مقالاتمقالات الأهرام العربى

قصة من شارع الصحافة .. دويدار ورزق

شارع الصحافة المصرية توجد به الأهرام والأخبار، وهو شارع صغير متفرع من شارع الجلاء فى وسط مدينة القاهرة القديمة، وما بين الصحيفتين أو المؤسستين (الأهرام والأخبار) من وشائج الصلات والمحبة الكثير، كذلك ما بينهما من تنافس، كلتاهما (الأهرام والأخبار) عينها على الأخرى، أول ما نفتح من صحف لنقرأ ليس صحفنا، لكن الصحيفة الأخرى المنافسة، سواء كنا فى الأهرام أم الأخبار، نلتقى ونضحك ونتناقش، وعندما نذهب للانتخابات فى نقابتنا، ينتخب بعضنا البعض، لأننا كنا الكبار فى المهنة العريقة، وعلى الرغم من ذلك نحن (الأهرام والأخبار).

كنا ومازلنا نحتضن الصحف والمجلات الأخرى، ونرى أنهما أخواتنا «المكملين»، هناك صورتنا الجميلة صورة الصحافة المصرية العظيمة ودورها المتجدد والحيوى فى حماية مصر، وفى الرقابة على السلطتين التنفيذية والتشريعية وفى إعلاء سلطة القضاء، هذه الوشائج تحتاج إلى فصول للكتابة، لأن ما يربط بينهما كبير ومتجدد فى شارع الصحافة.

وفى مؤسسة الأخبار تحديدا رحل عن عالمنا اثنان من كبار لاعبى المهنة، أو لاعبى الصحافة، أثرا فى وجدان وطننا، وسجلا قبل رحيلهما تاريخا مهنيا صحفيا عظيما، قطعا سوف يعيش للأجيال المقبلة، وللصحفيين والمهنيين الإعلاميين القادمين على هذا الطريق الذين – قطعا – سوف يتلمسون تاريخهما المهنى، وبحكم علاقاتى بهما، وهى لقاءات محبة وتنافس، من واجبى أن أودعهما بكثير من الاحترام والتقدير والمحبة، فبيننا علاقات ومحبة لا تنسى، وأقصد هنا الزميل الكبير الراحل جلال دويدار، رئيس تحرير الأخبار فى سنوات البناء، من حمل الراية بعد موسى صبرى الصحفى الكبير.

فى أوائل التسعينيات، مكث 15 عاما يقود راية الأخبار، الصحيفة المظفرة، التى ظلت علامة فى مهنة الصحافة منذ أن أنشأها مصطفى وعلى أمين، الأخوان العملاقان والتطور المهنى لأول صحيفة خبرية فى مصر، كان قياسيا وعظيما.

بذل الراحل دويدار عصارة عقله وفكره، ودأبه بشكل لا نهائى فى حماية صحيفة الأخبار وتفوقها المهنى فى جمع أخبار مصر، ونشرها بحرفية واقتدار يحسده عليهما أبناء هذه المؤسسة العريقة أوأبناء الأخوين “أمين”.

ويحسب لدولة ناصر فى الستينيات أنها لم تنكل بالأخبار  برغم اتهام مؤسسها بتهمة سياسية أو التجسس لصالح أمريكا، فتركت الأخبار وأبناء “أمين” يعملون، هذه من بصماتها التى لا ننكرها عليها، برغم أنها كانت لها وجهة نظر فى الصحافة فى ذلك الوقت، تتناقض مع حريتها.

لكن واصلت مدرسة الأخوين أمين، تفوقها وجدارتها فى هذا الشارع العريق، صحافة مصر، أفرزت موسى صبرى، ودويدار وغيرهما فى بناء مدماك هذه المهنة العريقة فى مصر.

لعلى أغبط دويدار وأحييه، هذا البلدوزر المهنى العريق الذى ظل يعمل حتى آخر دقيقة فى عمره، ويكتب بدأب وحب لمصر، حتى إن موضوعه الأخير فى عموده بأخبار اليوم، كان عن حدث مؤثر فى تاريخنا المستقبلى، وهو قانون البنوك، وتعامله مع المستثمرين والمستوردين.

حياك الله يا جلال بك، كما كنا نقول، فى العالم الأفضل الذى انتقلت إليه، وكلنا راحلون، لكن دورك المهنى وكتاباتك لا ترحل معك، ولا ترحل معنا، لكنها تظل نبراسا حيا متجددا، ينير الطريق للوطن وللأجيال المقبلة، ونقول: كان هناك مهنى عظيم أدار صحيفة بكفاءة واقتدار، والأهم، استمرارية يومية يبحث عنها القارئ.

أما زميلنا أو ابننا الراحل ياسر رزق، فقد صعد إلى ذروة إدارة الأخبار فى سنوات القلاقل والاضطرابات التى ألمت بمصر بعد 2011،

فكان نبراسا لحماية صحيفته، وتكريسا لدورها، لم ينكل بالزملاء القدامى، احترم المهنة، احترم الصحافة، احترم التاريخ، فاستحق التقدير، استحق أن يعيش طويلا فى وجدان زملائه وقرائه، فى شارع الصحافة العريق.

كنت دائما أتذكر الابن ياسر رزق، فأقول إنه ابن صحفى عظيم آخر، رحل مبكرا، أتذكر والده فتحى رزق، نقابيا وصحفيا متميزا للغاية فى شارع الصحافة، كان له شأن كبير فى الأخبار وفى حماية مدن القنال، الإسماعيلية تحديدا، عقب هزيمة 1967، والدفاع عن المهاجرين وحمايتهم.

أدرك أن مهنتنا لها دورها، ظلت تبحث وتنجب لاعبين بارزين قادرين على حماية بلدهم “مصر” ورفع شأن مؤسساتهم عاليا، وجذب القارئ والمتابعين لصحفهم يوما بعد الآخر، وتقدير مهنتهم، الصحافة التى وصلت فى مصر إلى درجات عالية ورفيعة فى التأثير والتجديد والابتكار والوطنية.

وأتذكر أزمتها الراهنة الناتجة عن الحالة التى ألمت بمصر ما بعد سنوات 2011، وأتأكد وأدرك أن أبناءها الحاليين والأجيال المتعاقبة قادرون على تحمل تبعات التجديد والابتكار ونمو الصحف والمجلات فى هذه المرحلة الدقيقة واجتيازها باقتدار وشجاعة، وتطوير الأهرام والأخبار، وكل صحف مصر ومجلاتها.

تحياتى لكل الصحفيين وتقديرى لزميلين كبيرين رحلا عن مهنتنا، وانتقلا إلى عالم جديد، وعزائى لأسرة الأخبار وأسرهما وزملائهما فى جلال دويدار وياسر رزق، رحمهما الله وأكرم مثواهما.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى