طعيمة.. وكوكبة الراحلين!

سمعت صوته يستحثنى أقوم من مرضى، وأضع يدىّ على بطنى أتحسس جروحى العميقة لكى أودعه.. إنه أخى (محمد طعيمة)، ورفيق دربى بقسم الحوادث والقضايا، فى سبعينيات القرن الماضى، بــ «الأهرام»، حينما دخلتها فى بداياتى، فقد كان أول قسم أعمل به، حيث كلفونى يومها بمتابعة ملف قضايا التعذيب عندما وجدوا نزوعى نحو السياسة.
الكاتب الأمين، والوديع (محمد طعيمة – رحمه الله) يؤمن بمهنة الصحافة، والخبر، والقصة الصحفية، وتفانى فى أدائها بشكل مذهل على مدى ٥٠ عاما.. لم يبحث خلالها عن شهرة، أو موقع، بل كانت عنده شهوة إرضاء قارئه، سواء كان يعرفه أو لا يعرفه.
ملك الأستاذ طعيمة، الذى فاجأنا رحيله، ناصية الكتابة، فكان يكتب القصة كاملة، لا تنقصها أى من مفردات اللغة العربية، أو المعلومة، كما أن جميع عناصر القضية حينما يصوغها تقرأها كأنك كنت فى جلسة المحاكمة.. اكتشفه أستاذنا، فى تلك الفترة، صاحب الأسلوب البديع (إبراهيم عمر- رئيس القسم)، فقال وجدت خليفتى فى الكتابة يقصد (طعيمة)،
ومن يومها وكل الصحفيين فى قسمنا (الحوادث والقضايا)، كوكبة الراحلين: (حسين غانم، وإبراهيم عمر، ويوسف فاضل، وسمير السروجى) نضع قصصنا الإخبارية، وحوادثنا أمام صاحب الخلق، والقلم الرفيع محمد طعيمة، وعناوينه الجذابة، التى تفرض القراءة الممتعة، وصاحب النكهة، الذى كان يتغنى فينا، وفى صحيفته.. لم نر منه مللا، وبحثا عن نجومية زائفة، لكن كانت عينه على صفحة الحوادث والقضايا التى تقدمها «الأهرام» وجبة كاملة لقارئها المحب لها- قارئنا الجميل.
رحل الأستاذ طعيمة، رحمه الله، فى صمت، وسكينة، ولم أجد منه فى آخر عمره أى ضغينة، أو حزن على أيام فاتت، بل كان يشعر بأنه أدى واجبه تجاه مهنته، وقارئه، وأعتقد أيها القارئ أنك تحب أن تودعه، كما أحببت أن أودعه أنا، حيث لم أستطع أن أكون مشاركا، بهذه الكلمة القصيرة: وداعا يا أحب خلق الله لله والناس، فقد كنت من الطيور، أو المخلوقات، التى تجعل الحياة جميلة.