مقالات الأهرام اليومى

الإصلاح‏..‏ وضغوط الإرهاب‏!‏

في الوقت الذي تتسارع فيه عجلة الإصلاح بمصر‏,‏ في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية‏,‏ أطل الإرهاب الأسود من جديد‏,‏ مهددا وملوحا بإشاعة الرعب بين الجميع‏,‏ فخطف وقتل ممثل الدبلوماسية المصرية السفير إيهاب الشريف في بغداد‏,‏ وفي اليوم نفسه ارتكب أحداث لندن المخيفة‏,‏ التي كشفت عن أن العالم مازال غير آمن‏,‏ وأن الحروب التي اجتاحت المنطقة بعد أحداث سبتمبر عام‏2001‏ بالولايات المتحدة الأمريكية لم تجفف منابع الإرهاب فحسب‏,‏ إنما زودت شروره‏,‏ وفتحت أمامه المجال لكي يزرع الشوك بين الحضارات والثقافات والأديان‏.‏

إن الذين وضعوا المتفجرات في مترو لندن مسلمون بريطانيون‏,‏ ولدوا وتربوا هناك علي الثقافة الغربية المعاصرة‏,‏ لكنها لم تحصنهم من أن تتكون لديهم صورة مرعبة لعالم اليوم‏,‏ تلك الصورة التي بدت وكأنها موجهة ضد المسلمين‏,‏ وأن أبناء الشرق الأوسط وحدهم هم الذين يعانون الاضطهاد والحروب‏,‏ فجرائم التعذيب والإهانات من معتقل جوانتانامو في كوبا إلي سجن أبوغريب في العراق‏,‏ ثم الاعتداء علي المصاحف وتدنيسها في هذه المعتقلات‏,‏ أعطت هذه الصورة المظلمة إلي العقل الجمعي والبسطاء في عالمنا الإسلامي‏,‏ ونحن لا نراها صحيحة‏,‏ فالعالم كله‏,‏ بل حتي القوة الكبري فيه‏,‏ لا يمكنها أن تحارب ديانة يؤمن بها خمس سكان العالم تقريبا بل هي لا تفكر أصلا في هذا‏,‏ لكن الحروب وشرورها وكوارثها هي التي أدت إلي ظهور أكبر مرض في قلب أوروبا‏,‏ فرأينا بريطانيين يفجرون أنفسهم وسط الضحايا‏,‏ أي أن سرطان الإرهاب أصبح أقوي من أي تحصين‏.‏

وهناك من يشير إلي أن أحداث‏7‏ يوليو‏2005‏ في لندن ستكون أخطر من أحداث‏11‏ سبتمبر‏2001‏ في واشنطن ونيويورك‏,‏ لأن الخطر في بريطانيا جاء من الداخل‏,‏ أما في أمريكا فقد جاء من الخارج‏,‏ وهذا الفارق الملحوظ يؤكد أننا قد نتجه إلي ظاهرة خطيرة تدفع العالم إلي المجهول‏,‏ لأن الحروب وحدت بين الإرهابيين ودفعتهم إلي هذا المصير المظلم‏.‏

وحتي يكتشف المحافظون الجدد في أمريكا‏,‏ ومعهم تيار الحكم في حزب المحافظين البريطاني‏,‏ أن الحرب غير المبررة ضد العراق‏,‏ وعدم حل المشكلة الفلسطينية‏,‏ يغذيان العالم المعاصر بالإرهاب‏,‏ فسوف تظل تلك الأوضاع الكارثية مناخا خصبا للإرهاب بصوره المختلفة والمخيفة‏.‏

وما يهمنا الآن هو التجربة المصرية‏,‏ في الإصلاح السياسي والاقتصادي‏,‏ فهي تتحرك بخطي ملموسة‏,‏ ومناخ الحرية يتسع يوما بعد يوم‏,‏ وعدد الصحف في ازدياد مستمر ووسائل الإعلام مفتوحة لكل الآراء‏,‏ ويعبر الجميع عن أنفسهم بكل الوسائل‏,‏ بما فيها التظاهر بحرية‏,‏ تحت أسماع وأبصار العالم‏,‏ ويجري كل ذلك في ظل حركة قوية هدفها تغيير التشريعات والقوانين‏,‏ استعدادا لفتح الأبواب لانتخابات الرئاسة التي سيتنافس فيها أكثر من‏20‏ حزبا سياسيا‏.‏

وهذا المناخ المفتوح‏,‏ وتلك الحريات الواسعة‏,‏ لم ولن تتأثر بالإرهاب وتهديداته‏,‏ إذ لنا تجاربنا الخاصة معه‏,‏ ونحن قادرون علي كشفه وتعريته‏,‏ ليس أمنيا فحسب‏,‏ بل ثقافيا أيضا‏,‏ ولقد وقفت مصر دائما ضد الحروب‏,‏ وطالبت بحل النزاعات بالطرق السلمية‏,‏ وهكذا يقع الذين ينصحوننا بالإصلاح الداخلي في مأزق كبير‏,‏ لأننا نتحرك من منطلق قدرتنا الداخلية‏,‏ ورؤيتنا الإقليمية الرحبة‏,‏ وسط مناخ متوتر صنعته سياسة معايير مزدوجة‏,‏ كرست العنصرية والتهميش لنا وللعالم الثالث‏,‏ بل وعمقت الصراعات الكبري المؤثرة بالمنطقة‏.‏

وماينبغي تأكيده هو أن محاولات التدخل الخارجي في الشئون الداخلية‏,‏ لا تؤثر علي مسارات الإصلاح فحسب‏,‏ وإنما تؤدي أيضا ببعض الفئات الباحثة عن الشهرة أو الأدوار إلي ممارسة الابتزاز‏,‏ وكلها مظاهر سلبية تعرقل قوة وحركة هذا الإصلاح‏,‏ ونعتقد أن المجتمعات الصحية ذات النخب الثقافية القوية‏,‏ المتحلية بالضمير الواعي‏,‏ والنظرة الصحيحة إلي المستقبل‏,‏ ستقف ضد الإرهاب‏,‏ وسترفض الابتزاز‏,‏ وستضع نفسها علي الطريق الصحيح الذي يجذب كل قوي المجتمع إلي عملية إصلاحية شاملة تحقق مطالب الجميع‏.‏

إن مصر بسياساتها الراهنة تمضي علي هذا الطريق‏,‏ ليس لتحديث الداخل فقط‏,‏ وإنما لإعطاء النموذج الأمثل للمنطقة كلها أيضا‏,‏ فهي تعرف دورها في عالم مضطرب‏,‏ ومن واجبها أن تقدم هذا النموذج وذلك الدور لكي يعرف الجميع كيف يتغلبون علي أزماتهم‏.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى