فلنتحمل التغيير.. ولندفع ثمنه

أعتقد بموضوعية أن من يتابع مصر الآن, يدرك قوة وحيوية المصريين, وأنهم مصممون علي السير في التغيير, وأنهم سوف يتحملون صعوباته, ويدفعون ثمنه بلا تردد, فكل من يتحرك نحو هدف صعب, عليه أن يدرك أنه قد يحدث خطأ هنا أو هناك, ويجب ألا نصرخ أو نستغيث منه, بل نعمل علي تصحيحه, وتلافي أثره السلبي, مع الإصرار علي السير في طريقنا, فإن لنا غاية كبري وسوف نحصل عليها.
فالإصلاحات الاقتصادية والسياسية, دخلت مراحل متقدمة, وعائدها يلوح لنا في الأفق, وفي تلك الأوقات تظهر الشدائد, والأقوياء هم من يتغلبون علي ما يواجهون, ويصححون المسارات, ونحن أقوياء وقادرون.
وهذه حقائق علي الأرض وليست كلمات للتشجيع, ففي الاقتصاد شخصت أعين المراقبين واشرأبت أعناقهم, وهم يشاهدون الرئيس حسني مبارك في قلب مدينة دمياط, وما تمثله من نموذج واضح للعمل الدءوب, ومثابرة الدمايطة علي الإنتاج والتجويد, فلم تعد دمياط مدينة لصناعة الأثاث أو الحلويات أو الجبنة البيضاء ذات الطعم المميز فقط, ولكنها الآن تدخل عالم الإنتاج الكثيف, عالي الجودة والتكنولوجيا, ولن يأتي التأثير هنا في اقتصاد دمياط والدلتا وحدهما, إنما في مصر كلها, ففي مجال الغاز الطبيعي والبتروكيماويات, بدأ المصريون يسيلون الغاز الطبيعي ويعبأونه ويصدرونه إلي أمريكا وأوروبا في عبوات, وعبر ناقلات ضخمة من ميناء دمياط, باستخدام التكنولوجيا المتقدمة.
ولأن الغاز, هو طاقة المستقبل النظيفة, والتي تكتشف الآن في مصر بكثافة, كثروة دفينة, فيجب أن نحولها إلي أموال, وذلك لن يتم إلا عبر تصديرها إلي الأسواق العالمية, ونقلها هو مكمن الصعوبة, وقد أنجز العقل البترولي المصري مهمته, وأصبحنا من الدول المتقدمة في إنتاجه, ثم في تصديره إلي الأسواق العالمية, فبعد تصديره عبر الأنابيب إلي الأردن ومنها إلي الأسواق العربية, بدأنا نستخدم تكنولوجيا متقدمة.
وكانت صورة الرئيس مبارك وجهازه التنفيذي, داخل مجمع الغاز الطبيعي والبتروكيماويات في دمياط, إشارة إلي قوة مصر القادمة في عالم الاقتصاد, وأقول لكل المتشائمين إن الرؤية الحالية ستفرز واقعا جديدا ومختلفا في السنوات المقبلة, وسوف تغير من مكانتنا, فنحن في عالم لا يعرف إلا القوة, ولا يحترم إلا الأغنياء, والذين يعملون, ونحن علي الطريق.
وقد يكون لنا نفوذ سياسي مؤثر في منطقتنا, بحكم أدوارنا التاريخية المتعددة التي أديناها لأشقائنا في خلق السياسات الجديدة, والدفاع عن مصالحهم, وحماية استقلالهم وتبني قضاياهم, لكن المتغيرات الجديدة جاءت بعد إنتاج البترول والطاقة في الشرق الأوسط, لتغير مراكز القوي, ومصر الآن تتحول, بالاكتشافات الجديدة, إلي اكتساب هذه الثروة, مدركة أن الدور الإقليمي والعالمي يبدأ من الداخل, بدولة منظمة, سياسيا واقتصاديا, صاحبة مبادرات خلاقة, تعطي النموذج الأفضل, مع مراعاة المصالح الإقليمية والدولية المتشابكة والصعوبات الداخلية.
فنحن نكتشف البترول والغاز, طاقة العصر, ونصنعه ونصدره, ونخرج كذلك من الحيز الضيق, ونبني المدن الجديدة, والآن نبني القري(400 قرية صحراوية) جديدة, وعمليا نعمر25% من مساحة مصر, بعد أن عشنا طويلا في مساحة تتراوح ما بين3 ــ4% فقط, وأعيننا الآن علي استكمال البنية الأساسية بالمعايير العالمية.
فلم نكن نري الطرق الحديثة والكباري والمحاور العملاقة إلا في القاهرة, ونجدها الآن في الدلتا وفي الصعيد, وفي سيناء, وعلي البحرين الأبيض والأحمر, وكل مؤسسات الدولة تعمل معا بشكل جماعي, فبعد أن كانت أعمالنا فردية, فإذا بنا نتخلص من هذا العيب الخطير, ونتجه إلي الجماعية, فالقوات المسلحة تتعاون مع المجتمع المدني وتبني الطريق الصحراوي الغربي من الفيوم إلي أسوان, كما بنت طريق القاهرة ـ العين السخنة.
إنها صورة جديدة للاقتصاد المصري, كما نراها في حكومة شابة, قدمت ميزانية شفافة ودقيقة, وصححت قوانين الضرائب والجمارك بحسم وثورية, وأمسكت بالخيط الدقيق, أي حافظت علي إيرادات الدولة لاستمرار التنمية الإنسانية الشاملة, عبر زيادة الإنفاق الحكومي في الصحة والتعليم والبنية الأساسية.
ولهذا نراه اقتصادا يدعو إلي التفاؤل, لكننا نحتاج إلي مزيد من الثقة, لأن النمو المستهدف هو6% سنويا, ونرغب في مضاعفته في السنوات المقبلة حتي يصل عائده إلي الجميع, ولن يتحقق ذلك إلا بالتحلي بالصبر والعمل الواثق, وهما سمة المتقدمين إلي الأمام الذين لا يهتزون ولا يترددون ولا يخافون.
كانت تلك صورة مصر الاقتصادية أمام العالم, وهي في نفس الوقت تتجه بقوة إلي بناء نظام سياسي جديد تنافسي, بعد تعديل مادة محورية في دستورها, والخاصة بانتخاب الرئيس المقبل, وما يصاحب ذلك من شد وجذب وحماسة المؤيدين ومعارضة المعارضين والباحثين عن أدوار مع حركة التغيير التي أقرتها المؤسسات: الدستورية والتنفيذية والتشريعية والشارع, فبهذا التعديل أصبحنا أمام استحقاق جديد,
وانتخاب الرئيس في عام2005 عبر الشارع مباشرة, يعد تحولا كبيرا, قد تكتنفه أخطاء من المؤيدين والمعارضين, ولكن المهم هو فهم ما يجري لتحقيق الأهداف المنشودة, لكي نصل إلي انتخاب رئيس لمصر عبر الشارع, يتمتع بشرعية أكبر, ويجب أن يكون ذلك هدف الأمة الاستراتيجي, لأن بناء نظام قوي سوف يحقق مصالح الجميع, وإذا كانت حركتنا اكتنفتها أخطاء بسيطة, واستغلها البعض خارجيا, فإن التصحيح المصري جاء سريعا, واستوعب هذه الأخطاء برفضها والتحقيق فيها, ومعاقبة مرتكبيها, وهي روح جديدة اتسمت بها الأغلبية السياسية, وأعتقد أنه يجب أن تحافظ علي صورتها نقية ومنظمة في المرحلة المقبلة حتي تحقق أهدافها, ولكن علي الأقلية السياسية هي الأخري, مسئوليات جديدة, بأن تشارك وتتفاعل مع الحدث, فالتطور كبير, والتطلعات أكبر, ومصر تستحق الأكثر.