مقالاتمقالات الأهرام العربى

رجائى عطية ومحمود سرايا وبينهما المحاماة

فى مارس 2022، رحل المحامى الذى حمل على كتفه إعادة الاحترام، لمهنة المحاماة، رحل رجائى عطية نقيب المحامين، أراد الله عز وجل، أن تكون لحظة الرحيل خالدة فى وجدان مهنته، فكان مجرد انتخابه نقيبا إعادة لاعتبار النقابة والمهنة، فى الزمن الصعب الذى يتساقط فيه الكثيرون.

كانت لحظة الرحيل، السبت 26 مارس، خالدة على مدى العصور المقبلة، بعد عام 2022، فكانت فى قاعة «المحكمة» وهو يحمل على كتفه مهمة الدفاع عن المحامين ونقابتهم، وإمعانا فى التتويج، كانت دفاعا عن عدد من المحامين، واحتراما وإجلالا فى ساحة العدالة أمام القضاة، حصلوا على البراءة للقضاء الواقف أمام منصة العدالة والقضاة الجالسين، وسجلت مرافعته حضورا فائقا وجودة رائعة، وما زالت حواراتى مع الأستاذ رجائى، خالدة فى ذهنى، وثابتة فى عقلى لا تضيع، عندما ترشح نقيبا للمهنة الغالية فى ذهنى، فقلت له: إن انتخابك سيكون دفاعا عن المحامين، عن مهنة ونقابة فى نفس الوقت.

ذكرنى رجائى عطية، بعمى الراحل محمود سرايا، المحامى فى المنصورة، الذى انتقل إلى جوار ربه عام 1964، فى سن صغيرة، وسجل فى سنوات عمره الغض قبل رحيله، احتراما مهنيا عاليا، سواء فى مدن منية النصر، ودكرنس، المنصورة، والقاهرة وفى مختلف المحاكم، كان صوتا للدفاع عن المظلومين، صوتا لإعادة الحقوق، وقال لى إن حبك لمهنة المحاماة ذكرنى بعمك، الذى كان رحيله مدويا فى الستينيات، لأنه كان رمزا محبوبا لكفاءته المهنية، والقدرة الفذة على الوجود فى قاعات المحاكم، واحتضان القضاة والمتهمين معا، وصولا للعدالة.

وكان طيفه فى ذهنى محفورا، فقد رحل وعمرى 12 سنة، وكان رحيله لأسرتى مخيفا، فقد كنا جميعا نقول عليه إنه السند والمدافع عن الحق، وترك 3 أطفال صغار، ابتلعه المرض (الكبد الفيروسى)، مرض عبد الحليم حافظ، وهو مرض معظم المصريين فى كل الأزمان، وكان طبيبه هو دكتور ثائر، الذى كان يعالج حليم، وعندما رحل، رحل بعده حليم معبود الجماهير.

ذكرنى الموت، المحامى الذى ولد فى 1928، شقيق والدى ورحل فى الستينيات، كان فخورا أنه محام مدافع عن الفقراء والبسطاء، فهى مهنة طالما أحبها العاملون فيها، وكانوا يعرفون قدرها ودورها فى الحياة، والمحامى الذى لحقه فى القرن الواحد والعشرين 2022م، ولد فى عام 1938، لأب كان نقيبا للمحامين فى الشرقية.

جمعت بينهما مهنة، أطلق عليها المعاصرون مهنة العظماء، وكان فيها سعد زغلول، بل كل السياسيين المصريين الذين تبوأوا مكانة عظيمة فى التاريخ السياسى المصرى، المحامون رموز العدالة والحق الذى به تستقيم أمور الدنيا والحياة، كانوا ولا يزالون قوى مصر الناعمة، عليهم يعتمد المجتمع الدولى، وحياة الناس، إذا أردنا أن نكون مجتمعا صحيا متطورا ومستعدا، لأن استقرار المعاملات هو استقرار للحياة والمجتمع معا.

مرت المهنة بظروف قاسية أثرت عليها وعلى المحامين، ومستوياتهم المختلفة، وجعلت حياتهم صعبة، كان النقيب رجائى عطية، رمزا للإنقاذ ووحدة المهنة وتخليصها من كل الشوائب، التى علقت بها، ووضع المحامين فى المكان الصحيح والمناسب، لدورهم وتأثيرهم كمؤسسة مرموقة فى المجتمع، إذا أضفنا عبقريته ككاتب فذ، قادر على الدفاع عن فكرته وحجته، وتعبيره عن القضايا السياسية والفكرية، فإننا أمام قامة عظيمة فى مجالات متعددة، حققت أهدافها فى مسيرة الحياة، ورحلت فى قاعة المحكمة بصورة درامية وخالدة، الرحيل المدوى سينعكس على مستقبل المحاماة فى مصر.

ويعكس مكانة الأستاذ رجائى الفائقة، فى عالم المحاماة، وتأثيره العميق فى عالم القانون والفكر المصرى، وعالم وسائل الفكر والكتابة، فإن له 105 كتب سياسية وإسلامية، تتقدم مسيرته الرائعة لتشفع له أمام الخالق، عز وجل، وأمام الناس، أن الرجل أعطى ما استبقى شيئا، وأنه دخل إلى سجل الخالدين المصريين من أبواب واسعة، بل من أبواب كثيرة، تضعه فى الصفوف الأولى لمهنة المحاماة، فكرا وسلوكا وأخلاقا ومهنة.

وأنه تقدم الصفوف، واحتل القمة فى سنوات دقيقة فى حياة مصر، مثل هؤلاء المهنيين المحامين العظماء هناك طابور طويل، كتب الأستاذ رجائى عطية فى صفحات الأهرام، بل كل الصحف المصرية، تاريخهم وسجلهم، فى سجلات الخالدين، معبرا عن مكانتهم، وأعاد أخبارهم بتواضع كبير وجم، لا  يفعله إلا العظماء مثله، والنادرون رجائى عطية منهم، بل فى مقدمتهم، أتذكره وهو يوصينى: اكتب عن عمك محمود سرايا، اكتب عن مهنة المحاماة، اكتب عنه، فقد رحل مبكرا، ولو كتب له أن يعيش لسجل اسمه فى سجلات كبار الخالدين المدافعين عن الناس وعن المهنة العريقة والمؤثرة فى حياة كل الناس، وكل مراحل الحياة، فهى مهنة الدفاع عن العدالة والحق.

رحم الله الأستاذ رجائى عطية، وهو أستاذ بحق وجدارة واستحقاق، لا أستطيع أن أصف عظمتك وقدرتك، أنت من الشيوخ الشامخين، ومن الجبال العاتية المؤثرة فى تاريخ مصر المهنى والنقابى والسياسى العريق، أنت كاتب فذ دافع عن مهنة المحاماة، وعن دينه وجحته واضحة وقوته بعقل فذ ونادر، فكلما يجود الزمان بمثله على مر الأجيال، أنت رجائى عطية منوال وحدك، أنت رجائى ستقف فى مقدمة الناس الذين أعطوا مصر، وطنهم (تراثا عظيما) وتتقدم كل الصفوف والمكانة.

رحمك الله وجزاك كل الخير

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى