مقالات الأهرام اليومى

مخاوف المتغيرات السياسية والاقتصادية

ما أشبه الليلة بالبارحة‏,‏ فعند مفترق الطرق يحدث الاختلاف دائما‏,‏ والاختلافات سمة عالمنا المعاصر‏,‏ وهي لا تؤدي إلي المخاوف‏,‏ فقدرة ما نسميهم النخب وتنظيماتها سوف تتجاوزها‏,‏ وتكون حاسمة في التصحيح‏.‏
ومصر اليوم تنهض‏,‏ فرغم كل الأصوات المختلطة والمشوشة‏,‏ فإنهم لم يستطيعوا أن يحجبوا سطوع تنظيمها السياسي‏,‏ وتحسين نظامها الاقتصادي‏,‏ وفعالية شارعها وأحزابها وإعلامها‏.‏

وكل من يلتقيك في الخارج‏,‏ عربيا كان أم أجنبيا‏,‏ يسألك عن أوضاع مصر ومدي حيويتها‏,‏ وعن الأخبار والتحليلات السياسية الصادرة من قيادتها وأحزابها‏,‏ والإعلام المختلف والصحف الكثيرة الخاصة‏,‏ التي أصبحت ظاهرة مميزة جدا‏,‏ وقد تشعر ببعض المخاوف الداخلية‏,‏ ولكن هذا لا يمنعك من الإعجاب بما يحدث لدينا فتراه تطورا‏,‏ وأننا جميعا نعيش أياما نادرة ومختلفة‏,‏ وأنه يتولد الآن في رحم الأمة حدث كبير سيشمل كل حياتنا‏,‏ فمصر لا تتغير اقتصاديا فقط‏,‏ بل سياسيا كذلك‏,‏ وأن المتغيرين يتعانقان ويولدان حالة جديدة‏,‏ سيشعر بها كل مصري‏.‏
فلم يكد ينتهي الاحتفال المهيب بصدور قانون الضرائب الجديد‏,‏ حتي كانت كل الصحف الاقتصادية والمحطات العالمية تبرق بأن هناك مناخا جديدا في مصر‏,‏ فالدولة لم تعد دولة جباية‏,‏ فهي تتحرك لخلق حالة من المشاركة مع المجتمع بتخفيض النسب الضريبية لتصبح طبيعية توقف التهرب الجماعي من الضرائب‏,‏ وذلك بعد أن يشعر كل مصري بأنه يسدد الضريبة ليبني بلده‏.‏

ويري المتخصصون أن تلك الخطوة الصريحة تنهي حالة الازدواج الاقتصادي الكبير‏,‏ التي عشناها في مصر‏,‏ فقد كان هناك اقتصاد معلن محدود الأثر‏,‏ وهناك آخر سري أو مواز يتعايش تحت الأرض‏,‏ لأنه يرفض دفع الضرائب المغالي فيها التي كانت تصادر حقه في الربح والاحتفاظ بعائد عمله‏.‏
وأول خطوة سيحدثها قانون الضرائب أنه سيجعل الاقتصادين‏:‏ العلني والموازي‏,‏ يتقاربان ويندمجان‏,‏ لأن الثقة والتنفيذ الجيد سيولدان حالة من التوافق بين الحكومة ودافعي الضرائب في المستقبل القريب‏.‏

ولم يكن قانون الضرائب وحده الذي هز المراقبين وجعلهم يتنبهون إلي ما يحدث داخليا‏,‏ إنما القوة الاقتصادية التي ظهرت بعد إعلان التطورات المتتالية في قطاع البترول‏,‏ والغاز في مصر‏,‏ ليس بتصدير الشحنة الأولي من الغاز المسال‏,‏ أو اتفاقيات الغاز مع الدول المجاورة‏,‏ عبر خطوط تصل بالغاز من الأردن إلي أوروبا‏,‏ بل كان الاهتمام بأن مصر أصبحت دولة متقدمة في هذا المجال‏,‏ ومؤثرة في اقتصاديات الغاز والنفط تصديرا وإنتاجا‏,‏ فقد حملت الاتفاقيات الجديدة والشركات التي دخلت السوق المصرية والأرقام المعتبرة لاستثماراتها مؤشرات ذات دلالات مهمة‏,‏ نقلتنا إلي مكانة متقدمة في المنافسة‏,‏ حتي إن دولا بترولية مهمة في منطقة الخليج‏,‏ وجدت فينا منافسا خطيرا‏,‏ لأننا أصبحنا بلدا منتجا ومصدرا‏,‏ نجح في خلق أسواقه في هذه السلعة الحيوية في عالم اليوم‏,‏ وهو تميز تسويقي غير مسبوق‏,‏ فلا يكفي أن تكون منتجا فيها‏,‏ ولكن يجب أن تكون لك أسواقك‏,‏ وتنجح في نقلها بكل الوسائل للأسواق العالمية‏.‏
فالأحداث الاقتصادية المنتجة‏,‏ والقوانين الجديدة‏,‏ والحركة في الأسواق‏,‏ وأبرزها العلاوة الجديدة للعاملين‏,‏ وتأثيرها المرتقب علي الحالة المعيشية لأكبر شريحة من المصريين‏,‏ والتوقعات بانحسار الركود‏,‏ لها جميعا تأثير كبير سينعكس مباشرة علي السوق والحركة‏,‏ بيعا وشراء‏,‏ والرواج الذي تحدثه سيستفيد به الجميع‏,‏ منتجين ومستهلكين‏,‏ وسيعمل علي جذب الاستثمارات والخروج من الشرنقة الاقتصادية‏.‏

ونعود إلي الأحداث السياسية‏,‏ وهي الأخري كبيرة وتأثيراتها أكبر‏,‏ فبعد التعديل الدستوري‏,‏ وصدور القانون الجديد لانتخابات الرئاسة‏,‏ والذي حافظ بدقة وحساسية علي موقع الرئيس‏,‏ وطريقة انتخابه‏,‏ سقطت كل المحاذير التي كانت تكتنف هذا التغيير الجوهري‏,‏ بالانتقال إلي انتخاب الرئيس بشكل مباشر‏.‏
وبالرغم من حالة الشد والجذب‏,‏ وظهور تيارات سياسية عديدة معارضة ومؤيدة‏,‏ فقد اكتشفنا أن حالة تماسك الشعب المصري كبيرة‏,‏ وتدعو إلي الإعجاب‏,‏ وأن الوعي الجماهيري لا حد له‏,‏ وهذا لا يمنعنا من تحذير النخب والشرائح العليا في المجتمع‏,‏ من الوقوع فريسة لأفكار قديمة تقليدية أو الاستيراد من الخارج‏,‏ أو محاولة مجموعات سياسية سابقة‏,‏ الاستفادة من التطور السياسي البارز‏,‏ ومن الحيوية الشعبية‏,‏ بإثارة غرائز أو مخاوف قديمة‏.‏ فقوة الاقتصاد والسياسة المصرية‏,‏ ومناعة البلد في اللحظة الراهنة‏,‏ لن تسمح بأن نكون لهذه الجماعات تأثير كبير‏,‏ لأن قدرة النظام السياسي والاقتصادي علي هضم وتهميش الأفكار غير الواقعية ومحاولاتها إثارة الغبار علي تجربة التحول السياسي العميقة‏,‏ ستجعل حركتهم وأدوارهم قليلة المفعول‏.‏

ومع ذلك يجب الاستفادة من حركتهم وآرائهم‏,‏ رغم ضعفها وتهافتها‏,‏ فهي تذكرنا بما كانوا يقولونه عندما تحركت مصر لتحرير أراضيها في‏73,‏ وتخويفها من قوة العدو بعدم قدرتنا علي إحراز نصر عسكري‏,‏ وحدث عكس ما توقعوا تماما‏,‏ ونجحنا في العبور العسكري‏.‏
وكذلك عندما حاولوا إثارة المخاوف عقب المبادرة السلمية المصرية التي كان تأثيرها سحريا في استرداد كل أراضينا المحتلة‏,‏ والتخلص من الصراع العسكري في مرحلة دقيقة وحساسة‏,‏ فنحن اليوم في وضع أفضل وظروف سياسية واقتصادية مختلفة عن مرحلتي السبعينيات والثمانينيات‏,‏ لأن ما نملكه من بنية سياسية واقتصادية تجعل التحول مضمونا ومأمونا‏,‏ ولن ننزلق إلي فوضي أو ردة تتوقعها تلك العقول المحدودة‏,‏ والتي لا تعرف حجم المتغيرات التي نستند إليها في التحول السياسي والاقتصادي الراهن‏.‏

ولذلك يجب أن ندعو الجميع‏,‏ خاصة الشباب الذي لم يشارك سياسيا واقتصاديا في تلك المراحل‏,‏ إلي أن يتقدم الصفوف ويبدأ العمل‏,‏ فالأرض مهيأة والمناخ مفتوح‏,‏ لكي يقدم الأفكار الجديدة‏,‏ فلا وقت للمخاوف أو التردد‏,‏ فحركة مصر تسير للأمام‏,‏ وتقودها قاطرة تستند إلي حقائق جوهرية وطاقة حقيقية لا يمكن إيقافها أو تأخيرها‏.‏

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى