مقالاتمقالات الأهرام اليومى

موقف اماراتى عابر للأجيال

الإمارات.. 50 عاما من الوجود الحى!

أسامة سرايا

نحتفل هذه الأيام بذكرى مرور 50 عاما على قيام الإمارات العربية، وهو عيد ذهبى لدولة عربية فتية، وضع أساسها المتين شيخ حكيم، بل حكيم العرب فى عصورهم الحديثة، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وكيف عاشت هذه الدولة، وتغلبت، فى نشأتها، على خِضم من أجواءٍ إقليمية مشحونة، لا داعى لسردها، فكلنا عاصرناها، ولكنها تخطت كل ذلك ‏بحجم إنتاج بلغ ١٥ ملياردولار فى عام ١٩٧٥، عند النشأة، ليتجاوز اليوم ٤٢٠ مليار دولار، ولم يكن ذلك بتروليا فقط، رغم أهميته، ‏وإنما متعدد الأغراض، والمصادر، وأصبحت مدنها، بل إماراتها، هى حواضر العرب الجديدة.
تلك مقدمة ضرورية لتهنئة هذا القُطر الشقيق بالعيد الذهبى، بوحدته، ودوره، عربيا، وإقليميا، وعالميا، وتمنياتى القلبية باستمراره، وتدفقه إلى كل البلدان العربية، فى كل مكان، لأنهم الإماراتيون ‏يعبرون، ليس عن بلدهم فقط، ولكن عن عروبتهم، وإسلامهم، فهم من الشعوب الجادة، لا يتكلمون فقط، بل يعملون، ويؤكدون فكرهم، ورؤيتهم على الأرض، تطبيقا، فقد تكلموا عن الوحدة، ونفوذها فى الإمارات، وتطلعوا إلى الوحدة الخليجية، ومازالوا يعملون فيها، ‏وعربيا عيونهم على كل قطر، ويشاركون بإيجابية، وعالميا يتحدثون عن الإنسانية، والعالمية، ويطبقونهما فى بلدهم، وتحركاتهم، بل إنهم يتكلمون العلم، ويغزون الفضاء، ويشاركون الشركات العالمية فى كل الأبحاث المتقدمة.
كما تكلموا عن التسامح، والسلام، وخاضوا التجربة بكل جسارة، عندما أصدروا “وثيقة الأُخوّة الإنسانية” من أجل السلام، والعيش المشترك، فى أبوظبى، بحضور شيخ الأزهر، وبابا روما، فى فبراير ٢٠١٩ ‏، ولعل الإمارات المعاصرة هى أكثر بلدان الشرق الأوسط، والعرب، فى الانفتاح على الجيران الإقليميين، فى إطار سياسة قوية للانفتاح، وبناء المشاركات، وإدارة الاختلافات.
لكننى، اليوم، أريد أن أطرح بُعدا مهما على موقع الإمارات، ودورها الإقليمى، والعالمى الراهن، والمستقبلى، وهو الجرأة التى اتسمت بها، وقيادتها الراهنة، عندما، واجه الشيخ محمد ‏بن زايد، ولى عهد أبوظبى، الرئيس الأمريكى (أوباما)، الذى وقع أسيرا، أو فريسة، أو هوى نهاية عصر، وهو دخول منطقتنا العربية، كلها، ما عرف باسم “الربيع العربى”، الذى كان يعنى أن الراديكالية، واليسارية الأمريكية، سقطت، كاملة، فريسة لدعاوى يمينية، عرقية، دينية، والتى أراد أن يتوجها، شرق أوسطيا، بسيطرة “الإخوان”، بل التيارات الدينية، ‏على مقاليد الحكم فى مختلف البلدان العربية، واحدة وراء الأخرى،
بل وصل التشجيع الأمريكى، أو البيت الأبيض، وتحديدا أوباما، لاقتلاع كل جذور الشرق الأوسط الحضارية، والإنسانية، القديمة، والمعاصرة، وتسليمه، قهريا، لتيارات جاهلة، بل حمقاء، لها تعريف محدد، لدورها، ومستقبلها، أنها تريد العودة بالعرب، جميعا، إلى القرون الوسطى، قهرا، وسيطرة، وعنفا، باسم الدين، ولم يكتفوا بالسيطرة على شمال إفريقيا، ومصر، بل يتطلعون إلى السعودية، بكل ما تمثله من قوة روحية، واقتصادية، فى المنطقة العربية، والعالم.
لم يكن محمد بن ‏زايد رئيسا للدولة، أو حتى نائبا للرئيس، بل وليا لعهد أبوظبى، وكان، بالقطع، ابن صحيحا، وقويا، وممثلا لأبيه، الشيخ زايد بن سلطان، فقد ورث طاقته، وقدرته الفائقة على الحركة، والتعبير، عندما رفض الرؤية، والتنفيذ الأمريكى، للسيطرة على المنطقة العربية، وتركْ أمرها، وقيادتها، لأكثر التيارات الدينية تخلفا، وجهلا ببلادنا، وأقاليمنا، بل عالمنا، وتطلعاتنا المستقبلية.
لقد تحرك محمد بن زايد أولا فى الإمارات، وثانيا فى الخليج، ‏وثالثا فى مصر، والمنطقة العربية ككل، شارحا المستقبل، ومتصديإ لتلك الهجمة، وتهيئة المسرح للتغيير، ولعلنا هنا نشير إلى دوره المتتابع، وصولا إلى قيام تحالف مع مصر، والسعودية، والإمارات، والبحرين، وهو التحالف الذى قوّى وجهة النظر المصرية (إنقاذ المنطقة)، بل وضع مساراتها المستقبلية لإنقاذ ليبيا، والسودان، ومواجهة التدخلات الخارجية المعيبة، والضارة، فى سياسات الإقليم، وكان هذا التحالف إيجابيا، لكنه كان موجعا لكل أعداء الدول العربية، ولأول مرة نجد أن مخطط الفوضى، الذى كان يهدد الدول العربية، بما فيها دول الخليج، والتى كانت تعتبر، من ناحية ‏الحياة اليومية، وتحقيق طموحات الشعوب أفضل من غيرها- كان يزحف، باسم الحرية، والديمقراطية، لجر السعودية، وشقيقاتها الخليجيات، إلى دائرته، وهو ما كان يعنى كارثة حقيقية على العالم العربى، والإسلامى، ‏وبلغ طموح، وجهالة، قادة الفوضى عالميا، والجماعات، حدا لم نعرفه فى الديكتاتوريات العاتية، التى حكمت بعض بلداننا العربية.
وهنا نتذكر رؤية أوباما، التى لم يخفها فى حكمه، وبعد خروجه، وقطعا سيتذكر تاريخنا العربى، والإنسانى، حوار محمد بن زايد مع أوباما، عندما حذره، بل هدده بكل إباء، وشمم من شخصية الشيخ زايد ‏العروبى، والإسلامى، الحقيقى، بأن لعبة الفوضى فى مصر، وبلاد الحرمين، لها تبعاتها الثقيلة، ليس على البلدان العربية فقط، بل على العالم كله، وأنها بداية لانتشار الفوضى، والإرهاب، وحروب لا تنتهى.
لقد كان المحور، أو التحالف الجديد، العربى، أداة تصحيح، وقوة، فى قلب الخليج، لأنه أعاد بلدانا كثيرة إلى صوابها، كما أعاد تثبيت أركان الدولة فى المنطقة العربية ككل، وتأكيد دور القيادات السياسية القوية فى صناعة التأثير الإقليمى، والعالمى.
دولة الشيخ زايد (الإمارات العربية)، فى عيدها الذهبى، أكدت، عبر العقدين الماضيين، أن تأثير مؤسسها، الذى رحل منذ ١٧ عاما، وحكمته، ‏مازالا ساريين، ومؤثرين، فى تلك الدول الغنية، مما يجعلنا نتطلع إلى هذا الدور، والتأثير فى الكثير من قضايا العرب العالقة بلا حل حتى الآن: قضية فلسطين، ودولتها المرتقبة، وقضايا التدخل الإيرانى فى الشأن العربى، لبنانيا، وسوريا، وعراقيا، ويمنيا، والتدخل التركى فى سوريا، والعراق، وحجب المياه عنهما، بل فى القضايا الوجودية العربية الأخرى، ولعل أهمها الصراعات فى شرق المتوسط، وفى حوض النيل بين مصر والسودان من جهة، وإثيوبيا من جهة أخرى،
بل نتطلع إلى مكانة هذه الدولة، والمساعدة فى عدم تفكيك إثيوبيا، وترشيد حكومتها الراهنة فى صراعها الأهلى المحموم، والمؤثر على كل دول حوض النيل، بما فيها مصر والسودان.
لقد مر 50 عاما من الوجود الحى لدولة الإمارات، ومؤسسها زايد بن سلطان آل نهيان، ونتطلع إلى ٥٠ عاما مقبلة تكون فيها أكثر تأثيرا، وحيوية فى منطقتها، وعالمها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى