السباق بين المتطرفين

لم تكن عملية بلدة شفا عمرو الإرهابية والانتحارية ـ التي قام بها جندي إسرائيلي, وراح ضحياتها أربعة من عرب إسرائيل, وإصيب أكثر من22 منهم ـ هي الوحيدة التي جعلت المخاوف تتنامي من عودة التطرف الإسرائيلي واليهودي, الذي تتغذي عليه عمليات الإرهاب في الشرق الأوسط.
فقد تواصلت المظاهرات من اليمين الإسرائيلي, واحدة في تل أبيب في ميدان رابين, و ضمت أكثر من100 ألف إسرائيلي, وأخري عند حائط البراق المبكي وضمت50 ألفا, وهاتان المظاهرتان جاءتا كرسالة أفزعت القوي الراغبة في استقرار المنطقة, لأنها كشفت عن أن مناخ صناعة التطرف والإرهاب في إسرائيل مازال مستمرا.
فبرغم القرار الجريء الذي اتخذته الحكومة الإسرائيلية بالانسحاب من غزة, وشمال الضفة الغربية, فإن الصورة المقابلة لم تصل إلي ذهن الذين حركوا المظاهرات, ولم تصل إلي نيتانياهو الوزير المستقيل احتجاجا علي الانسحاب من غزة, واعتراضا علي اتفاقية الحدود الجديدة, وانسحاب إسرائيل من ممر صلاح الدين.
فهذا الموقف جاء في إطار لعبته الانتخابية, ومحاولته استغلال المناخ المضطرب في إسرائيل, لطرد شارون وانتزاع مكانه في الحكومة.
وهذه الرسالة أيضا لم تصل إلي المجتمع الدولي, الذي يرعي السلام الإقليمي. فمتي تتم تهيئة جادة للإسرائيليين لكي يدركوا أنهم لن يستطيعوا الاحتفاظ بأراضي الفلسطينيين المحتلة في عام1967, ثم يحصلون علي الاستقرار والسلام معا؟!
وإذا كان الرأي العام في أمريكا وفي أوروبا غير مكترث الآن بالظاهرة الإرهابية التي تفوح من إسرائيل, لأنه منشغل ـ وهذا حقه تماما ـ في مواجهة تطرف لا يقل خطرا عن إرهاب يستغل الدين الإسلامي, وهنا نطالب بالوقوف ضد سباق المتطرفين علي الجانبين, وإدراك خطر استمرار قضية الشعب الفلسطيني بدون حل نهائي. فهي خميرة لتكاثر المتطرفين.
فما يحدث من المتطرفين في إسرائيل لا يقل خطرا علي الاستقرار العالمي عن حرب الإرهاب الحالية, وعلي الحكومة الإسرائيلية أن تسارع وتشرح لهم أن عملية الانسحاب لا تتم لصالح الشعب الفلسطيني وحده, بل لصالح الإسرائيليين أولا, فهم لن يستطيعوا أن ينعموا بالسلام والأمن طويلا, وهم يمارسون الاحتلال والقمع ضد شعب آخر.
وقبل كل ذلك يجب أن تتغير اللغة القديمة, وتخرج قضية الشعب الفلسطيني من صراع الانتخابات, وصناعة التطرف في إسرائيل, فهذا الزمن ولي, وما كان يصلح في الماضي لا يصلح الآن, فالحقائق يجب أن تعلن للرأي العام في إسرائيل ومن قادتها أنفسهم, حتي يستطيعوا مساعدة العقلاء الراغبين في السلام الإقليمي.
فالانسحاب من غزة لن يكون الخطوة الأخيرة, بل الخطوة الأولي, وعلي الحكومة الإسرائيلية أن تقول للمعتدلين والمتطرفين معا إنها لن تستطيع الاستمرار طويلا في حكم الضفة الغربية, أو السيطرة علي القدس الشرقية, وتعترف بالحقائق التاريخية, فلم تعد اللعبة السابقة, والتي استغلت في بناء دولة إسرائيل, قادرة علي الاستمرار, فالتهديد بعدم الاستقرار لا يدفع ثمنه الشعبان الإسرائيلي والفلسطيني فحسب, بل المجتمع الدولي والاستقرار العالمي, ولذلك يجب أن تكون الرسالة واضحة للمتطرفين في إسرائيل, ليس من حكومتهم وحدها, ولكن من المجتمع الدولي وقواه الرئيسية بشكل مباشر.
فلتوقفوا لعبة التطرف وصناعة المتطرفين, ولا نريد أن نقول من هو المسئول عن تفشي الإرهاب في المنطقة والعالم, لأنكم, بالقطع, مسئولون عن مناخ التطرف والإرهاب, ويجب أن تتوقف هذه اللعبة الخطيرة فورا.