عصر تشارلز الثالث..!

ما أصعب أن تفوز وأنت جريح، وقوى، وتعرضت لكل المآسى الكبيرة والصغيرة، ولكنك صممت أن تكون أنت.
ذلك هو ملخص حياة الملك تشارلز الثالث، الذى يطوى اليوم صفحات التاريخ العريض برحيل الملكة إليزابيث الثانية (أمه)، ويجلس هو على العرش فى بريطانيا.
إننى من الذين يرون أن عصر بريطانيا العالمى لم ينتهِ، ولا يقتصر على الجزيرة الإنجليزية، أو المملكة المتحدة، أو دول الكومنولث، فلندن هى بوابة التأثير على واشنطن، بل إنها بوابة أوروبا، رغم خروجها من الاتحاد الأوروبى، بل إنها البلاد الأكثر وعيا بالسياسة والتاريخ فى عالمنا الراهن، ومازلت أتوقع أن عصر تشارلز الثالث الذى بدأ الآن سيكون مختلفا، وسيكون قادرا فيه أكثر بالتأثير، وعمقه، ودون تدخل فى الحكومات البريطانية المقبلة، وقد أثبتت الأيام الماضية- فى جنازة الملكة، والالتفاف الشعبى حولها فى مظاهرات حب واحترام- أن الملكية تتفوق على الانتخابات، فقد اختفت الجماعات الصغيرة، والمدافعون عن الجمهورية، وكادوا لا يرون وسط الملايين والحشود التى تتجمع، وتلتف حول الملكة فى مسارها من إسكتلندا حتى ويستمنستر، حيث يُسجى جثمانها اليوم والآن.
لقد كانت الملكة محبوبة، وتفوقت على أى زعامات منتخبة فى تاريخ بلادها، ونرى ذلك فى الملك الجديد ، ونحن فى مصر نتذكر زيارته الأخيرة كولى للعهد فى فبراير ٢٠٢١ ، حيث لم تكن زيارة للتاريخ فقط، فقد زارها مرتين قبل ذلك، بل إن أسوان والأقصر كانتا محطتين رئيسيتين مع الأميرة ديانا بعد الزواج الملكى الذى أثمر هارى، ووليم ولى العهد الملكى الآن، ورمز هذه الأسرة العريقة، وشبابها فى المستقبل.. كانت زيارته مصر المعاصرة زيارة ملكية مبكرة، وشهادة أنها اجتازت عثرات القرن العشرين، وأنها على قدم المساواة مع كل القوى فى عالمها، وأنها حققت معادلات التوازن والقوة، كما كانت زيارة اعتراف من الملك، وتوثيق للعلاقات، والدور المصرى المنتظر فى النظام العالمى القادم، أو المرتقب، فلا شىء يحدث فى هذه البلاد مصادفة.