
أسامة سرايا
أجابنى العيد: فى مصر بناء، وأعياد، وإصلاح..
اليوم العيد، وفرحة الفطر بعد الصيام عبادة، وكانت الأيام الأخيرة فى شهر رمضان أعيادا متتابعة على مصر: أعياد دينية تكاملت بين المسلمين والمسيحيين فى الوطن الواحد، وأعياد وطنية ( ٤٠ عاما على تحرير سيناء، وانتصارات رمضان أكتوبر ١٩٧٣)..
ومع رمضان ٢٠٢٢ ، شهدنا أحداثا متتابعة شكلت للوجدان المصرى أعيادا من نوع جديد، وفرحا متميزا للحاضر والمستقبل: أعياد وطنية تحمل فى طياتها إحساسا بالتجديد؛ عندما نبدأ الحصاد من جنوب الوادى فى توشكى، حيث تزرع الأرض الجديدة بالقمح،
خبز الشعب- فهذه سعادة ما بعدها سعادة أن ينتج المصريون، ويزرعون طعامهم، ويعودون سلة للخبز- كما كانوا عبر التاريخ- ولا يحتاجون إلى استيراده من الخارج، فليجزِ الله الشدائد كل خير! فقد خفنا من أن تكون حرب روسيا – أوكرانيا- وهما سلة غذاء العالم- مؤثرة علينا، لكن هذه الحرب جعلتنا نزرع، ونبنى الصوامع الحديثة، حتى لا يكون هناك فاقد، أو إهدار، فاليوم نبنى، ونزرع غذاءنا، ونحمى مستقبل أولادنا، ونشترى القمح من المزارعين المصريين، وندفع ثمنه مقدما، وبأسعار تتناسب مع السعر العالمى، أى أن مصر، أكبر مستورد للقمح، سوف تدعم المنتج المحلى، بعد أن كانت تفعل العكس..
رسالة المعيّدين مع المتنبى (شاعر العربية الخالد) عندما دخل عليهم العيد وهم يشعرون بالحزن، فأجابهم بلا تردد، فى مقولة خالدة كذلك: بأى حال عدت يا عيد.. بما مضى أم لأمر فيك تجديد..
لم يجبه العيد، لكن من وقتها لم يتخلف، يعود كل عام، وكل موسم فى موعده، ونحن نواصل الحياة، والوجود، والاحتفال بالأعياد مهما يمر علينا من نكبات، أو انتصارات، فالإنسان بداخلنا ينزِعُ إلى الاستمرارية، والطفل فى داخلنا يفرح بالعيد وقد يلعب بالنار، ومن واجبنا إنقاذه، والتكاتف معه.. لنحمى الضعفاء منا، وأن نقف مع اليائسين والمتضررين، وعديمى الصبر، فلقد خلق الله الإنسان ومنحه ملكة الرحمة، وأن ينزع إلى الخير فى كل الأوقات، وأن يتكامل مع الضعفاء، والمهزوزين، وأن يقف ضد من يلعبون بالنار، ويؤذون أنفسهم، والآخرين، وأن يضرب باليد نفسها، وبسلطة القانون، على من يلعبون، ويتلذذون بالإرهاب، والتطرف..
أجابنى العيد، هذه المرة، ولم يتوقف عن الإجابة، أو يتردد،: يبدو أنه يحمل فى طياته رؤية واضحة لمستقبل مصر..
لقد شهدت مصر ليلة العيد مبكرا؛ فى إفطار العائلة المصرية، كما شهدت حصاد توشكى، وقد تجدد الأمل فى إفطار العائلة بما طرحه الرئيس عبدالفتاح السيسى حول مستقبل مصر من تغيير، وتجديد، وبناء متتابع، ومستمر لـ”الجمهورية الجديدة” فى برنامج جديد للإصلاحين: السياسى والاقتصادى، وأصبح واضحا أن الشعب مطالب بأن يتجاوب معهم فى إصلاحين آخرين (الدينى والاجتماعى).. لقد كان حفل الإفطار، وحديث الرئيس عقبه، يحمل شكلا، ومضمونا لـ”الجمهورية الجديدة” راسما صورة لمستقبلها، والأهم أنه خريطة دلالات جديدة..
أعتقد أن رمضان ٢٠٢٢ صورة ناطقة لرمضان ١٩٧٣ ، ففى رمضان 73 كنا نعيش فرحة النصر، وفى رمضان 22 نعيش حالة جديدة من اكتمال مرحلة من العمل الوطنى، والانتقال إلى مرحلة جديدة بعد ٨ سنوات من العمل الجاد.. نكاد نخرج الآن من مرحلة الشك والريبة، بل الأهم إزالة الالتباس، وتصحيح الرسائل- أن المرحلة المقبلة مختلفة، فهى مرحلة بناء أولويات جديدة، بل إن الأولويات المتأخرة عادت لتحتل الصدارة، وتكون محور الاهتمام..
كانت فى مصر أزمة أمنية، وإرهابية، عصرت المجتمع ماديا بتكلفة عالية حتى نتحرر منها.. كلفتنا الكثير (دماء، وأموالا)، لكن التضحيات من أجل الوطن، وهويته، ومستقبله- جعلته لا يقع فريسة للإرهاب، والمتطرفين، الذين يعبثون بالأوطان، ويلهون بالمؤسسات، ويحولون الحياة على أرضه إلى جحيم، أو ضياع، أو استمرارية الحروب الأهلية، أو يفرضون على الشعب ما لا يريده، أو لا يطيقه..
أجابنى العيد أن مصر تخطو خطوات أكثر جدية، وعمقا فى استمرارية الإصلاحات الاقتصادية، ونحن أمام واقع جديد يجب التعامل معه، فقد وضع الرئيس الحقائق أمام الشعب بمكاشفة نادرة، وهى أن
الإصلاح الاقتصادى يؤدى إلى الإصلاح السياسى، حيث أصبحت مصر تحتاج لأن تكون دولة صناعية كبرى تنتج احتياجاتها، ومصر تستحق أن تكون من الدول الزراعية الكبيرة، وتملك الإمكانات التى تؤهلها لذلك، وما تحقق من بناء للبنية الأساسية بكل مشتقاتها يضع مصر فى موقع متميز..
لا تخطو مصر نحو تشجيع القطاع الخاص المحلى، والأجنبى بسبب أزمة اقتصادية لحظية، بل برؤية جديدة، ومبتكرة- أن إنتاج السلع، والخدمات يجب أن يكون مسئولية وتابعا للقطاع الخاص بكل فروعه، ولهذا فإن برنامج ١٠ مليارات دولار سنويا من المؤسسات العامة للقطاع الخاص لمدة ٤ سنوات قرار متطور لمفهوم السوق، وقدرة الدولة على إدارة مواردها، والتفرغ لزيادة الطاقة الإنتاجية للمصريين، ورفع مستوى معيشتهم،
وليس معنى أن الخسائر لا تسقط بالتقادم أن مصر فى أزمة اقتصادية، لكنها تعرف موضع أقدامها (فبها قطاع خاص قوى، وقادر فى الداخل والخارج، ولها أشقاء عرب يقفون إلى جوارها بكل قوة، وكانت شجاعة مصر، واحترامها لأشقائها، واضحة، باعترافها بدورهم فى دعم اقتصادها، والاعتراف بالحقائق يعنى أننا نقف على أرض وطنية صلبة، فنحن لسنا دولة فى أزمة، لكننا دولة تعافت من أزمة، وتنظر للمستقبل بلا خوف، أو تردد، ونتعامل مع الواقع الجديد، بل إننا استطعنا أن نعوض ما فاتنا..
أعتقد أن الولوج إلى الإصلاح السياسى يحب اعترافا بقدرة مؤسسات الوطن على إدارة حوار وطنى خلّاق، يعيد بناء الأولويات، فالسياسة مجال عام يتطور باستمرار، والحوار يمثل المُكون الأساسى القادر على إدارته، والمؤدى إلى إيجاد، أو بناء خريطة طريق، بل يؤدي إلى تحريك، وبعث الروح فى المؤسسات، أو الأحزاب الموجودة الآن على المسرح وليس لها دور..
إن المكاشفة، والمصارحة، والمعلومات التى قدمها الرئيس فى حواراته مع الإعلاميين، ومع العائلة المصرية، وفى لقاءاته المتتابعة مع قادة فى الإقليم، والقارة، والعالم- صنعت نهجا جديدا للدولة المصرية، وقد تلقيت رسالة عقلية ناضجة، ومتخصصة من الدكتور محمد كمال مصطفى؛ وضعت أمامى أجندة للحوار المرتقب، وكانت بعنوان “كيف نعرف أننا نصلح للحوار؟”، وأجاب: مدى الاتفاق على القيم هو الذى يحدد صلاحية الاستعداد للحوار، بل نجاحه: الدين لله، والوطن للجميع، والعقل يسبق النقل، والاقتصاد فى القلب، والسوق لا مفر منها، والسياسة متغيرات لا ثوابت، والديمقراطية حوار، وتوافق، استنادا إلى تداول السلطة، ولا وعى دون تداول المعرفة، وتداول المعلومات، ولا استقرار دون قبول المحاسبة، ولا عدالة دون أحتكام مطلق لمعايير الكفاءة، ولا تقدم دون إبداع، ولا إبداع دون حرية يكون أساسها توسيع البدائل، والاختيارات، ولا اختيارات فاعلة دون تنوير، ولا تنوير دون إزالة كل القيود أمام العقل، ولا قبول لمقولة “التنمية على حساب العدالة الاجتماعية”، فإذا كنا نتفق على هذه القيم، فمن المؤكد أننا يمكننا أن نتحاور، ونصل إلى توافق، أما إذا كنا لا نتفق عليها، ولا نقبل بها، فنحن لا نصلح للحوار، ولن نتفق.. وأعتقد أننا قادرون على صنع إصلاح سياسى متميز يتناسب مع إصلاحاتنا الاقتصادية، ويحمى مكتسباتنا، وبنيتنا التحتية القوية..
وأكرر عيد سعيد، وفرحة مستحقة لكل المصريين، والعرب.