واحدة، فقد اتحدوا لنهضة دولة يتطلعون إليها فى عالمها متجددة، وحية.
لقد اهتز الشرق والغرب، معا، ‏عندما رأوا الحضارة الساحرة القديمة تتجدد أمام أعينهم، حية، معاصرة، صحيح أن المصريين أصحابها، ولا ينازعهم أحد فيها- لكنها حضارة ‏الإنسانية كلها، شاركت فيها، وفى بنائها، فيما بعد، فى عملية تراكمية، معقدة، حتى وصلت إلى ما نحن فيه الآن، فكل رجل، وكل امرأة، فى عالمنا المعاصر، له، أو لها، فى حضارتنا رأى، وصورة، بل نصيب، يشعرون بأنهم شركاء لنا فيه، فالمسلة الفرعونية فى قلب باريس، وفى نيويورك، أو إيطاليا، أو المانيا، رأس نفرتيتى الموجود هناك، وكل ذلك يشير إلى مشاركتهم لنا فى حضارتنا القديمة، فيما بعد، لأنها حضارة للإنسانية جمعاء.
كنت أتساءل: هل مصر، التى نعرفها من الشرق فقط بحكم الجغرافيا، أم من الغرب لوجودها فى المتوسط؟!، فإذا بى أكتشف أن مصر نسيج مختلف، لا هى شرق، أو غرب فقط، بل تجمع بين الاثنين، وتدمجهما معا.
لقد اكتشفنا أنفسنا منذ زمن، لكننا ترجمنا الاكتشاف، بالأمس القريب، إلى حقائق على الأرض، حتى يسمعها العالم كله، حتى لو كانت آذانه لا تسمع إلا نفسها.
عندما نقلنا المومياوات، أو الملوك القدماء، فى مشهد حضارى، تساءلوا: ماذا نفعل؟.. وكيف نفكر؟.. كنا ندافع عن النيل، وعن الحضارة الموجودة فى نهر النيل، ونقول للجميع إننا نحميه من أخطائكم، وطموحاتكم لقتل الحياة فى هذا الوادى العريق.
بالأمس، دشّنا بأيدينا عصرنا الجديد، لم نربط بين برىّ الأقصر، ومعبد الكرنك شمالا، ‏ومعبد الأقصر جنوبا بطريق الكباش، بل ربطنا بين العصرين القديم والمعاصر، وعندما نقلنا ١٨ ملكا، وأربع ملكات، من متحف التحرير إلى متحف الحضارات بالفسطاط- كنا نقول كلمة للعالم: هؤلاء هم صناع الحضارة القديمة، التى نعيش عليها جميعا، ثم عندما حوّلنا عاصمة مصر القديمة (الأقصر) إلى متحف مفتوح للإنسانية، تكرّس المفهوم، الذى ‏سعينا إلى إعلانه، أو الإشارة إليه، وتكريسه، بعد ذلك، بالعمل الجاد، و‏الملهم، فى كل المجالات الإنسانية.
لقد اكتشفنا، وتأكد لنا، سِحر أرضنا، وسِحر حضارتنا الفرعونية، عندما خطونا ٢٧٠٠ متر بين المعبدين، وبين البرين، بين الكباش الفرعونية، وعندما غنى المصريون المعاصرون بالهيروغيليفية، والعربية، والإنجليزية.
تخلصنا من كل عقد الماضى، عقد الاستعمار، والتبعية، ‏وأعدنا اكتشاف حاضرنا، وصياغة مستقبلنا، بإطلالة المصريين المعاصرين من طيبة القديمة، وحضارتهم العريقة، على عالمهم المعاصر، فى الموكب المهيب، والفرح الطبيعى، الذى شمل كل ربوع الوطن.
إن ما حدث فى الأقصر كان النقلة التى انتظرناها، والحلم الذى تطلعنا إليه نحن الأحفاد، مثل الأجداد، نصنع حاضرنا بروح جديدة.
لم يكن ما حدث بالأقصر روحا، وحياة، جديدة للأقصر فقط، ‏لم يكن اكتشافا، وزيادة متحف كبير، حتى لو كان بحجم مدينة عريقة- لكنه كان إعادة اكتشاف المصريين لأنفسهم، وقدرتهم فى عالمهم،
إعادة الأقصر (طيبة) إلى رونقها، باعتبارها أقدم مدينة فى العالم أُنشئت فى عصر الأسرة الرابعة، نحو 2575 عاما قبل الميلاد.
إن ما حدث بالأقصر كان إشارة إلى أن مدينة الشمس عادت على ضفاف نهر النيل ‏لكى تدافع عن النيل لكل المصريين، والعالم، وحضارته،
لكل من فكر، وكل من خطط لطمس هوية مصر عبر التاريخ، وعبر الحاضر، فكلهم كانوا فى موضع الاتهام، وجوههم كُشفت، وعرّاها المصريون باحتفال مهيب، لكنه متواضع بحجم آثاره، وتبعاته التاريخية، والإنسانية.
اجتمعت فى الأقصر، ‏المدينة الحية، صورة الأسرة الحادية والثلاثين، عندما سقطت رايتها على يد الفرس ٣٣٢ قبل الميلاد، حيث عادت بالأمس لكى تربط حضارة المصريين الأحياء بجيشهم، وشعبهم، للدفاع عن الحضارة الإنسانية ككل.
كل المعابد، والكنائس، والجوامع، كل الحضارات اجتمعت، فى لحظة، لكى تعطى للمصريين المعاصرين شهادة وجودهم، وقوة كيانهم، وتأثيرهم فى عالمهم، ‏هل تتصورون أن كل المعابد الجميلة: المعبد الجنائزى،(حتشبسوت، الأسرة ١٨ ) فى الدير البحرى، وهو تحفة معمارية، وفنية، يعجز العقل عن تصورها، بل كل معابد وادى الملوك، حيث عثروا على توت عنخ آمون، ومقابر تحتمس الثالث، ورمسيس الثالث، والرابع، والخامس، وسيتى الأول، وحور محب..
كل هذا التاريخ كان حيا، والأهم أنه كان متواضعا، أمام عظمة المصريين المعاصرين، وهم ‏يهبّون ليصنعوا واقعهم، ومستقبلهم الجديد، حيث لم يتحرك الشعب، ومؤسساته، لبناء مصر الحديثة وحدها، ولكن المثلث العظيم، والمتاحف، والحضارة الفرعونية، التى جسدناها، سواء عبر مدينة الأقصر الجديدة، وطريق الكباش، طريق الملوك العظيم، أو متحف الهرم الكبير، أو مدينة الآثار فى الجيزة، ومتحفها الأكبر، ومتحف الفسطاط.. وغيرها كلها تجسد روح العصر، الذى تحياه مصر.
أكيد لا أستطيع، وأنا أقف مبهورا أمام بناء المصريين الجدد، أو المعاصرين، حضارتهم الجديدة، إلا أن ‏أكون عاجزا عن التعبير، أو تجسيد الصورة، لذا أكرر أسفى، أمام عظمة الحدث، عن عدم التعبير عنه، وتجسيده

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى