مسيو تونى..!

رحل تونى فارس، شيخ مصورى الأهرام، ابن باكوس بالإسكندرية، الذى ولد فى 27 ديسمبر (اليوم نفسه الذى أُنشئت فيه الأهرام)، لكن فى عام ١٩٢٩، أى بعد تأسيس الأهرام (1875) بـ 54 سنة، ليرحل عن 93 عاما. لقد ظل أنطوان، أو مسيو تونى، كما اشتهر بيننا، راهب الأهرام، وصاحب الكاميرا، يحتفل بعيد ميلاده مع محبوبته الأهرام سنويا، فقد اندمجا لأكثر من ٧ عقود معا، كما ظل شيخ المصورين، المحب للصورة، يعمل، بلا كلل أو ملل، طوال سنوات عمره، حتى عندما تقاعد فى سن ٨٨ كان يأتى إلى الأهرام، ويتسابق على المشاركة فى الأحداث، فهو صاحب العين السحرية، أو للدقة هو من أصحاب الذاكرة المرئية الذين يخزنون الصورة فى عقولهم قبل أن يلتقطوها ويجعلوها متاحة لأى عين، أو قارئ.
أعتقد أننا إذا عرفنا أن كنز الأهرام من الصور عبر تاريخه بلغ ١٠ ملايين صورة وأكثر، وملايين النيجاتيف؛ لاكتشفنا كيف برع هؤلاء المصورون الأفذاذ فى تسجيل تاريخ مصر والمصريين عبر أرشيف الأهرام، أو الكنز الحقيقى الذى يميز صحيفتنا عن غيرها، عبر جيل متعاقب من العباقرة، والكبار منذ إنشائه، برئاسة أرشاك مصرف، الأرمنى الذى صور حريق القاهرة، ثم تعاقب عليه نجوم عاصرناهم، منهم العبقرى محمد يوسف، والفنان إميل كرم، والمبدع أنطوان ألبير، وحسن دياب، ثم النجوم محمد لطفى، ومحمد القيعى.. وغيرهم كثيرون بنوا صرحا من الصور التى تسجل تاريخ مصر والمصريين، وتستحق أن تُعاد للنشر لتعرفها الأجيال الحالية.
يقول الكثيرون لو كان تونى فارس، والكثيرون من مصورى الأهرام، احتفظوا بصورهم لأصبحوا فى زماننا من المليونيرات، لأن صورهم لا تُقدر بمال، ولكنهم كانوا يعرفون أنهم يعملون للصحيفة، فكانوا يبنون (كنزها) صورها، وكل نيجاتيف فيها على أنه ملك الصحيفة وحدها، بينما صناع الكنز نفسه لم يفكروا فى أى استفادة شخصية منه.
تحية احترام وتقدير لمسيرة إنسان، وروح كريمة غادرت دنيانا، وأعطت لنا قيما ومعايير أهم، وأخطر من جمال إبداعاتها الفنية، وصورها النادرة المعبرة.