.. ورحل ابن «العميد»!

رحل عن عالمنا، منذ أيام، عالم السياسة، وأستاذ التنبؤات الإستراتيجية الدكتور جهاد عودة، أو، على وجه الدقة، طار إلى عالم جديد بلا أفق كما أراد، فهو من الطيور الإنسانية الجامحة التى لا تستقر فى عالم، أو مكان واحد على الإطلاق، أو حتى بيئة واحدة، فهو يعيش كل الأجواء، إن لم يكن كل العصور يجمعها فى عقل واحد.
عرفنا جهاد عودة طالب السياسة، وابن العميد ذائع الصيت (الدكتور عبدالملك عودة)، الذى كان عميدا لكليتى الاقتصاد والإعلام معا، ومدير مكتب أشهر صحفى وكاتب فى القرن العشرين، وبعده، (محمد حسنين هيكل).
كنا نجتمع، ونقترب كثيرا من طالب السياسة التى هجرها إلى الإعلام، أو جمع بينهما، ورغم الصعوبات الجمة كان يكتب للصحف، والمجلات دراسات عميقة تحتاج إلى من يفكها، ويدرك ألغازها، ويجعلها متاحة للعامة.
الدكتور جهاد عودة جاب بعد تخرجه كل مراكز الدراسات الإستراتيجية، وخزائن العلم، والأبحاث، بدءا من مركز دراسات الأهرام، وكان معنا كاتبا مهما منذ اليوم الأول، وصاحب دراسات عميقة.. لا تستطيع أن تلم بما كتبه من المرة الأولى للقراءة، بل يجب أن تقرأه بدقة، وإمعان لتفكك كل الألغاز التى دبّجَها، وصاغها فى مقالة، أو دراسة.
كان يكتب للدهر وليس للقارئ العادى.. يفك الأحداث، ويتنبأ بمستقبلها بدقة العلماء وليس المنجمين، وإذا كان من الممكن أن نقول عمن يفك ألغاز الأحداث نوستراداموس؛ فإن جهاد عودة كان واحدا يقرأ ما سيحدث غدا بدقة بالغة كأنه يراه، أو عاشه من قبل.
من واجبى أن أقول لصديقى وداعا، وإلى لقاء.. عشنا معك ولم نعرفك بدقة، كنت بيننا صديقا، وأخا، لكنك كنت من عالم آخر، لم ندرك كُنهك على وجه اليقين، وهذا ما يثبت أنك كنت متفوقا، وجئت لتسحبنا معك إلى أجوائك.
لقد كنت عالما تفوق طاقتنا على الفهم، والاستيعاب يا جهاد.. لم تستطع شراعك تحملك فَطِرت بعيدا إلى عالم جديد.. رحلت ونحن نتطلع إليك، وأكيد سنعرف قدرك فى قادم الأيام.