مقالات الأهرام اليومى

الشريف‏..‏ الدبلوماسية الحية

ارتكبوا الجريمة‏,‏ وقتلوا سفيرنا في بغداد إيهاب الشريف بطريقتهم التي نعرفها‏,‏ المتجردة من كل القيم الدينية والإنسانية‏,‏ وبالرغم من أن هذه الجريمة كانت متوقعة‏,‏ لأن الخاطفين لا يعرفون إلا لغة القتل‏,‏ فإن الإنسان كعادته لايفقد الأمل حتي لو كان معدوما لدي هؤلاء المجرمين‏.‏

وبالرغم من مرارة وبشاعة هذه الجريمة‏,‏ فإن نفوسنا الحزينة يملؤها التحدي والإصرار علي السير في الطريق الذي قطعناه من قبل‏,‏ فمصر حاربت الإرهاب الأسود قبل أن يعرفه العالم‏,‏ وقبل أحداث‏11‏ سبتمبر‏2001‏ الشهيرة في الولايات المتحدة الأمريكية‏,‏ وانتصرت عليه‏,‏ وطهرت ربوع البلاد من هذه الجماعات عبر ملحمة بطولية‏,‏ شارك فيها الأمن‏,‏ وكل قوي المجتمع‏,‏ السياسية والدينية والثقافية‏.‏

ولم نتوقف عند هذا الحد‏,‏ بل عملنا علي تطهير العقول من التطرف أيضا‏,‏ ومازلنا نواصل هذه المهمة الجليلة‏,‏ ونعتبرها من أبرز إنجازاتنا وأعمالنا الكبري في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات‏,‏ وحتي الآن‏,‏ لأن الإرهاب والتطرف يمثلان النقيض للحياة والمستقبل‏.‏

ومن هذا المنطلق لايجوز أن يتصور أحد أن تلك العملية القذرة‏,‏ التي أودت بحياة رئيس بعثتنا الدبلوماسية في بغداد‏,‏ ستجعلنا مترددين‏,‏ لأننا قادرون علي مواجهتهم في الخارج‏,‏ كما واجهناهم في الداخل‏.‏

فالسفير المصري يمثل السياسة المصرية المشرقة التي دافعت‏,‏ ولاتزال‏,‏ عن العراق‏,‏ ورفضت الحرب عليه‏,‏ وتعمل باستمرار من أجل عودة سيادته وتخليصه من الاحتلال‏,‏ وتنفيذ قرارات الأمم المتحدة‏.‏

وجاء اختياره للخدمة في العراق بسبب طبيعة المهمة الشاقة التي أوكلت إليه‏,‏ فنحن نعرف الوضع المأساوي الذي آل إليه العراق‏,‏ ولا يرضينا أن يستمر بلد عربي رئيسي‏,‏ وشعب شقيق‏,‏ في هذا الوضع‏,‏ تحت حصار الموت والاحتلال‏,‏ من هنا ذهب الشريف إلي بغداد‏,‏ وكشف سجله‏,‏ في العمل داخل العراق في ظروف صعبة‏,‏ عن دور مسئول‏,‏ وشخصية محبة لعروبته وللعراقيين‏.‏

فقد أعد‏,‏ بدأب وبحكم مسئولياته‏,‏ لمؤتمري شرم الشيخ والقاهرة عام‏2004,‏ وهذان المؤتمران هما اللذان حركا المجتمع الدولي لصالح استقلال العراق‏,‏ وتقرير مصيره وحرية شعبه‏,‏ كما لعب السفير الشهيد دورا بارزا باعتباره المسئول عن ملف العراق في اجتماعات دول الجوار لحشد الدعم والتأييد للقضية العراقية‏.‏

وهذا الدور ليس الوحيد الذي قام به‏,‏ وإنما قام بأدوار كبري‏,‏ دافع من خلالها عن مصالح العرب والفلسطينيين والمصريين لدي إسرائيل‏,‏ بعد سحب السفير المصري من هناك عقب حصار عرفات‏,‏ وهؤلاء القتلة لا يعرفون هذه الأدوار‏,‏ كما لا يعرفون ولا يعلمون حجم التبجيل والتقدير الذي يتمتع به الراحل الكريم لدي الشعب الفلسطيني‏.‏

قتلوا إيهاب الشريف السفير النبيل‏,‏ لأنهم لا يعرفون أن الشهداء لايموتون‏,‏ وأنهم يحيون إلي الأبد‏,‏ ويتحولون إلي منارات تضيء الطريق للقادمين‏.‏

وكما قال لي أحمد أبو الغيط وزير الخارجية سنجعل من تكريمه رسالة تعبر عن شجاعة الدبلوماسية المصرية‏,‏ وسنعطي أكبر قدر من الاهتمام بالقضية العراقية‏,‏ وسنبقي علي اتصالنا بالشعب العراقي‏,‏ ومن لا يعرفون الدبلوماسية حق المعرفة قد لا يدركون هذه المعاني‏.‏

فالشهيد الشريف لم يكن الأول في قائمة الشهداء‏,‏ ولن يكون الأخير‏,‏ ولا شك في أن دبلوماسيينا سوف يواصلون انتشارهم في ربوع العالم للدفاع عن مصالح الوطن‏,‏ وقضاياه العادلة‏,‏ ومن هنا لن نترك العراق ليصبح محرقة يسقط فيها يوميا عشرات من القتلي ومئات من الجرحي‏,‏ وتجري علي أرضه عمليات تفجير السيارات المفخخة التي يقودها انتحاريون استغلوا الظروف الخطيرة التي ولدتها الحرب العبثية وغير المبررة علي العراق‏.‏

وبالقطع يتحمل الأمريكيون النصيب الأكبر من هذه الكارثة الإنسانية المفزعة‏,‏ بما يجعلنا نطالبهم بإعادة النظر في سياسة الحرب علي الإرهاب‏,‏ فهي إلي الآن لم تنجح في تجفيف منابع التطرف كما كانوا يتصورون‏,‏ بل إن هذه السياسة هيأت المناخ لانتشار الإرهابيين فزادت جرائمهم‏,‏ وحتي نحد من هذه الجرائم يجب أن يتم تحقيق العدالة واحترام الشعوب‏,‏ وإعطاؤها الحرية في إدارة شئونهم بلا وصاية أو تدخل خارجي‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى